منذ انضمامه إلى الإدارة الأميركية على رأس وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، كثّف الملياردير الأميركي الشهير إيلون ماسك جهوده للتدخل في العديد من الإدارات الفيدرالية، مما أثار جدلاً واسعاً حول مدى نفوذه المتزايد على هياكل الحكم في الولايات المتحدة. وبعد تدخله في عدة وكالات حكومية، بما في ذلك وزارة الخزانة والهيئات التنظيمية المستقلة، باتت جهوده تتركز الآن على بنك الاحتياط الفيدرالي، المؤسسة المستقلة المسؤولة عن وضع السياسة النقدية الأميركية.وفي أكثر من مناسبة، أبدى ماسك دعمه لفكرة تدقيق قرارات السياسة النقدية للبنك الفيدرالي، معتبراً أن البنك المركزي يجب أن يكون أكثر شفافية وخاضعاً للمساءلة مثل بقية الإدارات الحكومية. وينسجم هذا الموقف مع توجهات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تسعى إلى إعادة هيكلة الهيئات التنظيمية المستقلة، ومنح المعينين السياسيين نفوذاً أكبر عليها.وخلال الأيام الأخيرة، بدا ماسك مصمماً على التدقيق في سياسات البنك الفيدرالي، الوكالة المستقلة التي تتخذ قرارات حاسمة بشأن أسعار الفائدة، والتي تؤثر على الاقتصاد الأميركي، بل العالمي أيضاً. ورغم أن البنك الفيدرالي يخضع بالفعل لتدقيق مالي شامل من مكتب مساءلة الحكومة (GAO) وشركة محاسبة مستقلة، فإن ماسك لا يشير إلى ميزانية البنك الفيدرالي البالغة حالياً 6.8 تريليونات دولار، بل إلى قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية.وتضع محاولات ماسك الحالية استقلالية البنك المركزي الأكبر في العالم تحت المجهر، لا سيما مع التحولات الكبرى التي تشهدها البيروقراطية الفيدرالية في عهد الرئيس دونالد ترامب. وعندما سُئل ماسك في تجمع الحزب الجمهوري السنوي الأسبوع الماضي عما إذا كان ينبغي تدقيق البنك الفيدرالي، أجاب قائلاً: "نعم، بالتأكيد"، دون تقديم تفاصيل إضافية، وكانت تلك المرة الثانية خلال نفس الشهر التي يعبر فيها الملياردير المشاغب عن دعمه لهذه الفكرة.Interviewer: "Are you thinking about auditing the Federal Reserve?"ELON: "Yeah, sure."In spite of the fact that the Federal Reserve (and central banking all over the world) is the main driver for inflation, wars, money devaluation and government bloat, only 8 seconds of… pic.twitter.com/FIHNW1wjCB— HighImpactFlix (@HighImpactFlix) February 22, 2025وبصفته رئيساً لوزارة الكفاءة الحكومية، يقود ماسك جهوداً للوصول إلى البيانات الحكومية الرئيسية. ومع ذلك، فقد أوقف قاضٍ فيدرالي مؤقتاً محاولات الوزارة للوصول إلى نظام دفع تابع لوزارة الخزانة في وقت سابق من هذا الشهر. وتأتي دعوات ماسك لمراجعة البنك الفيدرالي بعد أن وقع ترامب أمراً تنفيذياً من المتوقع أن يضعف سيطرة البنك المركزي على البنوك الكبرى العاملة في الولايات المتحدة، إذ يمنح هذا القرار التنفيذي المعينين السياسيين سلطات غير مسبوقة على الهيئات التنظيمية المستقلة، مثل لجنة التجارة الفيدرالية ولجنة الأوراق المالية والبورصات، لكنه استثنى السياسة النقدية للبنك الفيدرالي بوضوح.وفي عام 2015، سعى الجمهوريون إلى تمرير قانون "شفافية بنك الاحتياط الفيدرالي"، المعروف باسم "تدقيق البنك الفيدرالي"، والذي كان يهدف إلى جعل قرارات أسعار الفائدة خاضعة لموافقة الكونغرس. ولم يحقق هذا المشروع أي تقدم، كما فشلت محاولات لاحقة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تشاك غراسلي وراند بول لإعادة طرح مشروع قانون مشابه العام الماضي.وكتب بن برنانكي، الرئيس السابق للبنك الفيدرالي، في تحليل نُشر عام 2016 بواسطة معهد بروكينغز: "من واقع خبرتي، فإن مجلس الاحتياط الفيدرالي يضع سياسته النقدية بناءً على أفضل البيانات الفنية المتاحة، بدون أي اعتبار للسياسة أو الحزب المسيطر على البيت الأبيض أو الكونغرس". وأضاف: "أنا واثق أيضاً من أن التدخلات السياسية في قرارات السياسة النقدية لن تؤدي إلى نتائج أفضل".إلا أن الإدارة الثانية لترامب يبدو أنها أعادت إحياء فكرة مراجعة سياسات البنك الفيدرالي. ففي وقت سابق من هذا الشهر، كتب أحد مستخدمي منصة "إكس" منشوراً يدعو إلى إجراء "تدقيق شامل" للسياسة النقدية للبنك الفيدرالي، وهو ما رحب به ماسك قائلاً: "يجب أن تكون جميع جوانب الحكومة شفافة وخاضعة للمساءلة أمام الشعب، ولا استثناءات، لا سيما البنك الفيدرالي".All aspects of the government must be fully transparent and accountable to the people.No exceptions, including, if not especially, the Federal Reserve. https://t.co/qZnXspcKPS— Elon Musk (@elonmusk) February 9, 2025وليس من الواضح ما إذا كان ماسك يريد أن تتولى وزارة كفاءة الحكومة مهمة تدقيق البنك الفيدرالي، إذ سبق أن اقترح الجمهوريون أن يتولى مكتب مساءلة الحكومة مراجعة مداولات السياسة النقدية للبنك الفيدرالي، والتي تستند حصرياً إلى البيانات الاقتصادية لتحقيق الاستقرار في الأسعار وضمان الحد الأقصى من التوظيف، وهو ما يمثل جوهر مهمة البنك المركزي.ولكن بغض النظر عن الجهة التي ستتولى عملية التدقيق، فإن مراجعة قرارات السياسة النقدية تعني في جوهرها التساؤل حول ما إذا كان ينبغي أن يظل البنك الفيدرالي مستقلاً، إذ إن فتح المجال للمراجعة السياسية يضيف بُعداً سياسياً إلى قرارات يُفترض أن تكون تقنية بحتة.وفيما يخص وول ستريت، يبدو أن الجواب واضح: يجب أن يظل البنك الفيدرالي مستقلاً. فقد قال روجر فيرغسون، الرئيس السابق والرئيس التنفيذي لشركة TIAA ونائب رئيس مجلس محافظي البنك الفيدرالي سابقاً، في تصريح لشبكة CNBC الشهر الماضي: "البنك الفيدرالي المستقل مفيد للاقتصاد الأميركي، وهذا بدوره مفيد للجميع". كما أكد قادة الأعمال، بمن فيهم براين موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، وبيتر أورزاغ، الرئيس التنفيذي لشركة لازارد لإدارة الأصول، بعد فوز ترامب بالانتخابات، أن من مصلحة الاقتصاد أن يظل البنك الفيدرالي مستقلاً.وحتى الآن، لا توجد مؤشرات مقلقة على أن استقلالية البنك الفيدرالي مهددة مباشرة، لا سيما أن الأمر التنفيذي الصادر عن ترامب لم يتطرق إلى سياسته النقدية. وفي جلسة المصادقة على تعيينه في يناير/كانون الثاني، قال سكوت بيسنت، وزير الخزانة الجديد في إدارة ترامب: "لا توجد أي خطط للتدخل في استقلالية البنك الفيدرالي"، مضيفاً: "أعتقد أن قرارات السياسة النقدية يجب أن تبقى مستقلة".