شهدت انتخابات الـ "بوندستاغ" في ألمانيا نتائج مهمة، إذ فاز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بقيادة "فريدريش ميرتس" بنسبة 28.5% من الأصوات، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان. في المقابل، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف نسبة 20.6%، ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان، بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على 16.5% من الأصوات، وحصل حزب الخضر (Die Grünen) على نحو 12%، كما دخل حزب اليسار (Die Linke) البرلمان بنسبة 8%، بينما فشل الحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب سارة فاغنكنيشت (الذي حقق 4.97%)، إذ يتجاوز عتبة الـ 5% المطلوبة لدخول البوندستاغ.التحالفات وعقبات تشكيل الحكومةلم يحقق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأغلبية المطلقة، ما يعني أنه يحتاج إلى شريك ائتلافي، والحسابات تشير إلى إمكانية تشكيل تحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، لتصل معًا إلى 328 من أصل 630 مقعدًا في البوندستاغ. ومع ذلك، هناك تحفظات داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فقد قال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، "لارس كلينغبايل": "نحن نريد ضمانات واضحة من الاتحاد الديمقراطي المسيحي بأنهم لن يتعاونوا مع حزب البديل من أجل ألمانيا تحت أي ظرف من الظروف".أما حزب البديل، فقد أبدى رغبة في التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، حيث شددت "أليس فايدل"، المرشحة عن الحزب، على استعداد حزبها للتعاون مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قائلة: "نحن نعتقد أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، خاصة في قضايا مثل الهجرة والأمن"، إلا أن فريدريش ميرتس رفض هذه الفكرة بشكل قاطع، مؤكدًا أن "التعاون مع حزب البديل ليس خيارًا مطروحًا".تحليل السياسات المحددةمن بين القضايا الرئيسية التي قد تؤثر على المفاوضات الائتلافية سياسات الطاقة والهجرة والاقتصاد، فعلى سبيل المثال، يختلف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر بشكل كبير في سياسات الطاقة، إذ يدعم الخضر التحول السريع إلى الطاقة المتجددة، بينما يفضل الاتحاد الديمقراطي المسيحي نهجًا أكثر تدريجية.في قضايا الهجرة، قد يكون هناك توتر بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، إذ يدعم الأخير سياسات أكثر انفتاحًا تجاه اللاجئين، بينما يفضل الحزب المسيحي سياسات أكثر تشددًا.فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية فإن الحزب المسيحي قد يواجه صعوبة في التوافق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، وقد قال الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لمعهد "إيفو" "هانز فيرنر زين": "السياسات الاقتصادية للاتحاد الديمقراطي المسيحي تركز على تقليل العجز المالي ودعم الشركات، بينما يفضل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر زيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثمار في البنية التحتية الخضراء".دور حزب اليسارقد يلعب حزب اليسار دورًا في حال تشكيل حكومة أقلية، حيث يمكن أن يدعم بعض القرارات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية. ورغم هذه الاحتمالية، فإن مواقف حزب اليسار المتشددة في قضايا مثل السياسة الخارجية والدفاع قد تجعل التعاون معه صعبًا بالنسبة للاتحاد الديمقراطي المسيحي.حكومة الأقلية: خيار محفوف بالمخاطرفي حال فشل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في تشكيل تحالف حكومي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو أي حزب آخر، قد يلجأ إلى تشكيل حكومة أقلية. هذا الخيار يعني أن الحزب سيشكل حكومة دون الحصول على أغلبية برلمانية، ما يضطره إلى الاعتماد على دعم مؤقت من أحزاب أخرى لتمرير التشريعات.حكومة الأقلية قد تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق الاستقرار السياسي، إذ ستكون عرضة للانهيار في أي لحظة إذا فشلت في الحصول على دعم كافٍ من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى أن هذه الحكومة قد تعاني من تأخير في اتخاذ القرارات المهمة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها ألمانيا.من ناحية أخرى، فإن تشكيل حكومة أقلية قد يزيد من الاستياء الشعبي، حيث سيظهر الحزب غير قادر على تحقيق الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة قوية، ما قد يؤثر سلبًا على ثقة الناخبين في النظام السياسي الألماني، وربما يؤدي إلى زيادة الدعم لليمين المتطرف.ردود الفعل الدوليةفي خطوة أثارت جدلًا دوليًا حول إعلان فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، عن نيته دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لزيارة ألمانيا، وذلك على الرغم من صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب في غزة.هذا الإعلان جاء بعد اتصال هاتفي بين "ميرتس" و"نتنياهو"، إذ هنّأ الأخير ميرتس بفوزه في الانتخابات، وأكد ميرتس خلال الاتصال عزمه على دعوة نتنياهو، معتبرًا قرار المحكمة الجنائية الدولية "فضيحة" ووصفه بأنه "معادٍ للسامية".من جانبها، أكدت المحكمة الجنائية الدولية أن تنفيذ قراراتها هو التزام قانوني بموجب "نظام روما الأساسي"، وأنه ليس من حق الدول تحديد صحة الأحكام القانونية للمحكمة بشكل منفرد.كذلك أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة من دول الاتحاد الأوروبي، فقد أعربت فرنسا عن قلقها من تأثير هذه الدعوة على العلاقات الأوروبية مع إسرائيل، بينما دعمتها بولندا باعتبارها خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية.الخلاصةالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سيتمكن من تشكيل حكومة مستقرة تلبي تطلعات الناخبين، أما إذا فشلت المفاوضات، قد تتسع الهوة بين الأحزاب التقليدية، ويزداد التعقيد في تشكيل حكومة قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.وفي حال لم يتمكن الاتحاد الديمقراطي المسيحي من تشكيل تحالف مستقر، ستكون أمامه خيارات محدودة مثل حكومة الأقلية، مما سيفاقم من حجم الصعوبات السياسية في المستقبل القريب.