شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توتراً متصاعداً في الأعوام القليلة الماضية وصل إلى ذروته في الفترة الأخيرة مع فرض باريس قيوداً على حركة ودخول شخصيات جزائرية من حملة جوازات السفر الدبلوماسية، وقبل ذلك كانت الجزائر قد استدعت سفيرها في باريس كما بدأت بتقليل التعامل الاقتصادي والثقافي مع باريس ونرصد في هذا التقرير الخط الزمني لتطور الأزمة بين البلدين وصولأً إلى الوقت الحالي.أغسطس/آب 2022بعد التوقيع على وثيقة "إعلان الجزائر" في أغسطس/آب 2022 بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة الأخير إلى الجزائر، بدا أن الطريق سالك لوضع العلاقات بين البلدين على السكة الصحيحة، خاصة أن باريس أبدت ليونة وإقرارات مهمة بشأن المسألة التاريخية المتعلقة بمعالجات الإرث الاستعماري الفرنسي في الجزائر. لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً.وبعد توقيع الإعلان بدأت معوقات تظهر في طريق تطوير العلاقة الثنائية بالظهور وبرزت مواقف فرنسية متحفظة بشأن استرداد الجزائر للأرشيف وجماجم المقاومين وخرائط التفجيرات النووية ومعضلة تطهير منطقة التفجيرات، بالإضافة لظهور مشاكل سياسية واقتصادية نتيجة توجه الجزائر للشراكة مع دول أخرى مثل تركيا وروسيا والصين، ما تسبب في إلغاء زيارة كانت مقررة لتبون إلى باريس في 2 يناير/كانون الثاني 2023 ورغم تأجيلها إلى 15 مايو/أيار من نفس العام إلا أنها لم تتم.وكانت تلك بداية مبكرة لأزمة سياسية بين البلدين لتأتي قضية وصول الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي إلى باريس، في فبراير/شباط 2023، حيث اتهمت الرئاسة الجزائرية السلطات الفرنسية بالمسؤولية عن تهريب بوراوي عبر تونس إلى فرنسا، ما زاد في اتساع الفجوة بين الطرفين وتطور التباعد السياسي. مايو/أيار 2023الرئيس الجزائري يفاجئ الجانب الفرنسي بزيارته موسكو، وقالت الصحافة الفرنسية حينها إن "تبون كان مُنتَظراً في باريس فظهر في موسكو"، تبع ذلك حملة إعلامية فرنسية مركزة ضد الجزائر قادتها شخصيات من اليمين المتطرف، بقيادة ماري لوبان والسفير الفرنسي الأسبق في الجزائر كزافيي دريانكور، وكان واضحاً أن الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين، والتي خرجت في بعض جوانبها عن حدود اللياقة السياسية والإعلامية، ليست سوى انعكاس لأزمة سياسية وتصلب في المواقف بين البلدين.ديسمبر/كانون الأول 2023تبون يتلقى اتصالاً هاتفياً من ماكرون تطرقا فيه بحسب بيان للرئاسة الجزائرية وقتها إلى "الزيارة المرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا"، وجرى لاحقاً ثلاث لقاءات سياسية بين كبار المسؤولين في الحكومة الجزائرية والفرنسية: لقاءان بين الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، لوناس مقرمان، والأمينة العامة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، آن ماري ديكوت، في الجزائر وباريس، ولقاء بين وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، ووزير الخارجية الفرنسي (السابق) ستيفان سيجورنيه، في نيويورك. ولكن فشلت هذه اللقاءات في التوصل إلى نتائج وترتيبات تتيح تنظيم الزيارة المعلقة للرئيس تبون إلى باريس.فبراير/شباط 2024الجزائر تعبر عن غضب رسمي إزاء قرار السلطات الفرنسية منع إقامة تجمع للجالية الجزائرية، كان مقرراً في باريس، للاحتفال باليوم الوطني للشهيد، واعتبر الجانب الجزائري أن هذا المنع "يثبت أن موقف فرنسا من ملف الذاكرة لم يتقدم قيد أنملة"، على الرغم من توافق البلدين على تشكيل لجنة مشتركة تضم خمسة مؤرخين من كل طرف لمعالجة ملفات الذاكرة العالقة بين البلدين. وفي ثنايا هذه الأزمة كانت أبعاد الخلافات تتطور إلى قضايا ثقافية واقتصادية وتجارية، حيث كانت الحكومة الجزائرية قد بدأت في المدارس بالتقليل تدريجياً من وجود اللغة الفرنسية في البرامج والمقررات المدرسية، وتم استبعاد اللغة الفرنسية بشكل واسع من الاستخدام في الإدارات والمؤسسات العمومية، كما تم تقليص حصة الشركات الفرنسية في السوق الجزائرية وإلغاء صفقات تخص هذه الشركات، كما تراجعت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر من 3.2 مليارات دولار أميركي في 2023 إلى أقل من 600 مليون دولار في عام 2024.يوليو/تموز 2024الأزمة بين الجزائر وفرنسا تصل إلى ذروتها، حيث قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى فرنسا عقب إقدام الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، ولم يعد السفير إلى باريس حتى هذا التاريخ. وبرغم بعض الخطوات التي أقدمت عليها باريس للاعتراف بالمسؤولية في اغتيال بعض الشخصيات الثورية الجزائرية كالعربي بن مهيدي وعلي بومنجل وفتح الأرشيف الفرنسي لصالح الباحثين، فإن ذلك لم يمتص الغضب الجزائري.سبتمبر/أيلول 2024الجزائر تقرر الحد من الواردات الفرنسية وتعليق التوطين البنكي الموجه لتغطية الواردات من فرنسا، بالإضافة لتوجيه الموردين الجزائريين إلى أسواق أخرى، وتم في الفترة نفسها استبعاد القمح الفرنسي من المناقصات الدولية في طلبات الشراء الجزائرية ضمن موقف اقتصادي يستهدف الحد من نزيف الأموال الجزائرية والنفوذ الفرنسي في الاقتصاد الجزائري، لكن ذلك ضاعف الحملة الإعلامية والسياسية لليمين الفرنسي ضد الجزائر.نوفمبر/تشرين الثاني 2024العلاقات بين البلدين تشهد تطوراً آخر على صعيد التأزم، عندما أوقفت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال لدى عودته من باريس، على خلفية تصريحات مثيرة للجدل كان قد أدلى بها لمنصة فرنسية، وقال فيها إن أجزاء من الجزائر كانت تتبع المغرب، وأن الجزائر لم يكن لها أي كيان قبل الاستعمار الفرنسي. ووجه له القضاء الجزائري تهم "التضليل والمساس بالوحدة الوطنية، والإدلاء بتصريحات من شأنها المساس بوحدة البلاد، يتم تكييفها على أساس أنها عمل إرهابي أو تخريبي"، وطالب ماكرون والحكومة الفرنسية بإطلاق سراحه، لكونه يحمل الجنسية الفرنسية، لكن السلطات الجزائرية رفضت ذلك بشدة.ورداً على الموقف الجزائري شنت السلطات الفرنسية بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي حملة اعتقالات طاولت عدداً من المؤثرين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يقيمون في فرنسا ويؤيدون سياسات السلطة في الجزائر، ووجهت لهم تهما تتعلق بنشر محتوى فيه تحريض على العنف، وقررت ترحيل عدد منهم إلى الجزائر. لكن الجزائر رفضت استقبالهم ورفضت التعاون مع الجانب الفرنسي بشأنهم، وهو ما اعتبرته باريس "إهانة غير مقبولة" من قبل الجزائر.يناير 2025الخارجية الجزائرية تستدعي السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفات روماتيه، احتجاجاً على ما وصفته "بالمعاملة الاستفزازية والتمييزية بحق الرعايا الجزائريين والتصرفات غير المقبولة بتاتاً"، في المطارات الفرنسية وشددت على "رفض الجزائر القاطع لأي مساس بكرامة مواطنيها أو محاولة استغلالهم بأي شكل من الأشكال كوسيلة للضغط أو الاستفزاز أو التهديد ضد بلدهم".وفي السياق السياسي نفسه، صعّد المسؤولون الفرنسيون تصريحاتهم ومواقفهم تجاه الجزائر، حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن فرض "قيود على حركة ودخول الأراضي الفرنسية تطاول بعض الشخصيات الجزائرية"، في إشارة إلى الشخصيات الجزائرية الحاملة لوثائق سفر خاصة (جواز سفر دبلوماسي)، وفي اليوم التالي أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أن "فرنسا ستطلب من الحكومة الجزائرية مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها"، وأنه سيتم إمهال الجزائر "بين شهر إلى ستة أسابيع" بشأن ذلك، وأعلن تشديد إصدار التأشيرات للرعايا الجزائريين، وفي الأثناء أعلن مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان الجزائري) عن وقف كل أشكال التعامل مع مجلس الشيوخ الفرنسي .