الحوار السوري بما تيسّر... اعتذارات عن عدم المشاركة

Wait 5 sec.

سبقت الانتقادات انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، خصوصاً بسبب الطريقة التي تعاطت بها اللجنة التحضيرية مع هذا الحدث، واتهامها بـ"الاستهتار" والتعامل بخفة مع هذه الخطوة السياسية الأهم منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي حين يرى البعض أن السلطات تتعاطى مع المؤتمر كأنه حدث هامشي، يعتبر آخرون أن التعاطي كان بكل جدية مع المؤتمر، مدافعين عن الاستعجال بعقده لا سيّما مع اقتراب موعد تشكيل الحكومة الجديدة بموجب التعهدات التي قطعتها الإدارة السورية.وبحسب اللجنة التحضرية، من المقرر أن يستمر مؤتمر الحوار السوري يومين (بدأ يوم أمس الاثنين بلقاء تعارف على أن ينعقد اللقاء اليوم الثلاثاء) ولكن يمكن تمديده "إذا لزم الأمر"، مشيرة إلى أن الدعوات وُجّهت لشخصيات من داخل البلاد وخارجها، للنقاش في العديد من الملفات والقضايا، خصوصاً العدالة الانتقالية والدستور وإعادة بناء المؤسسات. وبحسب مصادر مقربة من اللجنة وُجّهت الدعوات لـ550 شخصاً، من مختلف المحافظات السورية، إذ سيجري تقسيمهم إلى ست مجموعات لمناقشة ملفات ستة، هي: العدالة الانتقالية، وبناء الدستور، وإصلاح المؤسسات، وقضايا الحريات الشخصية والحياة الإنسانية، ودور منظمات المجتمع المدني، والمبادئ الاقتصادية وفق ما أعلن. وبحسب المصادر، اعتذر 17 مدعواً بسبب "ضيق الوقت"، إذ وُجهت الدعوات قبل يومين فقط من عقد المؤتمر. وقال المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للحوار حسن الدغيم لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أمس إن الرئيس السوري أحمد الشرع سيفتتح (اليوم) مؤتمر الحوار في قصر الشعب الجمهوري.وكان الشرع أصدر في 12 فبراير/شباط الحالي قراراً يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، عقدت أكثر من ثلاثين لقاءً شملت جميع المحافظات لضمان تمثيل مختلف مكونات المجتمع السوري، بحسب اللجنة، التي أوضحت أن ما يقارب من أربعة آلاف رجل وامرأة شاركوا فيها. وكان عضو اللجنة، المتحدث باسمها، حسن الدغيم، قد أشار أول من أمس إلى أن التوصيات من الحوار الوطني "لن تكون مجرد نصائح وشكليات، بل سيُبنى عليها من أجل الإعلان الدستوري والهوية الاقتصادية وخطة إصلاح المؤسسات"، وأوضح أن اللجنة عدلت برامجها بناءً على الانتقادات والملاحظات التي أبداها المشاركون في ثلاثين جلسة حوارية عُقدت على مستوى المحافظات السورية خلال الأيام القليلة الماضية.انتقادات تطاول مؤتمر الحوار السوريوانتقد عدد من الشخصيات المدعوة طريقة إرسال الدعوات وتوقيتها، معتبرين ذلك مؤشراً على عدم جدية التحضير لمثل هذا الاستحقاق الوطني، فيما صدرت معظم الاعتذارات عبر صفحات أصحابها على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أستاذ القانون الدستوري، سام دلة: "تلقيت دعوة بعد منتصف الليل لحضور المؤتمر. اعتذرت لعدم قدرتي على الوصول إلى دمشق، ولأني لا أرى في طريقة وتوقيت إرسال الدعوة جدية بالتعاطي مع هكذا استحقاق وطني". بدوره، اعتذر الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، جورج صبرا، الذي يعيش في باريس، بسبب ضيق الوقت قائلاً: "أتمنى النجاح والتوفيق للفاعلين في تحقيق أهداف المؤتمر".سام دلة: لا أرى في طريقة وتوقيت إرسال الدعوة جدية بالتعاطي مع هكذا استحقاق وطنيبدورها، أشارت المديرة التنفيذية لمنظمة "فريدوم جاسمن" في تركيا ياسمينا بنشي، إلى استحالة حضورها لعدة أسباب لوجستية، منها عدم توفر رحلات طيران من إسطنبول في هذا التوقيت، وصعوبة عبور المعابر الحدودية، أمّا الاستشاري في التنمية والحوكمة فادي حليسو، فأوضح أن وصول الدعوة قبل يومين فقط، يعطي انطباعاً بعدم جدية الدعوة، وقال: "بالتأكيد أستطيع السفر من ألمانيا على حسابي، لكنني بحاجة لأكثر من يومين لترتيب الإجراءات"، في حين أوضح المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية في عهد النظام جهاد مقدسي، أنه تلقى الدعوة أول من أمس، فاعتذر نظراً لصعوبة الوصول السريع من واشنطن إلى دمشق، ولوجود التزامات مسبقة، وقال: "رغم غيابي، أشكر اللجنة المنظمة على دعوتها الكريمة، وأتمنى للمؤتمرين كل التوفيق والنجاح".كما واجه المؤتمر مقاطعة من السوريين ضمن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، شمال وشرق سورية، وفي السياق قال الصحافي الكردي فهد صبري إنه يرفض المشاركة كفرد في مؤتمر "تُهمّش فيه ثاني أكبر قومية في البلاد وهم الكرد"، وأضاف: "أعتبر أي كردي يشارك في المؤتمر، يخون قضية شعبه ويسعى لمكاسب شخصية على حساب قضية الكرد في سورية". وتباينت آراء الناشطين السياسيين وفي الشأن العام حيال المؤتمر، ما بين مرحب بهذه الخطوة المعوّل عليها في تحديد ملامح هوية البلاد السياسية والاقتصادية، وما بين منتقد للطريقة التي تعاطت معها الإدارة مع هذا الحدث. وانتقد كثيرون الطريقة التي تعاملت بها اللجنة التحضيرية مع حدث كبير ينتظره عموم السوريين منذ سقوط نظام الأسد، معتبرين أنها تعاطت بـ"استخفاف"، و"عدم جدية" سواء لنوعية المدعوين أو أوراق العمل أو الاستعجال في الدعوة ومدة المؤتمر، كما تجاهلت اللجنة توجيه الدعوة لعدد كبير من الناشطين السياسيين والكتّاب والأكاديميين والشخصيات التي كانت في مقدمة المعارضين للنظام المخلوع سواء قبل الثورة عام 2011، أو في أثنائها. وكان من المتوقع أن يستغرق الإعداد لهذا المؤتمر وقتاً أطول من أجل تهيئة كل الظروف لإنجاحه عبر الخروج بتوصيات للإدارة الجديدة ترقى إلى مستوى الإلزام، خصوصاً لجهة الآليات الكفيلة بإدارة المرحلة الانتقالية التي تتطلب إعلاناً دستورياً ناظماً.أسباب الاستعجال بعقد المؤتمرورأى الباحث السياسي حازم نهار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سورية بحاجة إلى مؤتمر على شاكلة المؤتمر السوري الكبير الذي استمرت سنة وثلاثة أشهر، وأعلن تأسيس سورية في الثامن من مارس/آذار 1920، لا سيّما أن سورية اليوم في خطر وخرجت من مرحلة قاسية استمرت 14 عاماً"، وأعرب عن اعتقاده أن الإدارة الجديدة في البلاد "تعاملت بخفة أو باستهتار مع فكرة المؤتمر"، مضيفاً: ربما لأنها لا تريد مشاركة غيرها فعلياً، أو ربما بسبب نقص الخبرة في التعامل مع حدث وطني بهذا الحجم. وتابع: لقد نزَلَتْ بالفكرة من المؤتمر الوطني السوري إلى مؤتمر الحوار الوطني، الذي لا يمتلك صلاحيات سوى إصدار التوصيات، وأشار إلى أن تعامل اللجنة التحضيرية مع المؤتمر الوطني "توحي بنظرتها إليه وكأنه مؤتمر هامشي"، مضيفاً: "ليس معقولاً إبلاغ المشاركين فيه قبل يوم واحد وبعضهم خارج سورية، وليس منطقياً أن تكون مدة المؤتمر يوماً واحداً فقط، هذا أقرب إلى عمل منظمة مجتمع مدني مبتدئة ولا تملك الخبرة"، وأشار نهار إلى اعتقاده أنه كما يبدو لا قناعة لدى السلطة الحالية بـ"عقد مؤتمر وطني سوري حقيقي وصاحب قرار"، مضيفاً: لو وُجدت مثل هذه القناعة لاختلفت طريقة التحضير والإعداد للمؤتمر.حازم نهار: الإدارة الجديدة في البلاد تعاملت بخفة أو باستهتار مع فكرة المؤتمرفي المقابل، فإن للباحث السياسي مؤيد غزلان رأي مختلف، إذ قال في حديث مع "العربي الجديد" إن اللجنة التحضيرية "تعاطت بكل جدية مع المؤتمر"، مضيفاً: ظهرت الجدية في الاستقراء والإحصاء المستمر الذي قامت به، من خلال عقد جلسات حوارية مع ممثلين من كل المحافظات السورية ومن كل الأطياف والمستويات، كما رأى أن اللجنة قامت بـ"إدارة مثالية للتنوّع"، مضيفاً: أخذت اللجنة من المشاركين أكثر من 400 بحث مكتوب في العدالة الانتقالية والرؤية الاقتصادية والبناء الدستوري، ما مكّنها من وضع المدعوين كل في مكانه، ضمن ورشات المؤتمر الوطني الأكثر اختصاصاً التي تناقش كل الملفات المهمة، وأشار إلى أن اللجنة "عملت باستقلالية ومن دون تدخّل أيّ جهة"، موضحاً أن الجلسات الحوارية التي سبقت المؤتمر العام خاضت في كل المسائل والقضايا التي تهم جميع السوريين، مضيفاً: كل محافظة لها همومها، لكنّ هناك هموماً مشتركة بين كل السوريين وهي العدالة الانتقالية والرؤية الاقتصادية والبناء الدستوري.وحول الاستعجال في عقد المؤتمر، أشار غزلان إلى أن هناك قضايا لا تستطيع الانتظار أكثر "وأبرزها البناء الدستوري، والدخول في مرحلة العدالة الانتقالية التي تحتاج لأرضية قانونية ولجان تقصي حقائق"، مضيفاً أن "الإعلان الدستوري المؤقت لا يستطيع الانتظار، لذا كان لا بد من عقد المؤتمر، كما أن الظروف الدولية، ورفع العقوبات المفروضة على سورية تحتاج إلى خطوات سريعة في الحوار الوطني، للتأكيد أن هناك مشاركة من كل السوريين في هذا الحوار"، وتابع: "هناك تحديات ملحّة فَرضت على الإدارة الجديدة عقد المؤتمر في أقرب وأسرع الآجال، لإبرام عقد اجتماعي يبيّن شكل الدولة، والحوار الوطني سيكون منهجية وطنية دائمة للاستخدام في المراحل المقبلة، كما سيكون المسار السياسي للحكومة السورية المقبلة، والمحدد لأي جهة تشريعية أو تنفيذية"، وبرأيه فإن إيجابيات عقد المؤتمر أكثر من السلبيات، معرباً عن اعتقاده بأنه "لا يوجد مؤتمر وطني مثالي في أغلب دول العالم".