ليست الفخامة مقياس توصل إلى المقدمة دائماً، إذ ثمة معايير لها علاقة بالوداعة والرقة. وقد يتجلى الجمال بالضعف حيناً وربما بالبساطة غالباً، لكن حين يكون التقييم حول الرومانسية فلا بدّ من اعتماد وسائل وأدوات قياس مختلفة تتدخل فيها المشاعر الإنسانية اللاإرادية، وتكلّل بالجمال والصفاء الذي يجتاح الشخص عنوة لينقله إلى عالم آخر قد لا يكون للفعل البشري ومستوى التطور وعناصر القوة أدواراً مهمة فيه، بل الطبيعة والمرافق المتوفرة.يقيّم خبراء وأصحاب منصات في العالم المدن الرومانسية كل عام، وتعتمد أدواتهم الثابتة في القياس معايير للحكم تستند إلى استطلاع وآراء السياح ومتخصصي الآثار، وأيضاً تلك للعشاق والأزواج.وجاءت نتائج تقييم المدن الرومانسية هذه المرة مفاجئة لأنها أبعدت المدن المتربعة على عرش الرومانسية، ربما تاريخياً، مثل باريس والبندقية، ووضعت ثلاث مدن تركية في المراكز الأولى، وأنهت القائمة العشرية بمدينة إسطنبول، وكأن الرومانسية احتكرتها تركيا أو كان لها النصيب الأوفر في الجمال والسكينة وبعث المشاعر، وفق ما اختارت منصات "يو سيتي غايدز" و"إي إف" و"ترافيل آند ليجر".ولأن الجمال حالة متبدلة فمن يبعث الارتياح وفيض مشاعر اليوم قد يشيخ غداً ليحل مكانه جمال آخر. وهذا ما ورد أخيراً في تصنيف موقع"أبلايفرز" عن الوجهات الرومانسية التي يأمل الأزواج والعشاق في زيارتها.كبادوكيا أولاًوكانت المفاجأة احتلال المدن التركية الصدارة. وجاءت كبادوكيا أولاً، وبعدها جبل أولوداغ بولاية بورصة، ثم بوزكادا، في حين أنهت إسطنبول القائمة العشرية.كبادوكيا أو مدينة الجن التي تقع في ولاية نوشهر وسط تركيا، موضوعة على لائحة التراث العالمي منذ عام 1985 نظراً لما فيها من عجائب مثل مداخن الجنيّات، لكن ما زاد شهرتها المناطيد التي تأخذ زوارها إلى السماء كي يشاهدوا من العالي ما لا يمكن الإحاطة به من الأرض.ويكتفي الأتراك، وحتى المؤرخون بالقول إنّ عمر كبادوكيا يعود إلى آلاف السنين، ويستدلون بالحضارات التي تعاقبت عليها من الحثيين والآشوريين واليونانيين، قبل أن يحكم المنطقة البيزنطيون والقبائل التركية، ويؤكدون زعمهم من خلال الآثار وتشكيلات الصخور ومداخن العفاريت أو الجنيّات والمعابد والحمامات.وجاء جبل أولوداغ ثانياً في قائمة المواقع الأكثر رومانسية، وهو الجبل الذي لا يشيخ رغم أن البياض يسكن رأسه معظم فصول العام، ما جعله وجهة من يبحثون عن الدفء الداخلي خلال برودة الشتاء ويريد أن يرى من فوق وعبر التلفريك معالم ثاني عواصم العثمانيين بورصة، ويراقب من بعيد ولاية يلوا لدى عبوره فوق غابات تعج بأشجار نادرة عمر بعضها أكثر من 600 سنة.ويعتبر جبل أولوداغ أعلى قمة فوق سطح البحر في منطقة مرمرة بارتفاع 2543 متراً، ما يجعله في مقدمة مراكز التزلج. وتستقطب النشاطات الشتوية في المنطقة السياح ومحبي الرياضات الشتوية، خاصة بعد إعلان الجبل منتزهاً وطنياً عام 1961.وحلّت في المرتبة الثالثة على قائمة الأكثر رومانسية جزيرة بوزكادا أو تينيدوس باليونانية. وهي بإجماع زوارها موطن الجمال والأرض الساحرة الهادئة التي تعتبر بوصلة الجزء الشمالي من بحر إيجه، وتقع عند مدخل مضيق الدردنيل وتتبع ولاية جناق قلعة.وبوزكادا باختصار، هي قطعة من الجنة على الأرض، ويفيض العنب فيها ما يحوّل الجزيرة إلى أهم مصانع النبيذ، أما الشواطئ فرملية مترامية كانت ولم تزل محط أنظار المخرجين لتصوير الأفلام الرومانسية، من بينها تحفة السينما التركية "مشكلة صغيرة فى أيلول"، وقبلة سياح وأتراك على مدار العام. وبنى أهلها أفخم بيوت للمستأجرين، إلى جانب متحف يوثّق التاريخ الحافل للجزيرة، منذ حرب طروادة، إلى حملات الإنكليز. وهم عثروا على آثار تدل على الحقب التاريخية التي مرت بها، من اليونانية والرومانية، وخلال الحكم العثماني.ولمن لا تكتمل سعادته إلا برؤية عظمة الأوليين، تضم الجزيرة قلعة ينيكال وقلعة بوزكادا ومن يرى اكتمال السعادة بالروحانيات، فلديه مسجد علي بيه ومسجد بيل وكنيسة سانت ماري.وتمر قائمة المدن الأكثر رومانسية بالعاصمة الفرنسية باريس التي تحتل المركز الرابع، ثم العاصمة الإيطالية روما وبعدها البندقية. وتحتل مدينة بروج البلجيكية المركز السابع، ثم العاصمة التشيكية براغ وجزيرة سانتوريني في اليونان، قبل أن تنتهي القائمة بإسطنبول.إسطنبول... العالم كلهوربما يصعب الحديث عن مدينة إسطنبول بأسطر أو صفحات، فهي "لو كان العالم كله دولة واحدة، لكانت إسطنبول عاصمتها"، بحسب ما قال نابليون بونابرت، وربطت العالم عبر تاريخها والحضارات التي تعاقبت عليها، وتضم أيضاً أماكن لكل عاشق وساع للمال والسياحة وحتى الشهرة. هي أكبر مدن تركيا وثاني أكبر مدينة في العالم على صعيد عدد السكان وعاصمة اقتصادية وسياحية وثقافية تقع في إقليم مرمرة شمال غربي البلاد، وتُعرف تاريخياً باسم بيزنطة والقسطنطينية والأستانة وإسلامبول. وكانت المدينة التي تقع في آسيا وأوروبا ويفصل البوسفور القارتين عاصمة لعدد من الدول والإمبراطوريات عبر تاريخها الطويل، بحكم موقعها الجغرافي والحضاري المركزي، وعاصمة للإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية البيزنطية، والإمبراطورية اللاتينية والدولة العثمانية.وربما لا يعني كل هذا التاريخ الحافل الباحثين عن الرومانسية، بل برج غلطة وبرج الفتاة وجسور البوسفور والغابات والقصور التي لا تحصى، ودور العبادة لجميع الأديان لمن تكتمل راحتهم والرومانسية لديهم بالروحانيات.