إلى أين تذهب المنطقة: اضطراب ما بعد الصدمة

Wait 5 sec.

لقد بدأ عهد شرق أوسطي جديد بمشهد دراماتيكي لتنفيذ الصفقة التي رسمها الشهيد السنوار بعد خوض "أم المعارك" في التاريخ الحديث، في أكبر سجن بشري وأصغر تجمع بشري سجين في العالم فك قيده ودحر السجان إلى لا رجعة، ورفع الحجاب بين ثنائية المستعمِر والمستعمَر، كالأشباح لقد أجادوا فن التخفي والظهور في التوقيت الذي يضعه الأحرار مخضِعين لا خاضعين.لا بأس بمزيد من التطبيع هنا وهناك بالنسبة للإسرائيلي، فإن لم ينفع التطبيع في المرحلة القادمة فإنه لن يضر كذلك، فقد أدرك الاحتلال أن التطبيع مع السعودية وبعض دول الخليج والمغرب العربي لا يكفي ولن يحمي إسرائيل، فقد حان الضغط على مصر والأردن وسوريا لمزيد من التنازلات التي تتصف بأنها أكثر من التطبيع، فالاستعراض العسكري للجيش المصري هو مؤشر على حسم السيسي موقفه تجاه إسرائيل وتأكيده على الإخلاص قلبًا وقالبًا مع الجيش الإسرائيلي، إنها جبهة قتال ستنضم إلى المحور الأميركي الإسرائيلي في حرب قادمة يجري التحضير لها في السنوات القادمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقوم الجيش التركي بتدريب الجيش السوري الجديد في خطوة واضحة لإدارة سوريا الجديدة مقابل أن تَهَب الحكومة السورية مناطق حكمها لتكون خط دفاع مستقبلي ضد "التمدد الإيراني" الذي لا يزال جزءًا من حلف روسيا والصين.إن أكثر النقاط تهديدًا للأمن الإسرائيلي هي الحدود الأردنية العراقية، حيث تشدد إيران من الحفاظ على السيطرة هناك، إلى جانب الحدود السورية العراقية التي كانت معبرًا مهمًا لتنفيذ خطة سقوط بغداد التي كانت محكومة بالنظام البعثي العراقي، وهذه النقاط لم تجر فيها بعد معارك حاسمة، لأنها مناطق بعيدة عن حدود إسرائيل، هذا مع أن إسرائيل أصبحت تدرك الخطر الإيراني المتنامي من تلك المناطق، وهذا قد ينذر بأردن متحالف عسكريًّا مع إسرائيل لدحر هذا الخطر الإيراني، ونظام سوري جديد مدرَّب ومؤهل لخوض حرب إقليمية لتأمين الحماية لإسرائيل من الجهة المتاخمة للعراق، وأضف على ذلك الخطة الأهم بالنسبة لإسرائيل هي تحويل سيناء لأرض معركة بين حماس والجيش المصري، لتطويق الأذرع الإيرانية من جنوب إسرائيل من جهة، ومن شمالها من جهة أخرى.إذن القراءة تشير إلى أن هناك إسرائيل منشغلة بمعارك من عدة جبهات ومحاور، وهرولة متسارعة نحو التطبيع مع البعيد والقريب بشكل غير مسبوق العهد في تاريخ إسرائيل المهيمنة على المنطقة، ومعنى ذلك قد يقودنا إلى استنتاج أن إسرائيل فقدت قدراتها السابقة في الهيمنة، وهي تلجأ لأساليب الدفاع والحماية والتنصل من شعارات صهيونية لغايات المرحلة الراهنة والمستقبل الضبابي الذي بدأ يحوم حول المصالح الإسرائيلية الأميركية، كل هذا ولم نتطرق بعد للنجاح المتسارع لحركة المقاطعة العالمية لإسرائيل، وإن المقاطعة فرصة للدول الصناعية للمنافسة في السوق الذي سيفرغ من المنتجات الإسرائيلية ليعطي ذلك مجالًا للتعددية والتنوع والوصول لمنتجات محلية في بعض الدول التي حُرمت من حق المنافسة والعرض والطلب، ربما سيكون المناخ السياسي أقل تدخلًا في مصير الشعوب "النامية" لنجدها تدرك وتعي بحقوقها التي حرمت منها طوال قرن ونيّف من الاستعمار البربري والاستعمار الجديد.نحن نتوقع عالمًا جديدًا يفضي إلى التبادل المادي الحقيقي الذي لم نعتد عليه، وإذا بقيت إسرائيل متمسكة بنزعتها الصهيونية العسكرية، فهذه مسألة مؤقتة ستؤدي بها في نهاية المطاف إلى عزلة تامة عن العالم الجديد القادم، الذي لم يعد فيه من الآن احترام للتطرف والاستعمار والاعتداء على حدود الغير، وفي هذا السياق نرى توجه حكومة ترامب في سياسة فرض الجمارك التي قد تفضي إلى عزل أميركا عن العالم وتحييد الاستعمار بعد أن نهب موارد شعوب الجنوب، وأصبح يكتفي بما نهبه من احتياطي النفط والغاز والمعادن، لكن هل توقفت أميركا عن النهب؟لا، بل دعوها تسرق معادن أوكرانيا، وكأن الدب الروسي سيقف متفرجًا حينها، فلنتابع ما سيفعله حكم بوتين الذي حارب بشراسة لاسترداد أوكرانيا، ولا أظن أن معركة روسيا وأوكرانيا قد انتهت، بل من المحتمل أن تتجدد ولكن المغلوب في هذه الجولة الجيش الأميركي نفسه الذي سطا وغزا ثم عاد مهزومًا من فيتنام والعراق وكوبا، وقريبًا ستحسم روسيا نهاية العهد الأحادي القطب الأميركي الذي يحاول أن يسدد أهدافًا في الوقت بدل الضائع!