عقد على اغتيال بوريس نيمتسوف... هكذا طويت صفحة الليبرالية الروسية

Wait 5 sec.

في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، اغتيل نائب رئيس الوزراء الأسبق، المعارض الروسي بوريس نيمتسوف بالرصاص في ظهره على بعد أمتار من الكرملين، فيما شكل اغتيال بوريس نيمتسوف محطة مرحلة مفصلية في الحياة السياسية الروسية. ورغم أنه صدرت في منتصف 2017 أحكام بالسجن بين 11 و20 سنة بحق المنفذين، وعلى رأسهم المنفذ الرئيسي الذي أطلق النار، وهو الملازم السابق في الكتيبة الشيشانية سيفير (الشمال) التابعة لقوات الداخلية الروسية زاور دادايف، مقابل عدم الكشف عن المحرّض، إلا أن تحقيقاً أجراه موقعا "Bellingcat" و"The Insider" وفريق تحقيقات هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي آي) كشف في العام 2022 أنه في السنة التي سبقت اغتيال  بوريس نيمتسوف تعقّبه عميل حكومي على صلة بفرقة اغتيال روسية سرية.وأشارت "بي بي سي"، في تقرير بثته في 28 مارس/آذار 2022، إلى أنها "اكتشفت دليلاً يضفي مصداقية جديدة على الاشتباه في أن الكرملين أراد قتل نيمتسوف"، موضحة أنه "في السنة التي سبقت اغتيال بوريس نيمتسوف تم تعقبه من قبل عميل حكومي روسي، تشير كل الأدلة إلى أنه يعمل مع وكالة الأمن الروسية الرئيسية، وأنه على صلة بفرقة اغتيال، وتظهر وثائق أن اسمه فاليري سوخاريف". وأشارت إلى أنها "تمكنت من خلال بيانات مسربة من تتبع تحركاته وتحركات نيمتسوف. وتظهر سجلات السفر أنه تعقب نيمتسوف في الأشهر التي سبقت مقتله في 13 رحلة ذهاباً وإياباً على الأقل". وكشفت أن "سوخاريف يرتبط بمحاولتي اغتيال على الأقل، بما في ذلك تسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني" الذي توفي في 16 فبراير/شباط 2024 في سجنه وكان تعرض قبل ذلك تحديدا في أغسطس/ آب 2020، إلى التسميم بمادة حربية كيميائية، من نوع نوفيتشوك. وأوضحت "بي بي سي" في تقريرها وقتها، أن الكرملين نفى أي تورط له واصفاً القصة بأنها "اختراع"، فيما لم يرد جهاز الأمن الروسي على الموضوع.ستانيسلاف بيشوك: نيمتسوف استمر في نهجه الليبرالي حتى بعد تولي بوتين الرئاسةوعرف عن نيمتسوف، الذي ولد في 1959، أنه شغل مناصب رفيعة في الدولة الروسية في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، وتردد اسمه مرشحاً محتملاً للرئاسة، إلى أن تم تعيين الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، رئيساً للوزراء في نهاية المطاف في 1999. ورغم أن نيمتسوف أيد ترشيح بوتين لرئاسة روسيا أولاً، إلا أنه تحول إلى أحد أبرز رموز المعارضة بعد عدة سنوات، وصولاً إلى توليه منصب الرئيس المشارك لحزب "بارناس" الليبرالي المعارض. وقد اشتهر منذ 2014 بإطلاق مواقف منددة بالتدخل الروسي في أوكرانيا. وباغتياله أثناء عودته إلى منزله برفقة عارضة الأزياء الأوكرانية آنا دوريتسكايا، أضيف اسم نيمتسوف إلى مجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية الروسية المعارضة التي تمت تصفيتها وتجهيل المسؤول عن الجرائم بحقها، مع معاقبة المنفذين فقط في أحسن الأحوال.وأشار الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية، ستانيسلاف بيشوك، إلى أن نيمتسوف شغل مكانة خاصة في الحياة السياسية الروسية من جهة تحوله من أحد أعمدة السلطة في تسعينيات القرن الماضي إلى أحد أبرز وجوه المعارضة "غير النظامية" غير المتمثلة بجهات السلطة الفيدرالية، معتبراً أن حادثة اغتيال بوريس نيمتسوف شكلت نهاية لمظاهر الحياة السياسية الليبرالية في روسيا. وقال بيشوك، في حديث لـ"العربي الجديد": "شغل نيمتسوف مكانة غريبة في المشهد السياسي الداخلي الروسي في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان ينظر إليه على أنه شاب مغرور من جانب، والخليفة المحتمل ليلتسين الذي سيوصل الإصلاحات الديمقراطية والتقارب مع الغرب من جانب آخر، ولكن يلتسين حسم في نهاية المطاف أمره لصالح مرشح آخر لخلافته".ولفت بيشوك إلى أن نيمتسوف استمر في نهجه الليبرالي حتى بعد تولي بوتين الرئاسة، مضيفاً: "في بداية العقد الأول من القرن الـ21، كان نيمتسوف واحداً من زعماء اتحاد القوى اليمينية الليبرالي الموالي للغرب، والذي حظي بدعم الشريحة المتعلمة في المناطق الحضرية ورواد الأعمال، وإن كان ثقله السياسي قد تراجع كثيراً بحلول ذلك الوقت. لم تفض الانتخابات التشريعية في 2003 عن تأهل أي من أحزاب المعارضة الليبرالية إلى مجلس الدوما (النواب)، ما دفع نيمتسوف نحو التحول إلى المعارضة غير النظامية والدعوة إلى تغيير السلطة".اغتيال بوريس نيمتسوف أثار صدمة كبيرةوحول رؤيته لملابسات اغتيال بوريس نيمتسوف قال بيشوك: "أثار اغتياله بجوار الكرملين على مرأى كاميرات المراقبة صدمة كبيرة، نظراً للطابع الاستعراضي لعملية التصفية. شكلت الواقعة حدثاً مفصلياً بيّن بوضوح أنه لا مكانة للسياسة المنفتحة والليبرالية في روسيا تحت السلطة الحالية. حتى إذا لم يكن الكرملين يقف وراء الاغتيال، إلا أنه تقبل تعرض أحد أشرس منتقديه لمثل هذه الحادثة إلى جوار جدرانه". واعتبر أن "الواقعة أرغمت بعض السياسيين على السكوت، مما صب في مصلحة النظام الحاكم الذي لم يكترث كثيراً للبحث عن المحرضين على الجريمة".إيغور ياسين: السلطات الروسية تتعمد التستر على المحرضين على قتل نيمتسوفبدوره، لفت الناشط اليساري إيغور ياسين إلى أن نيمتسوف قطع مسيرة سياسية فريدة من نوعها في روسيا ما بعد الحقبة السوفييتية من جهة تمسكه بقيم الإصلاح والديمقراطية ومعارضته التدخل الروسي في أوكرانيا حتى الأيام الأخيرة من عمره، جازماً بأن السلطات الروسية تتعمد التستر على المحرضين على قتله. وقال ياسين، الذي شارك في المسيرة المنددة باغتيال نيمتسوف في 2015، في حديث لـ"العربي الجديد": "شغل نيمتسوف مكانة خاصة في الحياة السياسية الروسية نظراً لانتمائه إلى جيل الإصلاحيين الشباب في التسعينيات وشغله مناصب قيادية في عهد يلتسين من جانب، وانحيازه على عكس غيره من هذا الفريق لقيم الديمقراطية وتحوله إلى سياسي غير نظامي يقود التظاهرات في الشوارع من جانب آخر، وفي السنوات الأخيرة من عمره بات يتحدث كثيراً عن أهمية السياسات الاجتماعية، رابطاً الديمقراطية بها ما يعكس تطور رؤاه".اغتيال نيمتسوف علامة فارقة في تاريخ روسياواعتبر ياسين أن اغتيال بوريس نيمتسوف شكل علامة فارقة في تاريخ روسيا في القرن الـ21، مضيفاً: "صحيح أن هذا لم يكن الاغتيال السياسي الأول من نوعه، لكنه ظل الأكثر وقاحة والأكثر إثارة للضجة حتى واقعة وفاة السياسي المعارض، مؤسس صندوق مكافحة الفساد، أليكسي نافالني، في ظروف غامضة العام الماضي. وعلى الرغم من سجن منفذي اغتيال بوريس نيمتسوف إلا أن هناك انطباعا بأن السلطات قامت بكل ما بوسعها من أجل التستر على المحرضين على الجريمة". وذكر بأن نيمتسوف تبنى منذ 2014 مواقف مناهضة للتدخل الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، معتبراً أن مقتله شكل محطة مفصلية على الطريق نحو الحرب متكاملة الأركان ضد أوكرانيا التي بدأت في 2022.وكان نيمتسوف قد بدأ قبيل مقتله بالإشراف على إعداد تقرير بعنوان "بوتين. الحرب" تناول فيه الدور الروسي في ضم القرم والمشاركة الروسية المحتملة في أعمال القتال في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا حتى يكون بديلاً للرواية الرسمية للأحداث. وعلاوة على ذلك، شارك نيمتسوف خلال العام الأخير من عمره في مجموعة من الفعاليات والتظاهرات المنددة بالتدخل في أوكرانيا، وقد حذر في عدد من حواراته من مغبة الانزلاق إلى حرب مفتوحة في أوكرانيا، وهو ما تحقق على أرض الواقع في العام 2022.