مهرجان برلين 2025: خروجٌ من الصالة وحماسة التوقّعات وملاحظات أخرى

Wait 5 sec.

كتابة ملاحظات عمّا يحدث في مهرجان سينمائي يُصنَّف فئة أولى أو غيرها، تمرينٌ على "مراقبة" تفاصيل تبدو هامشية بالنسبة إلى كثيرين وكثيرات، لكنّها تجمع بين المُضحك والمُثير للسخرية أو النفور أو الغضب. "مُراقب" تفاصيل كهذه، تؤدّي إلى كتابة ملاحظاتٍ عن "هامشيّات" حاصلة قُبيل بدء عرضٍ صحافي لفيلمٍ مُشارك في مسابقة أو برنامج، أو في "البيئة المحيطة" للعرض ذاك، مع أنّ الحاصل في تلك اللحظات، السابقة على بدءِ عرضٍ أو اللاحقة عليه، وأحياناً نادرة بينهما، كما في البيئة إياها، غير مخفيّ. لكنّ كثيرين وكثيرات غير مكترثين به، أو غير مهتمّين، أو غير معنيين، وهذا كلّه عاديّ.ملاحظات كهذه مستلّة من تفاصيل تشهدها الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ مهرجان برلين السينمائي (برليناله)، في صالة "قصر برليناله"، حيث تُعرض صباحاً أفلام المسابقة للنقاد والصحافيين والصحافيات السينمائيين، وحيث يُحتفل مساءً بالعرض الرسمي الدولي الأول للأفلام نفسها.أيغفل الناقد والصحافي ـ الصحافية السينمائيّين عن معلوماتٍ، بينها مدّة الفيلم، يُمكن قراءتها قبل بدء العرض؟ إنْ "ينزعج" أحد هؤلاء من الفيلم، لماذا ينتظر مرور 90 دقيقة أو أكثر للتخلّي عن معرفة خاتمة المسار الدرامي، بصرف النظر عن فحواها وقيمها السينمائية المختلفة؟ ألن يكون "التنبّه" إلى الانزعاج باكراً أفضل بكثير؟ أمْ أنّ التبرير جاهزٌ: هناك فيلمٌ آخر يتوجّب اللحاق به قبل بدء عرضه؟ تبرير خاطئ، فأفلام المسابقة الرسمية معروضة بترتيب يُسهِّل أمور الجميع: فيلمان كلّ صباح، تفصل بينهما ساعة واحدة (مُعدَّلا عاما)، وثالث أول المساء.الخروج من الصالة عاديّ. هناك من يُفضِّل عدم إكمال فيلمٍ غير مُتمكّن من جذبه. لكنّ عدم الإكمال يُفترض به أنْ يحصل بعد أول 30 دقيقة، أو ربما بعد 60 دقيقة على بدايته. أمّا الخروج من الصالة قبل دقائق قليلة أخيرة على النهاية فمُضحك ومزعج، لأنّ خروج البعض يتطلّب وقوف بعضٍ آخر أمام آخرين وأخريات يتابعون العرض، وبعض الضجيج المُصاحِب خروجاً كهذا، في أي وقتٍ أصلاً، يُكمِل مهمّة الإزعاج.سيُقال إنّ المؤتمر الصحافي الخاص بفريق عمل الفيلم المعروض، الذي يُقام دائماً بعد دقائق على نهايته، دافعٌ إلى خروج قبيل النهاية، لحجز مقعدٍ، فالأمكنة قليلة غالباً. هذا تبرير مقبول ربما، لكنّه غير مُقنع. مع أنّ المهنة (نقد وصحافة سينمائيان، وإعلام مرئي ومسموع) تتطلّب تغطية مؤتمرات صحافية كهذه، تُتيح طرح أسئلةٍ تُنشر إجاباتها بعد وقتٍ قليل، في مواقع إلكترونية طاغية في "المشهد الإعلامي"، أو في مطبوعاتٍ ورقية لها مواقع إلكترونية، وهذا لا علاقة له بالقِيَم المهنية والثقافية والأخلاقية والحِرفيّة لهذه المواقع، ولتلك المطبوعات الورقية ومواقعها الخاصة. هذا منسحبٌ أيضاً على إذاعات ومؤسّسات تلفزيونية.نشر تغطيات صحافية وإعلامية لنشاطات مختلفة في مهرجان سينمائي، خارج إطار العروض والأفلام والكتابة النقدية، جزءٌ من المهنة. لكن كثرة المواقع الإلكترونية، العربية تحديداً (الصالح منها قليلٌ، والطالح غالبٌ عليها)، تدفع إدارات مهرجانات دولية كثيرة إلى إرسال تحذير عنوانه "الحظر (Embargo)" إلى العاملين والعاملات في النقد والصحافة والإعلام، يمنع عليهم/عليهنّ نشر رأي أو تقرير أو نقدٍ يتناول المعروض لهم/لهنّ صباح كلّ يوم، قبل العرض الرسمي الأول مساء اليوم نفسه.هذا متأتٍ من بلبلةٍ تُحدثها المواقع الإلكترونية خاصة، فتُثير بشكلٍ أو بآخر تشويشاً قبل الإطلاق الرسمي للفيلم، بسبب المنشور فيها، المكتفي إجمالاً بكلامٍ محرِّض أو انفعالي أو متسرّع أو غير دقيق، خاصة أنّ مواقع إلكترونية كثيرة، إضافة إلى وسائل تواصل اجتماعي مختلفة الأشكال، غير مهنيّة صحافياً، وغير نقدية أبداً.إذاً، هناك "حظر" في مهرجانات سينمائية، إذْ تُرسِل إدارة "برليناله"، وإدارات مهرجانات أخرى، رسالة إلكترونية، قبل أيامٍ عدّة على بدء كلّ دورة سنوية، تقول فيها إنّ الكتابة عن فيلمٍ معروض في عرض صحافي "ممنوعةٌ" قبل عرضه الرسمي، الذي يكون دائماً، في مهرجانات عدّة كـ"برليناله"، أول عرض في العالم.حصولُ خرقٍ للحظر يُكتشف، لأنّ مهرجانات عدّة تُكلِّف أناساً يراقبون ويتابعون. أما الخرق هذا فيُسبِّب "حظراً" من نوع آخر: كلّ خارِق/خارِقة الحظر يُمنعان من حضور الدورة اللاحقة عادة، بعدم منحه/منحها البطاقة الصحافية الخاصة بكلّ مهرجان.بعض زملاء المهنة ينشر، منذ اللحظات الأولى أحياناً، توقّعات/تمنيات بفوز هذا الفيلم أو ذاك بالجائزة الأولى، في وسائل تواصل مختلفة، مع نبرة "تشي" بحسمٍ. هذا تسرّع في التوقّع، لأن البعض يختار فيلماً معروضاً في "الساعات" الأولى لبدء دورة جديدة، تُعرض فيها (الساعات/الأيام الأولى) أفلامٌ قليلة، من أصل 19 فيلماً آخر، وهذا عدد الأفلام المُختارة للمسابقة الرسمية لـ"برليناله 2025".هذا يُشير أساساً إلى حماسةٍ مفهومة لنقّاد عربٍ، قليلين للغاية، يمتلكون مصداقية في اشتغالاتهم، رغم أنّ المصداقية غير فارضة قبولاً بالرأي والتحليل، أو موافقة عليهما. بالتالي، فالحماسة تلك محصورة في وسيلة تواصل اجتماعي، كفيسبوك، ما يعني أنّ المتوقَّع أو المرغوب في فوزه غير متضمِّن نقداً سينمائياً، كالمنشور في صحيفة أو موقع إلكتروني، بصرف النظر عن مدى الأهمية الثقافية والفكرية والنقدية لهذه الصحيفة، ولذاك الموقع.الحماسة جزءٌ من المهنة، لكنّها أساس العلاقة الشخصية بالسينما. وهذا جميل.