غلاء أحجار غزة... وبدائل مكلفة لمواد البناء

Wait 5 sec.

 في قطاع غزة أصبح الدمار مشهداً طاغياً، إذ يعيش السكان معاناة مضاعفة بفعل النقص الحاد في مواد البناء والتشييد جرّاء عدم سماح قوات الاحتلال بدخولها، ما يضاعف من قساوة حياتهم اليومية، خاصّة في ظل اشتداد الحاجة لهذه المواد لترميم ما تبقى من بيوتهم وحماية أنفسهم وذويهم.ويندفع آلاف الفلسطينيين نحو حلول وبدائل غير عملية لمواجهة الواقع الصعب، في ظل تأخر البدء بإعادة الإعمار بسبب الظروف المعقدة، معتمدين على الشوادر البلاستيكية والنايلون لتغطية ما تبقى من منازلهم، محاولةً للاحتماء من الرياح والبرد والأمطار الغزيرة والظروف المناخية الصعبة.الأنقاض مأوى مؤقتفي أحياء دمرت بالكامل تقريباً، تحوّلت الأنقاض إلى مأوى مؤقت، إذ يعيد السكان ترتيب الحجارة والألواح الخشبية لإقامة جدران بدائية، ثم يثبتون فوقها قطع النايلون الكبيرة، التي يحصلون عليها من المساعدات أو يشترونها بأسعار مرتفعة في السوق السوداء، ورغم أنّ هذه المواد لا توفّر عزلاً كافياً، لكنها تبقى الخيار الوحيد أمام الكثيرين، خاصة في ظل غياب حلول بديلة.ومنذ بدء الحرب وإغلاق المعابر وتشديد الحصار على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم تسمح إسرائيل بإدخال مواد البناء والحديد والأخشاب وغيرها من المواد المساعدة في عمليات البناء والترميم، وما يجري من عمليات بسيطة يكون عبر المخزون القديم من هذه المواد.ومع هبوب الرياح، تتطاير هذه التغطيات الهشة، فتضطر العائلات إلى الخروج تحت المطر لإعادة تثبيتها بحِبال أو مسامير معدنية، وأحياناً باستخدام حجارة الأنقاض نفسها، وتصبح هذه البيوت المؤقتة في الليالي الباردة مصيدة للبرد والرطوبة، إذ تتسرب مياه الأمطار من الثقوب والشقوق، ما يجعل الأرضيات الطينية أكثر وحلاً.ويعتبر الأطفال أكثر المتضررين، إذ يقضون لياليهم متكدسين تحت البطانيات القليلة المتوفرة، بينما يحاول الأهل إشعال أي شيء يمكن أن يُوجد قليلاً من الدفء، بفعل انعدام الكهرباء، حتى لو كان ذلك يعني حرق البلاستيك أو الخشب المبلل، رغم المخاطر الصحية الناتجة عن الأدخنة السامة المسببة للأمراض التنفسية الشائعة.غلاء قياسيّ للأحجار في غزةيتسبب غياب مواد البناء وعدم السماح بإدخالها في اختفائها من المحاجر والمحال المخصصة، أو ارتفاع أسعارها في السوق السوداء إلى مستويات غير مسبوقة، إذ وصل سعر الحجر الواحد إلى 20 شيكلاً بعد أن كان يباع بشيكل ونصف الشيكل، أي أنّ سعره تضاعف بنحو 13 مرة، كذلك وصل سعر كيس الإسمنت إلى قرابة 500 شيكل بعد أن كان يباع بـ 25 شيكلاً (الدولار يساوي 3.55 شواكل)، وهناك العديد من أنواع أحجار البناء في غزة، ومنها الحجر الجيري، والجرانيت، والرخام، كما ابتكر سكان غزة قبل العدوان الإسرائيلي حجراً صديقاً للبيئة من النفايات.وعن كيفية تعامل الفلسطيني سائد أبو سعدة وهو رب أسرة عائد من النزوح مع نقص مواد البناء لحماية منزله المتضرر من البرد، يقول إنّه لا يمتلك رفاهية الاختيار، فقد اضطر إلى البقاء في ما تبقى من بيته.ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه قام بجمع بعض الأخشاب والحجارة المتناثرة بين الأنقاض لصنع جدران مؤقتة، بينما تمثلت المشكلة الكبرى في السقف، فقام بتغطيته بقطعة كبيرة من النايلون، وثبّتها بالمسامير، لكن ذلك لم يمنع نزول مياه الأمطار من الجوانب وتبليلها الفراشَ.ويبيّن أبو سعدة أنه يحاول تجنيب أطفاله أماكن تركز المياه، وإبعادهم عن النوافذ التي لا تمنع هبوب الرياح الباردة، بينما يحاول زيادة الأغطية فوقهم ليلاً لحمايتهم من البرد والأمراض قدر المستطاع.بدائل ضعيفة لمواد البناءوبعد فقدانه لبيته بشكل شبه كامل، حاول الفلسطيني عطا مهاوش مواءمة غرفة صغيرة بلا نوافذ أو باب، إذ قام بشراء شادر (غطاء من القماش) من السوق لإغلاق النوافذ وصناعة باب خشبي، مبيناً أنه يقوم بتثبيت الشادر مراراً، فالرياح القوية تتسبّب بتمزيقه أو خلعه.ويلفت مهاوش لـ"العربي الجديد" إلى أن كل محاولات استبدال مواد البناء والحجارة والباطون بأخرى ضعيفة تبوء بالفشل، أو تعطي نتائج غير مجدية، خاصة في ظل اشتداد موجات البرد، ويقول: "البيوت الطبيعية باردة في هذه الأوقات، فما بالك بالبيوت والغرف المفتوحة والمدمرة".ويوضح مهاوش ضعف المساعدات الإنسانية المخصصة لتغطية البيوت المدمّرة في ظل نقص مواد البناء، على الرغم من تسجيله في كل روابط المؤسسات العاملة، مؤكداً على ضرورة توفير الشوادر والنايلون والخيام القوية لمواجهة الظروف القاسية.في الإطار، يبين الأربعيني محمود اشنينو الذي يحاول إصلاح بيته بوسائل بدائية، أنه فوجئ ببيته مفرغاً تماماً من النوافذ والشبابيك بفعل قصف ملاصق، بينما تعرض العفش للسرقة والتلف نتيجة تساقط الأمطار على ما تبقى منه.ويلفت اشنينو لـ"العربي الجديد" إلى أنه حاول تجميع بعض الألواح المعدنية والأخشاب الحجارة وتثبيتها بالطين والمسامير، كذلك تثبيت الأقمشة على النوافذ المفتوحة، إذ لم يستلم أي شوادر، فيما لم يتمكن من شراء النايلون مرتفع الثمن بسبب وضعه الاقتصادي الصعب.ويقول: "المشكلة أن هذه المواد لا تعزل البرد أو المطر، وعندما تمطر، تبلل المياه كل شيء، ونضطر إلى جمع الماء من الداخل بالدلاء"، لافتاً إلى أنه يحاول التكيف رغم صعوبة الأوضاع دون أن يعرف إلى متى ستستمر محاولاته وعيشه بهذه الطريقة.تركيب الشوادربدوره، يوضح الفلسطيني سامي قاسم الذي يعمل في تركيب الشوادر والنايلون بعد أن دمرت ورشة النجارة الخاصة به، أنه بدأ عمله منذ عودته من النزوح، إذ تطلب منه الأسر التي تضررت منازلها إيجاد حلول لمنع دخول الهواء والأمطار.ويشير قاسم لـ"العربي الجديد" إلى أنه يستخدم الشوادر والنايلون والأخشاب وألواح الصفيح والألومنيوم والمسامير وأحياناً الحِبال لتثبيت الشوادر، إلا أنّ مختلف بدائل مواد البناء تظل ضعيفة، ولا يمكنها الصمود أمام الرياح والتقلبات الجوية.ويلفت إلى أنه يتقاضى أجراً بسيطاً يمكنه من توفير قوت أسرته، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تدفع العديد من العائلات إلى إصلاح بيوتها بنفسها باستخدام أدوات بسيطة، تضطرهم إلى المداومة على ترميمها لضعفها.وتدفع القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات والبيوت المتنقلة والمساكن البديلة الفلسطينيين إلى ابتكار الحلول المؤقتة عبر استخدام البطانيات القديمة للتغطية والتدفئة، وإعادة تشكيل قطع الخشب المهملة لصنع أبواب ونوافذ بدائية.