لطالما كانت حلب قلب الاقتصاد السوري، مستفيدةً من موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة، ومهارة أبنائها في الصناعة والتجارة. حيث ازدهرت المدينة بأسواقها وصناعاتها التقليدية، مثل صناعة صابون الغار والنسيج، وظلّت عبر العصور مركزًا تجاريًا وصناعيًا رئيسيًا، حتى غدت العاصمة الاقتصادية الأولى في المنطقة، وشريان المال الذي لا ينضب بفضل تجارها المتماسكين تاريخيًا.إلا أنّ المدينة تعرّضت خلال العقود الأخيرة لسياسات ممنهجة أضعفت دورها، حيث فُرِّغَت من محتواها الاقتصادي وحُجِّمَت حركة أبنائها في القطاعين الصناعي والتجاري، إلى جانب تغييرات إدارية، كفصل إدلب عنها، ما أثر في ثقلها وتمثيلها السياسي، بالإضافة إلى توتير العلاقة بين أهل المدينة والريف. هذا النهج والتهميش استمرّا لعقود، ما انعكس سلبًا على الدور الاقتصادي لحلب.واليوم، في ظلّ التحديات الاقتصادية الراهنة، تبرز الحاجة إلى إعادة إحياء دور حلب محرّكًا أساسيًا للنهوض بالاقتصاد الوطني. وخلال زيارته الأخيرة للمدينة، اجتمع الرئيس أحمد الشرع مع عدد من الصناعيين والتجار والفاعلين من عدّة خلفيات ثقافية واختصاصية، حيث طُرحت مقترحات عدة، كان أبرزها عقد مؤتمر اقتصادي في حلب خلال الصيف المقبل.قد يمثّل هذا المؤتمر فرصة محورية لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري بمختلف قطاعاته، عبر توحيد الجهود الوطنية والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لحلب ودورها التاريخي الريادي، وإنّ نجاح هذا المؤتمر من شأنه أن يخلق منصة حيوية لرجال الأعمال والمستثمرين والخبراء الاقتصاديين، سواء من داخل البلاد أو المغتربين، ما يتيح تبادل الخبرات وطرح استراتيجيات تنموية فعالة. كذلك فإنه قد يشكّل خطوة رئيسية نحو تحفيز خطط التنمية المستدامة، عبر جذب الاستثمارات، وتطوير القطاعات الإنتاجية، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز خطط الإعمار. بناءً على ذلك، وضعتُ تصوّرًا لما قد يتضمنه هذا المؤتمر من مناحٍ مهمة، الذي أتوقع له أن يكون محطة مفصلية في مسار التعافي الاقتصادي السوري، وبداية لرسم ملامح المرحلة الاقتصادية المقبلة:- إعادة الإعمار والتنمية: فرصة لخلق منصة لطرح مشاريع إعادة الإعمار في مختلف المدن السورية، عبر تقديم حوافز استثمارية ووضع أطر تعاون مع الدول والشركات المهتمة بالمساهمة في إعادة الإعمار.فرصة محورية لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري بمختلف قطاعاته- جذب الاستثمارات وتحفيز الاقتصاد: من خلال تسويق الفرص الاستثمارية المتاحة، قد يسعى المؤتمر لجذب مستثمرين محليين ودوليين، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتنشيط الدورة الاقتصادية. بالإضافة إلى إمكانية تحديد أبرز السلع والصناعات الجاهزة للطرح في الأسواق، وتنظيم آليات تسويقها محليًا ودوليًا، ولا سيما المنتجات التراثية والتقليدية السورية التي تحتاج لإعادة إحياء واهتمام.- تعزيز التعاون بين القطاعات الاقتصادية: إمكانية العمل على تحقيق تكامل بين القطاعات المختلفة، مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، عبر تشجيع الشراكات بين المستثمرين والتجار والصناعيين، ووضع آليات مستدامة لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة وفق رؤى استراتيجية.- تطوير البنية التحتية الاقتصادية: توصيات المؤتمر قد تكون بمثابة خريطة طريق لتحسين البنية التحتية في حلب والمدن السورية الأخرى، بدءًا من شبكات النقل والخدمات اللوجستية، وصولًا إلى تحديث المناطق الصناعية والمراكز التجارية وإعادة تأهيلها لتلبية متطلبات الاقتصاد الحديث.- تعزيز العلاقات الاقتصادية الخارجية: المؤتمر فرصة لبناء شراكات اقتصادية إقليمية وعالمية، من خلال وضع اتفاقيات تعاون مع الدول المجاورة، ولا سيما تركيا والأردن، وتسهيل حركة التجارة والاستثمار عبر حدود أكثر تنظيمًا، بما يضمن تكاملًا اقتصاديًا يخدم جميع الأطراف.- نقل المعرفة ودعم السياسات الاقتصادية: المؤتمر فرصة لخبراء الاقتصاد السوريين المقيمين في سورية والمغتربين لتقديم رؤى واستراتيجيات حديثة تعزّز الاستقرار المالي، وتساهم في وضع سياسات اقتصادية جديدة تدعم النمو المستدام، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة.من الأفضل أن يسبق المؤتمر الاقتصادي، عقد ورشات عمل في كلّ محافظة ضمن غرف الصناعة والتجارة والنقابات، ما يتيح جمع البيانات والمقترحات المحلية، وتنظيم وتوحيد الرؤى الاقتصادية بين مختلف المناطق وفق الحاجات والواقع المحيط، ما يضمن وضع استراتيجيات متكاملة، إضافةً إلى ذلك، تضمن الورشات إعداد توصيات مدروسة وقابلة للتطبيق، ما يجعل المؤتمر أكثر فاعلية في تحفيز التعافي الاقتصادي والتنمية المستدامة.