إخوتنا المصريون في حيرة من فكرة أن آلاف الأسر السودانية لشهور مُتطاولة يعيشون بينهم في مصر عيشة كريمة يستأجرون الشقق _ وربما تملَّكوها _ ويدخلون أبناءهم المدارس ويقيمون مناسبات الزواج و العزاءات يطعمون فيها الطعام و يستأجرون لها القاعات.هذا شيء ما كان متوقعاً أن يصدر عندهم بالطبع ممّن أخرجتهم الحرب من ديارهم لاجئين نازحين، غالب الظن أن إخوتنا المصريين يرون الآن مَن معهم من أهلنا الذين يعيشون بينهم أثرياء يكتنزون الذهب والأموال!!وليست بالطبع هذه حقيقة الأمر، الحقيقة أن السودانيين أغنياء فقط بأسرهم الممتدة وأغنياء بروح التكافل التي هي في طبعهم.لن يستطيع المصري ولا غيره من أشقائنا العرب أو الأفارقة أن يستوعب فكرة أن فرداً واحداً منا في وضع اقتصادي متميز يمكن أن يتكفَّل بمعيشة أُسر لا أسرة واحدة، يدفع لهم إيجار السكن ورسوم المدارس ومِيْرة الشهور المتلاحقات، وربما كان هذا الفرد ليس من الدرجة الأولى في القرابات!!ستتضاعف الدهشة عند غير السودانيين إذا علموا أن قرية عندنا في ولاية الجزيرة هي قرية الطالباب جمع أبناؤها المغتربون في المهاجر مئات الآلاف من الدولارات أعادوا بها خدمات الكهرباء والماء وعمَّروا بها كل خراب مليشيا السوء في قريتهم بجهد ذاتي لم يكلفوا فيه خزينة الدولة فلساً!!هذا هو مصدر قوة المجتمع السوداني وأصل ثرائه وغناه.الآن ما عندي شك أن مؤسسة كجامعة الخرطوم مثلاً لو أطلقت نداءً لإعادة الإعمار، ونهضت إدارتها لهذا الأمر في جد وعزم فلن تكون استجابة خريجي الجامعة الذين ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها بأقل من استجابة أبناء قرية الطالباب.قل مثل ذلك في مؤسسات التعليم الأخرى، وفي مساجد تعلَّقت بها قلوب مصلين، وفي مستشفيات يدين لها عاملون في الحقل الطبي بولاء، وفي أندية كالهلال والمريخ الانتماء لها عند بعضنا نسب فوق الأنساب!!طبعا هذا الكلام كله لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها وواجباتها، لكنه التنويه بالذي عندنا وبما نملك أن نفعله.وليست إعادة الإعمار بالخطوة التالية التي ينتظر الناس لها نهاية الحرب في السودان جميعاً لتبدأ، ولكنها حركة موازية تمضي في الولايات الآمنة والمناطق المحررة مع حركة الضربات على المليشيا وتفكيكها في مناطق سيطرتها بالعمليات العسكرية وبالأيادي الاستخباراتية وبالفعل السياسي عزلةً لها وقطعاً لإمدادها.