تخفيف مشروط للعقوبات الأوروبية عن سورية

Wait 5 sec.

يعتزم الاتحاد الأوروبي رفع جانب من العقوبات المفروضة على سورية، وتعليق القيود على العديد من القطاعات، مهدداً في الوقت ذاته بالتراجع عن هذه الخطوة في حال عدم تلبية الإدارة الجديدة في سورية لشروط وضعها عليها، وتبدو هذه الإدارة حريصة على تلبيتها لتحسين الحالة المعيشية للمواطنين السوريين الذين يرزح أغلبهم تحت خط الفقر. ونقلت وكالة الأناضول التركية، مساء أول من أمس الجمعة، عن مسؤول أوروبي لم تسمه قوله إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيتخذون قراراً رسمياً بشأن رفع بعض العقوبات المفروضة على سورية خلال اجتماعهم يوم غدٍ الاثنين في بروكسل. وذكر المسؤول الأوروبي أن قرار رفع العقوبات سيشمل في البداية قطاعات المصارف والطاقة والنقل. وأوضح أن القرار سيكون "قابلاً للرجوع عنه"، وبالتالي سيعتبر "تعليقاً"، وأن الخطوات الديمقراطية التي ستتخذها حكومة دمشق ستكون حاسمة في هذه العملية.زيدون الزعبي: الإدارة الجديدة قادرة على تلبية أغلب الشروط التي وضعها الاتحادوكانت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قد أوضحت بعد أن توصل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن "خريطة طريق" لتخفيف العقوبات على سورية نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه "في حال اتخذت دمشق خطوات خاطئة، فيمكننا التراجع عن رفع العقوبات". وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد فرضت عقوبات متدرّجة على سورية بسبب السلوك المتوحش لنظام بشار الأسد في تعامله مع معارضيه وقمعه للثورة التي قامت ضده في عام 2011، والتي وصلت إلى حد استخدام أسلحة محرمة على نطاق واسع لعشرات المرات.سورية المنهكة تنتظر رفع العقوباتتطالب الإدارة الجديدة في سورية، والتي تسلمت الحكم بعد سقوط النظام يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، برفع العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على البلاد لانتفاء الأسباب التي كانت وراء فرضها عقب سقوط النظام. وأبدت دول الاتحاد الأوروبي انفتاحاً على هذه الإدارة التي تؤكد أنها بصدد إشراك كل مكونات الشعب السوري السياسية والدينية والمذهبية في العملية الانتقالية، وعدم انتهاك حقوق الأقليات والمرأة والاتجاه نحو حكم ديمقراطي وفق دستور دائم من المتوقع الانتهاء من كتابته خلال ثلاث سنوات. وتتحضّر هذه الإدارة لعقد مؤتمر حوار وطني للخروج برؤية دستورية واضحة، وآليات مناسبة لإدارة المرحلة الانتقالية، ما من شأنه تقديم المزيد من التطمينات للغرب لدفعه لرفع العقوبات بشكل كلّي.وتعد العقوبات الغربية المعوّق الأكبر أمام تحسين الحالة المعيشية الصعبة التي يمر بها السوريون الذين يرزح أغلبهم تحت حط الفقر وفق بيانات الأمم المتحدة. وتبذل الإدارة الجديدة جهوداً من أجل إرساء الأمن والاستقرار في بلاد منهكة تعاني أغلب القطاعات فيها من الترهل والتهالك لأسباب متعددة، أبرزها العقوبات الغربية والتي تضغط على حياة السوريين وتحول دون التعافي الاقتصادي. كما تحاول الإدارة السورية الجديدة التوصل إلى تفاهمات سياسية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، سلطة الأمر الواقع في شمال شرقي سورية، لتجنيب البلاد المزيد من الحروب والاضطرابات التي تهدد السلم الأهلي وتعرقل مسار المرحلة الانتقالية، والتي من المتوقع أن تشهد كتابة دستور دائم للبلاد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تنقل البلاد إلى مسار ديمقراطي مستدام.عبد الرحمن الحاج: الغرب يريد سورية حليفاً له لضمان أمن إسرائيلتردد أميركيورأى الباحث السياسي زيدون الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عزم الاتحاد الأوروبي تخفيف العقوبات على سورية "أمر بغاية الأهمية"، معرباً عن اعتقاده بأن الإدارة الجديدة في دمشق "قادرة على تلبية أغلب الشروط التي وضعها الاتحاد، إن لم يكن كلها". أما المعضلة بالنسبة إليه، فهو الموقف الأميركي الحالي من مسألة رفع العقوبات، والذي رأى أنه "الأخطر".وما تزال الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب متردّدة في رفع العقوبات التي فرضتها على سورية خلال سنوات الثورة على نظام الأسد، والتي طاولت كل القطاعات الحيوية في البلاد. وكانت الإدارة السابقة بقيادة جو بايدن قد رفعت بشكل جزئي بعض العقوبات في يناير الماضي بهدف تسهيل حياة السكان في سورية، وضمان عدم عرقلة الخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.ورأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك استثماراً سياسياً للعقوبات المفروضة على سورية من الأوروبيين والأميركيين معاً، بهدف دفع الإدارة الجديدة لتحقيق مصالح أوروبية خصوصاً تلك المتعلقة بمنع عودة النفوذ الروسي". وتابع: "الغرب يريد سورية حليفاً له لضمان أمن إسرائيل". في المقابل، برأي الحاج، تسعى الدول الأوروبية إلى ألا تؤدي العقوبات المفروضة على سورية إلى نشوء "دولة هشّة"، وهو ما يعطي فرصة لأطراف معادية للغرب إلى استغلال ذلك. وأعرب عن اعتقاده بأنه بغرض التوازن، سيتم العمل على رفع تدريجي للعقوبات من قبل دول الاتحاد الأوروبي.ولم تردع العقوبات الغربية النظام المخلوع عن ارتكاب الجرائم حتى الأيام الأخيرة قبيل سقوطه، بل كانت أكثر ضغطاً على المواطنين السوريين الذين كانوا الأكثر تأثراً بتبعات هذه العقوبات، والتي لعبت الدور الأبرز في تدهور اقتصادهم وخصوصاً في المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد.وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث الاقتصادي ياسر الحسين، في حديث مع "العربي الجديد"، تخفيف العقوبات الأوروبية "انفراجاً بالنسبة للمواطن السوري"، لافتاً إلى أنه "من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يُسهم القرار في تعزيز الاقتصاد السوري بعد سنوات من التدهور". وبيّن أن "تخفيف العقوبات على قطاع الطاقة قد يتيح استيراد التقنيات والمعدات اللازمة لتطوير البنية التحتية للطاقة، ما يساهم في معالجة مشكلات انقطاع التيار الكهربائي وتحسين إنتاج النفط والغاز". كما أوضح أن رفع العقوبات عن قطاع النقل "قد يؤدي إلى تسهيل استيراد قطع الغيار والمعدات اللازمة لإصلاح وتحديث البنية التحتية المدمرة، مثل الطرق، الجسور، والموانئ، ما يعزز التجارة الداخلية والدولية". وأشار كذلك إلى أن "تسهيل المعاملات المالية قد يُشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية والتحويلات المالية، ما يدعم الاستقرار المالي ويعزز النشاط الاقتصادي". وذكّر بأن "تخفيف العقوبات مشروط بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية داخل سورية، مثل مكافحة الفساد وتحسين حقوق الإنسان، مع مراقبة دقيقة لاستخدام الموارد في القطاعات المستهدفة"، خاتماً بالقول إن هذا التخفيف "يعتبر خطوة مهمة نحو إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، مع تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد".