عندما يتحدث أمير إمارة “تأسيس”: في قول ما قاله “الأمير” حميدتي

Wait 5 sec.

صلاح الزين“الأمير حميدتي”، ككل أميرٍ ماثلٍ، هناك، أو محتملٍ وقيْدِ التكوُّن، ليس معنيًّا بجمهرة السامعين أو الفرجة.” الأمير” يأتي ليقول قولَهُ مشفوعًا بِسِنانِ الغريزة أو ما جُبِلَ عليه فلا الوراء وراء ولا الأمام أمام. يَنظر إلى خطابه في مرآة الخطاب لتصير المرآةُ مرآةً واحدةً لا تَرتضي بجوارها مرايا أخرى تطلّ منها وجوهٌ وخطاباتٍ ليست في ما يَرى مِن مرآته.وككل أمير، منذ بدء الخليقة وترجُّلِ آدم وحواءه، مطرودين من مملكة السماء، أَسّسَ لدياناتٍ، آتية من السماء أو صاعدة نحوها، لتكون دابةً للأمير ومركِبًا ببوصلة تسعفه في الإبحار فوق ماء العباد وشؤون حياتهم.هكذا افتتح “الأمير” حميدتي خطابه المبثوث في الثاني من يونيو 2025 حتى غَلبَ المحمول الديني على مجمل ما قاله ليصبح ما يود قوله، وهو “أمير تأسيس” وهاديها، انمساخ وحواشي تُزوِّق ما كان متوقعاً كخطابّ سياسي وسط جلبة الحرب وخراب البلاد.هكذا أتى “أمير تأسيس” في أول خطاب له بعد إعلان ميلاد “تأسيس” في فبراير الماضي متنكباً ذات القاموس واللغة والمفردة التي قال ويقول بها صنوه “الفلولي” وشريكه منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان. لا غرو: فالإله “جانيوس” برأسَيْهِ الفلولي والجنجويدي لا يبرح عادات كيفية الجلوس على عرش رُبوبيتِهِ حتى لا يخرج عن دين الخطاب، خطاب حرب أبريل 2023، فتُصاب الخليقة بسماواتها وأرضها وعِبادِها بما لا يُحمد عقباه!!الثدي ذات الثدي والمشيمة ذاتها. هكذا يتنافس الرأسان، الفلولي والجنجويدي، على شد المسوغ الدينيّ لأقصى طرفٍ فيه إذ الأخير ليس سوى استطالة تافهة مُستَلّة من ضلع الأول وبندقية للإيجار في سوق الخطاب العربسلامي أَنجزَتْ ما أُنيطَ بها في دار فور واستقدامها لإنجاز ذات المهام في العاصمة وولاية الجزيرة قبل أن تقفل راجعة لمرابع طفولتها، دار فور، لإتمام ما سهت عنه قبل ربع قرن من الزمان، بعد أن اشتد عُودُها وبلغَتْ من الرشد مبلغاً.وككل أمير، لأمير “إمارة تأسيس”، الأمير حميدتي وصاياه في خطابه المبذول: أوصَى بالتمسك بشهادة لا إله إلا الله كتميمةٍ تَقي الأشاوس من ما يمكن أن تَجرّهُ الحرب من ويلاتٍ وموتٍ يُثاب الأشاوس عليه بتمسُّكِهم بالشهادة وحشرهم في زمرة الشهداء الموعودين بالجنان والنعيم.وهنا يفترض الأمير قداسةً دينيةً إسلاميةً لحربِ أبريل 2023. أحد أمرين: أن يكون “الأمير” حميدتي قد نسيَ أنه بتأسيس “تأسيس” التي تسعي نحو تكوين سودانٍ جديدٍ علمانيِّ الدينُ فيه شأن شخصي بين العبد وربه تقف فيه كلا الكنيسة والمسجد أمام باب السياسة المغلق بإحكام لصد أي منهما للدخول فيما تعنيه السياسة من إدارة الشأن العام المنزوع من أي لبوس ديني. أو، الأمر الثاني، أن يكون “الأمير” ليس بملكاتٍ عقليةٍ لاستيعاب ما تعنيه البنود الواردة في ميثاق “تأسيس” فيما يخص الدعوة لقيام سودانٍ جديد علماني ديمقراطي مما يستدعي ضرورة إدراجهِ في مدرسةِ كادرٍ سياسي وتثقيفي للإلمام واستيعاب مفاهيم أطروحة السودان الجديد!!يتابِع الأمير حميدتي وصايا البرتقال فيوصي سكان (الأُبيض) و(الشمالية) بأن “يحرسوا بيوتهم وأن يقعدوا قدام دكاكينهم” فالقادمين، في مقبل الأيام، عساكر وجنود يبحثون عن الفلول وبحوزتهم قوائم بأسمائهم وأماكن تواجدهم. بقول آخر، وبمهارة ودِربة أميرّ صاعد، قال “الأمير” إن القادمين الجدد لا ينتمون لفصيلة “الشفشافة” و”الكِسِّيبَة” ولذلك حَثّ سكان مدينة (الأُبيض) بالبقاء في منازلهم والجلوس أمام دكاكينهم!!.ومثل كل أمير في بداية خطوه على درج الإمارة، نسيَ “الأمير” حميدتي ما فعله الأشاوس عندما اجتاحت جحافلهم الخرطوم وولاية الجزيرة. حينها اعرضوا عن مواقع الفلول واستباحوا المدن والأحياء والحَلّال نهبًا وقتلًا واغتصابا. وهنا يتسق قول “الأمير” حميدتي مع ما قاله “ولي العرش”، شقيقه “الأمير” عبد الرحيم، إنهم أخطأوا مواقع الحرب حين اجتاح الأشاوس الخرطوم وولاية الجزيرة بدلاً من ولاية الشمالية ونهر النيل، فيا ويلهم!!!هكذا يخطئ “الأمير” لينهض أمير آخر لإصلاح خطأه وغفلته. قد تخطئ الشعوب والتاريخ ولكن لا يخطئ من هو أمير منذور لإنقاذ السودان من ويلات وفساد الفلول!!“الأمير” حميدتي، مثل كل أمير في يفاعته وشبابه وهو يبدأ أولى خطواته في سلم الإمارة، ينسى أنه مُستولدٌ ومُستحدثٌ ومُستلٌّ من ضلع توأمه الفلولي قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان وبموجب شهادة استيلاده، لا ميلاده، حُدِّدت وفُصِّلت مهامُهُ ووُسِمَ بميسمٍ أَكسبَهُ نسبٌ في شجرةِ عائلةِ الخطاب العربسلامي لا يستطيع فكاكاً من خطابها إلا بموتِ ذاتِ الخطاب: فطبيعة الإله “جانيوس”، ككل إله، ليست من طبيعة البشر في التمرد والانفلات من قيد الخطاب إلا بتغيير الموقع داخل مستويات الخطاب ليكون الخروج هو هو دخولًا آخرَ في البنية والاستنفاع في أحد مستويات بنية الخطاب.و”للأمير” حميدتي الجنجويدي، كما لتوأمه الفلولي، وفرة باذخة في استخدام المفردة الشعبية ورفْعِها لمقام المصطلح الحربي والسياسي. فمثلما نادى به صنوه الفلولي من (بل بس) فقد ناظرهم الأمير بـ(طق بس)!! وعضّدَ الأمير قوله بالقول “جدة تاني مافي”!! من عينة هذا التشجير اللغوي ما قال به “الأمير” حميدتي مخاطبًا الأشاوس وأهالي (الأُبيض) أن “الأَبَنْص لحام”!! ويعني بذلك حث الأشاوس على الإقدام وعدم التردد حين يجتاحون مدينة (الأُبيض). إنها اللغة، اللغة كغنيمة حرب إنْ كانت هناك أو ماثلةً الآن هنا في خطاب حرب أبريل 2023.وتترى وصايا “الأمير” حميدتي وتأخذ بخناق بعضها البعض، ويختم بالقول مخاطِبًا ومطمئنًا الشعب السوداني أنّ شباب الرأس الجنجويدي لن يتراجعوا عن القضية الوطنية ومطلوباتها حتى وإنْ قضى الله أمرًا كان مقضيًا بصعود الروح لباريها، روح “الأمير” حميدتي أو “ولي عرشه” “الأمير” عبد الرحيم، من غير أن يرفد الشعب السوداني، في المبتدأ والأخير، بمانفيستو وبرنامج سياسي وفكري يتوسله رأس الإله “جانيوس” الجنجويدي في الدفاع عن قضايا السودان وشعبه بمعزلٍ عن رأسه التوأم، الفلولي، المشمولان في خطاب حرب أبريل 2023 بتشابكاتها الإقليمية والدولية والتي تلعب فيها دولة الإمارات كمخلبِ قطٍ لرأس المال المعولم. بل يقول “الأمير” بوعيٍ مدرِكٍ يحايث لغةَ ما قاله ويخفي مرامي خطابه: أنْ لا خروج للشغيلة doers الأشاوس المحارِبين عن عباءة حرب الأسرة “الدقلوية” في طموحها لتأسيس إمارةٍ أسريةّ بما تملكه من موارد مالية وجبال ذهبٍ وما تبذله دولة الإمارات من سندّ مالي وعسكري تشهد به تقارير ومنشورات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان.ومثل كل أمير في حربٍ خَطْط لها، أوصٌى الأمير حميدتي شغيلته الأشاوس بحسن معاملة الأسرى حتى يتسق ما افتتح به خطابه من حمولةٍ دينيةٍ تتساوق وزف شهداء الأشاوس إلى حدائق الجنان. وكعادة الأمراء ذوي الذاكرة الحدباء، فقد انزلقت من ذاكرة “الأمير” حميدتي ما فعله في دار فور قبل ما يزيد عن عقدين من الزمان من قتلٍ وتهجير قرابة المليونين من أهالي دار فور في سياسةٍ إحلاليةٍ أفضت إلى توطينهم في معسكرات (زمزم) و(الشواك) و(كَلمة) حتى نشأ جيلٌ جديد مبتوتُ الهوية الزمكانية والثقافية. وليس في ذاكرة “الأمير” حتى حيز لما فعله حديثًا “شِغيَلتُهُ” الأشاوس في ولاية الجزيرة والعاصمة.لكن يُحمَد “للأمير” حميدتي، مثل كل أمير آخر، استدراكه وتعليقهِ بحرصّ بالغٍ على حادثة دهس الأسرى بسيارة وتوصيته أن تعقد محاكمة ميدانية للاقتصاص من الجناة!! فالأمير، “الأمير” حميدتي يتوعد جناة حادثة الدهس بالقصاص وذات الأمير، “الأمير” حميدتي لا غيره، يصمت عن التجويع والحصار المضروب حول مدينة الفاشر وساكنِيها لما يقارب العامين!! بالطبع لا أحد من هيئات المليشيا المملوكة لأسرة “الأمير” حميدتي يتجرأ بالإشارة لذلك. فقط ما يصعب فهمه كيف لذات المليشيا أنْ تَعدَمَ مَن يحاسبها أو يكف يدها عن التنكيل والقتل وهي، ومنذ فبراير الماضي، زعيمة ومؤسسة لتحالف “تأسيس” معية أطراف أخرى بهدف هدم سودان قديم وبناء سودان جديد ديموقراطي وعلماني؟؟!!وأخيرًا ومثل كل أمير وخُطَبِهِ، يترك “الأمير” حميدتي المستمعين وجمهور الفرجة بسؤالٍ منقوعٍ في ماء المجهول: يا تُرى هل استشار “الأمير” حلفاءه في “تأسيس” في ما قال ومرامي خطابه عملاً بمواثيق وأبجديات التحالف السياسي في أدنى مستوياته أم أن “الأمير” لا يستشير الحاشية وموظفي القصر في ما يفعل وما ينشد فعله؟؟؟!!!The post عندما يتحدث أمير إمارة “تأسيس”: في قول ما قاله “الأمير” حميدتي appeared first on صحيفة مداميك.