لا تزال جهود حماية الطفل وضمان حقوقه في ليبيا تعاني من غياب الاهتمام الرسمي الحكومي، وتعثر جهود المنظمات الأهلية التطوعية في ظل الفوضى الأمنية العارمة السائدة منذ سنوات.مطلع فبراير/ شباط الجاري، أعلن قسم حماية الطفل والأسرة في مديرية أمن طرابلس أنه تابع أوضاع 64 حالة لأطفال العام الماضي، وتعامل مع 34 حالة فقدان أطفال، وأربع حالات هروب، وثلاث حالات تشرّد، وحالة انتحار واحدة، وحالة خطف، إضافة إلى أربع حالات عنف أسري وحالتي عنف مدرسي، وأشار القسم أيضاً إلى متابعة وقائع 15 حالة مختلفة، وإخضاع سبع حالات لبحوث اجتماعية.وينتقد أستاذ الخدمة الاجتماعية المهتم بالقضايا الأسرية، خالد شنيب، ما أعلنه القسم، ويعتبر أنه "يكشف تقصير السلطات الحكومية في التعامل مع قضايا الطفل واحتياجاتها المهمة، علماً أن الحالات التي تحدث عنها شملت العاصمة طرابلس من دون باقي مدن ومناطق البلاد".ويعتبر شنيب في حديثه لـ"لعربي الجديد" أن "الإعلان يؤكد المخاطر والمعاناة التي يعيشها الأطفال في ليبيا بعيداً عن أنظار المسؤولين، وباعتبار أن الإعلان جاء عاماً من دون تفصيل فهو لا يفيد الدارسين والمهمتين بشؤون الطفل، وقد يُخفي مخاطر، ويُظهر النقص الحاد في الجهود الحكومية خصوصاً في ظل عدم الحديث عن تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين الأطفال، وكيفية حمايتهم من مخاطر سوء التغذية، أو توفير الرعاية الصحية، وكذلك التأثيرات النفسية للحروب والنزوح عليهم".ويتساءل شنيب عن الشرائح العمرية التي تعامل معها قسم حماية الطفل، ويقول: "هل يمكن اعتبار أرقام الحالات في طرابلس مقياساً يمكن تعميمه على آخرين في باقي المناطق؟ وحتى إذا كان الجواب نعم فمؤشر المخاطر المحدقة بالطفل مرتفعة جداً".ويشدد على أهمية نشر البحوث السبعة التي أعلن قسم الطفل عن إجرائها، ويرجّح أن "تكون جهود القسم عشوائية تعاملت مع البلاغات التي تلقتها فحسب، من دون أي مبادرة منها لإطلاق دراسات أو بذل جهود لتشمل شرائح أكبر في أوساط الأطفال".وفي مناسبات عدة أعلنت وزارتا الداخلية في حكومتي طرابلس وبنغازي توقيع اتفاقات لحماية الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وأكدتا الاهتمام بالطفل، لكن شنيب يعتبر أن "هذه الجهود ذات طابع أمني أكثر، في حين يغيب الاهتمام بالشؤون الأخرى مثل الأوضاع الاجتماعية والأسرية والنفسية والتعليمية وغيرها"، ويضيف: "أطلَعنا قسم الطفل على وجود تحسّن ملحوظ في التعامل مع قضايا الطفل، لكنه كشف في نفس الوقت أنها بدائية ولا تخضع لتنسيق، ومن بينها مثلاً التسوّل الذي يضم عدداً كبيراً من الأطفال".وبالتزامن مع إعلان قسم الطفل، كشفت مديرية أمن طرابلس ضبط 878 متسولاً من بينهم 329 ليبياً اصطحبوا 61 طفلاً العام الماضي. ويعلّق شنيب بالقول: "قد يفهم بعض المتابعين أن هؤلاء الأطفال المتسولين هم في صحبة أُسرهم من جنسيات أفريقية وغيرها، لكن ذلك غير صحيح فبينهم أطفال ليبيون كثيرون يشاهدهم الناس يقفون قرب إشارات ضوئية في الشوارع أو في جوانب طرقات، علماً أن الطفل هو طفل مهما كانت جنسيته".وفيما يذكّر شنيب بإحصاءات الأمم المتحدة التي تتحدث عن أن مئات من الأطفال الليبيين يحتاجون إلى رعاية ضمن خطط الاستجابة الإنسانية الأممية، يؤكد الباحث السابق لدى اللجنة العليا للطفولة الحكومية ميلاد الرفيّع افتقار كل الجهات الحكومية إلى إحصاءات دقيقة لأحوال الأطفال في ليبيا، ما يغيّب الرؤية الصحيحة لأوضاعهم.وينتقد الرفيّع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم وجود تنسيق بين السلطات والجهات التطوعية في المؤسسات المحلية للمجتمع المدني وتلك الدولية مثل "يونيسف"، التي يقتصر التنسيق معها على إعلان توقيع مذكرات تفاهم من دون التحقق من تنفيذها". أما على صعيد مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالطفل فيؤكد الرفيّع عدم ارتباط الجهات الحكومية بها.ويلفت إلى أن "المؤسسات الحكومية الأخرى، مثل وزارتي الشؤون الاجتماعية والتعليم، لم تتجاوب مع إعلان قسم الطفل، رغم أن الحديث عن 64 حالة، بين هرب وتشرد ومحاولة انتحار وغير ذلك، يعني أيضاً هذه المؤسسات التي كان يجب أن تعلن مواقف منها، أو تتخذ إجراءات أو مبادرات، لكن صمتها يعكس عدم وجود أي تنسيق بينها، والغالب أن هذه المؤسسات لديها أيضاً أرقام وإحصاءات مختلفة".والعام الماضي دشّن فرع "يونيسف" في ليبيا مشروعاً لرسم خرائط لنظام حماية الطفل في ليبيا، وذلك بالتنسيق مع الحكومة في طرابلس، من خلال الوصول إلى ثمانية آلاف طفل يحتاجون إلى رعاية، تزامن ذلك مع إعلان "يونيسف" وجود 32 ألف طفل في ليبيا يعانون سوء التغذية الحاد، وتحذيرها من تفاقم وضع الأطفال في ظل التغيّرات المناخية وندرة المياه في البلاد.