بذاءة العم حماد بين الموروث الشعبي والاحتفاء الرسمي!

Wait 5 sec.

عماد خليفةتعد اللغة البذيئة أو ما يُعرف بـ (لغة الغرف المغلقة) من أكثر الظواهر اللغوية إثارة للجدل في المجتمعات البشرية. فهي تتراوح بين كلمات نابية محظورة اجتماعياً إلى تعابير عفوية تُستخدم في سياقات خاصة، كالحديث بين الأصدقاء أو في لحظات الغضب أو حتى كوسيلة للتفريغ النفسي. يرى البعض أن هذه اللغة دليل على انحدار الأخلاق وضعف التربية، في حين يفسرها آخرون على أنها تعبير طبيعي يُستخدم في سياقات معينة.الشاهد، أن في كل المجتمعات البشرية المتحضرة منها والمتخلفة توجد هذه اللغة وتقال في الغرف المغلقة وبين الكواليس وأحيانا خارجها، وتنتشر هذه الخطابات في مجتمعات الرجال والنساء معاً، وهناك شخصيات تبدع في استخدامها و(نجر) مصطلحاتها، يحدث كل ذلك دون حرج. فشخصية العم حماد حاضرة في كل مدن وقرى وفرقان السودان وتعتبر جزءاً من الموروث الاجتماعي الشعبي، تم تناولها في الأدب السوداني وأبدع أديبنا الراحل الطيب صالح بتجسيدها في معظم رواياته باعتبارها واقعا معاشا يمشي بين الناس لا يمكن تجاوزه في كل الكتابات الأدبية التي تتناول حياتنا الاجتماعية وتفاصيلها المختلفة.خلال سنوات الإنقاذ الكالحة والتي هُدمت فيها كل القيم الجميلة الموروثة لم تنجو لغة الخطاب السياسي من الابتذال الذي ساد في تلك السنوات العجاف، فأصبحت اللغة المنحطة والسوقية هي السمة المائزة للمسئولين، إذ صارت تُنشر دون حرج أو حياء عبر القنوات الإعلامية الرسمية للدولة، فتدحرج الخطاب الرسمي من اللغة العالية الرصينة والمنضبطة التي كانت السمة الرئيسة في لغة وخطابات الرعيل الأول من القادة والسياسيين أمثال المحجوب والأزهري وزروق والشريف حسين الهندي والصادق المهدي وغيرهما إلى لغة (لحس الكوع، و تحت جزمتي والبلاقيك متحزم لاقيهو عريان) وغيرها من البذاءات التي امتلأ بها قاموس الإنقاذ السياسي. تواصل هذا الانحطاط لاسيما بعد استيلاء البرهان وزمرته من بقايا الإسلاميين على المشهد السياسي بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.تلفظ العم حماد بألفاظ نابية تعبيراً عن فرحته عقب خروج الدعم السريع من منطقة الدندر، (يفش) فيها غضبه و حنقه على انتهاكات الدعم السريع بمدينته، تم تسجيلها ونشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ما قاله العم حماد وحتى في إطاره المحلي قد لا يكون مقبولاً، ولكن لا أحد يستطيع تجريمه، بيد أن السقوط الأخلاقي الكبير الذي حدث من قائد الجيش، هو احتفاءه بهذه الألفاظ و إخراجها من سياقها الشعبي العفوي وتسويقها ك(ترند) وطني تم به تكريم العم حماد بإهدائه حجة مجانية من أموال دافعي الضرائب. استطاع البرهان والآلة الإعلامية المضللة حوله الى تحويل لغة العم حماد من فعل عفوي عابر إلى أداة سياسية والي غطاء مريح لتمرير خطاب رسمي مُغلف بخبث ماكر وتدويرها كمكسب سياسي في خضم فضاء إعلامي ملئ بالأكاذيب المكررة والممجوجة، ومحاولة توظيفه كسقالة ومحور تماسك وطني يخفف حالة التشظي المجتمعي والتفكك والانهيار الكبير الذي لم يشهده المجتمع السودان من قبل. يجسد هذا الاحتفاء الزائف قمة الانحطاط من قائد الجيش الذي أساء كثيراً للعم حماد وأسرته، قبل أن يسيء إلى منصبه كقائد أمر واقع تم فرضه بقوة السلاح، لا إلى شخصه لأنه أعتاد على تشنيف أذان السودانيين بساقط القول وفاحشه.هذه الحالة تُثبت أن الخطاب السياسي، حين يفتقد للشرعية الأخلاقية، يعمل على إعادة تدوير كل شيء حتى الفضائح لصالحه، فالعم حماد ربما يكون قد نسي ما تلفظ به من كلمات بعد نطقها مباشرة، ولم يكن يتوقع أن تقوده هذه الألفاظ إلى أداء مناسك الحج… حجا مبروراً وذنباً مغفوراً عمنا حماد عبد الله حماد.The post بذاءة العم حماد بين الموروث الشعبي والاحتفاء الرسمي! appeared first on صحيفة مداميك.