ناظورسيتي: متابعة كشف تحقيق استقصائي نشرته جريدة "إل باييس" الإسبانية، عن المسار الغامض للملابس المستعملة التي يتم التبرع بها في إسبانيا لأغراض إعادة التدوير، حيث ينتهي بها المطاف في شبكات تجارية غير شفافة عبر العالم، بدلا من وصولها إلى المحتاجين. وأوضح التقرير أن مدينة الناظور أصبحت إحدى المحطات الرئيسية لهذه التجارة، التي جاءت كبديل غير رسمي للتهريب المعيشي الذي تم القضاء عليه سنة 2018 بإغلاق معبر بني انصار في وجه الأنشطة التجارية غير المشروعة. على مدى عام كامل، تتبعت "إل باييس" مسار 15 قطعة ملابس تم وضعها في حاويات مخصصة لإعادة التدوير بإسبانيا، باستخدام أجهزة تتبع إلكترونية. وتبين أن العديد من هذه الملابس قطعت آلاف الكيلومترات قبل أن تصل إلى وجهات مختلفة، من بينها المغرب. وسلط التحقيق الضوء على إحدى الحالات، حيث رصدت سترة بوليرو سوداء تم تصنيعها في المغرب، ثم أُلقيت في حاوية H&M بمدريد، لتنتقل لاحقا إلى هولندا، قبل أن ينتهي بها المطاف في مصنع بالمملكة المتحدة متخصص في إعادة تدوير الملابس وتحويلها إلى أقمشة جديدة. (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({}); وأشار التحقيق إلى أن سبع قطع من الملابس المستعملة التي تم تعقبها، قطعت مسافة إجمالية تتجاوز 65,000 كيلومتر منذ مغادرتها إسبانيا، وهو رقم يعكس الأثر البيئي الضخم لهذه التجارة، خاصة أن بعض هذه الملابس قد قطعت أصلا عشرات الآلاف من الكيلومترات من بلد المنشأ إلى إسبانيا قبل التخلص منها. وكشف التقرير عن أن الملابس المستعملة، المعروفة في إفريقيا باسم "ملابس الرجل الأبيض الميت"، لا تقتصر فقط على التسبب في مشاكل بيئية، بل إنها تستخدم أيضا في شبكات تجارية غامضة، حيث يتم بيعها بأثمان بخسة في أسواق غير منظمة، مما يساهم في إضعاف الاقتصاد المحلي وإلحاق الضرر بالبيئة من خلال تسرب الألياف الصناعية والميكروبلاستيك إلى الطبيعة. بعد القضاء على التهريب المعيشي الذي كان يعتمد عليه العديد من سكان الناظور، وجد العديد من المهربين السابقين أنفسهم أمام خيار البحث عن مصادر دخل جديدة، ما دفع البعض منهم إلى دخول مجال تجارة الملابس المستعملة، التي أصبحت تشهد رواجا واسعا في الأسواق المحلية. ومن بين القطع التي تعقبتها "إل باييس" باستخدام أجهزة تعقب إلكترونية "Airtags"، معطف أحمر تم وضعه في إحدى الحاويات بمدينة غوادالاخارا الإسبانية، والتي تديرها شركة East West، التي تقدم نفسها كمؤسسة تعمل من أجل حماية البيئة. وبعد مغادرة المعطف إسبانيا، انتقل إلى مدن مختلفة داخل المغرب، حيث مر عبر الرباط ومكناس، قبل أن يستقر أخيرًا في أحد الأسواق غير الرسمية بالناظور، بعد أن قطع 1600 كيلومتر. يشير التحقيق إلى أن الملابس المستعملة التي تصل إلى المغرب غالبا ما تدخل عبر مستوردين قانونيين، إلا أن جزءا كبيرا منها لا يباع عبر القنوات المنظمة، بل يوجّه إلى السوق السوداء، حيث يتم التعامل فيه دون فواتير أو ضرائب، مما يسمح ببيع الملابس بأسعار منخفضة جدا. وفي أسواق الناظور، يمكن العثور على كنزات قطنية 100% بحالة جيدة مقابل 10 دراهم فقط، فيما تباع أحذية "Dr. Martens" بـ 50 درهما، وأحذية "Timberland" بـ 150 درهما، وهي أسعار لا تقارن بتلك المعروضة في الأسواق الأوروبية، مما يوضح حجم التجارة غير الرسمية التي تغذيها هذه الملابس. كشف التحقيق أن شركة "كرامة ريسايكل"، التي تم إنشاؤها بتمويل عمومي كحل بديل للمتضررين من إغلاق معبر بني انصار، تعد الجهة الوحيدة المخولة رسميا باستيراد الملابس المستعملة في إقليم الناظور. وكان من المفترض أن يوفر المشروع فرص عمل لحوالي 800 إلى 1,500 شخص، غالبيتهم من النساء اللواتي كن يعتمدن على التهريب المعيشي، لكن الواقع يكشف أن عددا كبيرا ممن تم تشغيلهم داخل الشركة ليسوا بالضرورة من المتضررين المباشرين من إغلاق المعبر الحدودي، وفقا لمصدر من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. لم يقتصر الأمر على مسألة الاحتكار، بل أظهر التحقيق أن العاملين في "كرامة ريسايكل" يواجهون ظروف عمل صعبة، حيث لا يحصلون على الحد الأدنى للأجور، ولا يتم تسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، بالإضافة إلى تعرضهم لسوء المعاملة والاستغلال، بحسب شهادات نقلتها الجريدة الإسبانية. ووفقا لأحد النشطاء الذين تحدثوا لـ"إل باييس"، فإن العديد من النساء اللائي فقدن مصدر دخلهن بسبب إغلاق معبر بني انصار، لم يجدن فرصة عمل في "كرامة ريسايكل"، ما دفعهن إلى البحث عن سبل أخرى لكسب العيش، في ظل غياب برامج فعالة لإدماجهن في سوق الشغل. ويثير هذا التحقيق أسئلة عميقة حول مستقبل تجارة الملابس المستعملة في الناظور والمغرب ككل، ومدى قدرة السلطات على تنظيم هذا القطاع بما يضمن تحقيق أهدافه البيئية والاجتماعية، دون أن يتحول إلى بوابة جديدة للتهريب والاستغلال.