القيادية بحزب الأمة القومي رباح الصادق في حوار مع (مداميك):::* الوثيقة الدستورية تم ذبحها يوم الإنقلاب بإلغاء الشراكة مع الحرية والتغيير* الحكومتان في بورتسودان ونيروبي لن تخدما تحقيق السلام والوحدة والعدالة* رغم فك الارتباط لكن هناك استمرار لأمراض الحرية والتغيير وإن بصور مختلفة* هذا ليس ما كنت أتخيله للدور المدني خلال الحرب::القاهرة – حوار: إيمان الحسينانتقدت القيادية في حزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي، طريقة تعامل القوى المدنية والسياسية مع أزمة الحرب القائمة بين الجيش والدعم السريع، واعتبرت ان النخبة في المجتمعين المدني والسياسي منقسمة إلى كتل تصطف بعضها خلف الجيش وبعضها الآخر خلف الدعم السريع، مؤكدة أن إعادة تمدين المشهد السوداني قبل وبعد الحرب عملية مطلوبة ومضنية جدًا، وتتطلب أولا وقفة مع الذات ونقدها بموضوعية وتجرد، وتلامس حقيقي مع الشارع.وقالت رباح في هذا الحوار مع صحيفة (مداميك)، إن هذا ليس ما كانت تتخيله للدور المدني الذي ينبغي أن يطرح جانبا ما يرتكبه طرفا الحرب من موبقات، لأن الهدف الأعلى بقاء الوطن وسلامه، كما تطرقت لعدد من القضايا الأخرى التي تعج بها الساحة السياسية:::* تجري استعدادات لتشكيل حكومة في ظل الاوضاع الراهنة ما رأيك في ذلك؟أي حكومة تتشكل الآن في بورتسودان هي حكومة أمر واقع فاقدة الشرعية وامتداد لانقلاب 25 أكتوبر، وبالتالي فإن تعديل الوثيقة الدستورية الذي تم مؤخرا لا يعدو أن يكون إعدام ميت.الوثيقة الدستورية تم ذبحها يوم الانقلاب بإلغاء الشراكة مع قوى الحرية والتغيير (تعطيل المواد 11، 12، 15، 16، 24-3، و71 التي تشير لدورها التأسيسي في تشكيل مجلس السيادة، وتكوين مجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، وعقد الاتفاق السياسي المفضي للوثيقة)، وذلك بما يخرق المادة (78)- والتي لم يشملها الإلغاء آنذاك- وتنص على أنه لا يجوز تعديل الوثيقة إلا بأغلبية ثلثي المجلس التشريعي. إضافة لخروقات أخرى.والآن فما أشيع أن التعديلات المجازة تشطب كلمة (الدعم السريع) حيثما وردت وقد وردت في المادة (11) التي عطلت أصلا في 25 أكتوبر 2020، وتنص على فترة انتقالية طولها تسعة وثلاثون شهرا، وذلك تهيئة لتكوين حكومة مكونة من القوات المسلحة وشركاء سلام جوبا 2020 (من تبقى منهم في طرف الجيش) وأي أطراف مدنية أخرى وتحكم لثلاث سنوات ونيف، وزادت عدد العسكريين إلى تسعة بدلا عن ستة، وألغت المجلس التشريعي واستبدلته باجتماع مجلس الوزراء والسيادة والولاة، وهذه تعديلات إن صحت فإنها غير دستورية بالأساس وتمضي في توطيد وشرعنة عسكرة الحياة العامة في السودان، وتشكل امتدادا للتلاعب القديم بالتواثق الدستوري، وهو تلاعب لا يفهم المسوغ الداعي له فقد ظل البرهان يصدر المراسيم ويتصرف منذ الانقلاب على كيفه، فلماذا يلجأ لخطوة خلافية كهذه تشتت حتى الناس في معسكره،.وأظن قطاعا ممن التفوا حول القوات المسلحة في الحرب الحالية لا يوافقون على هذه العسكرة المقننة، ولا على إعطاء القياد للقوات المسلحة طيلة الفترة المذكورة. يرى البعض أن السبب في الاستعجال نحو تكوين الحكومة هو ضغط الاتحاد الأفريقي الذي جمد عضوية السودان منذ الانقلاب وطالب بحكومة مدنية، وآخرون يرون أن البرهان إذ يشعر بزيادة الالتفاف حوله يفكر في تقنين رئاسته التي حملتها بشريات والده من قبل.وأسوأ ما في المشروع الذي قدمته الكتلة الديمقراطية ويبدو أنه سوف يشكل وثيقة هادية للحكومة المرتقبة أنه يمضي في تأكيد الانقسام بين القوى المدنية، ويفرض حوارا سودانيا – سودانيا يعقد على الأرض السودانية ويحرم منه كل من وجهت له تهم العمل مع الدعم السريع، في حين أن حكومة بورتسودان سمت عددا كبيرا من رموز العمل المدني والسياسي مطلوبين جنائيا ووجهت لهم تهما خطيرة باعتبارهم أذرع مدنية للدعم السريع.فحكومة بورتسودان المرتقبة إضافة لكونها فاقدة للشرعية فإنها بدلا عن أن تستثمر التأييد الشعبي في مد الأيدي بالسلام للآخرين تمضي في تأكيد العسكرة والسيطرة والاستبداد الشامل وعزل وإقصاء قوى سياسية ومدنية معتبرة. وكلما مضت في ذلك الاتجاه كلما ساهمت في توسيع الشقة السياسية والإثنية والجهوية بين مكونات البلاد والتي تعمل جهات عديدة في توسيعها تنفيذا لمخطط إمبريالي بتقسيم السودان.* الحكومة التي تسعى الدعم السريع وحلفاؤها لتشكيلها أيضا هل يشكل ذلك حقا خطرا على وحدة البلاد؟الحكومة المرتقبة في كينيا والتي تم الإعلان عنها في مؤتمر بتاريخ 18 فبراير الجاري والتي انضمت عبرها بعض القوى المدنية والسياسية والحركات المسلحة للدعم السريع، فلا يعلم حتى الآن مقرها، ولكنها قطع شك مدعومة إماراتيا، وتمضي لشرعنة التقسيم الثاني للسودان، وذلك بتنفيذ مخطط التقسيم الذي أعلنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفيد يخترمنذ 2008 ومفاده أن الأمن الإسرائيلي منوط بتقسيم بلدان المنطقة على أسس إثنية ومذهبية بالعمل على شد الأطراف وتغذية الاختلافات وإزكاء الكراهية، ومقرر للسودان وفقا لتلك الخطة أن يقسم لخمس دول، تم الانقسام الأول في 2011م، وهذا تدشين للانقسام الثاني.خطاب هذه الحكومة قائم على تحطيم سودان 1956م وإقامة سودان جديد لا تعدل فيه الموازين بل تنقلب بما يشبه (العفريتة) بحيث يحط من القبائل التي يرى أنها حازت على الامتيازات التاريخية ويعلى من حظوظ القبائل التي همشت، وللأسف فإن ذلك يتم بفرز داخل المناطق المهمشة فأقل الولايات حظوظا في التعليم والتنمية وهي غرب دارفور نالت على ايدي الدعم السريع الحظ الأكبر من العنت والتنكيل بل الإبادة الجماعية.التقارير الدولية مثل تقرير منظمة مسح الأسلحة الصغيرة السويسرية الصادر هذا الشهر يقول إن الدعم السريع ارتكب 77% من الانتهاكات، وإن ماليته تتضمن نهب ممتلكات المواطنين بصورة منهجية لذلك وصفت “جمهورية الكدمول” بأن اقتصادها قائم على الافتراس، كما ذكر تقرير لجنة تقصي الحقائق التابع لمجلس حقوق الإنسان إنها ترتكب الجزء الأكبر من الاغتصابات وتمارس استرقاق النساء لاستغلالهن جنسيا، فالمرء يتعجب من خطاب القوى المدنية التي وضعت يدها في يد ذلك التوحش بحجة أنها تفعل ذلك لتقدم للمواطنين الخدمات التي حرمتهم منها حكومة بورتسودان ولتحميهم من الانتهاكات. فهل لتلك القوى شوكة أو قوات نظامية أقوى من الدعم السريع الذي يرتكب الانتهاكات؟ وهل سوف تذود عن المواطنين ضد الدعم السريع وهي تتحرك بتمويله وفي ثناء تام لأشاوسه وما سمي بتضحياتهم كما جاء في بعض كلمات المؤتمر؟وبالجملة فإن الحكومتين المعلن عنهما لن تخدما السير المطلوب نحو تحقيق السلام والوحدة والعدالة ومن ثم التحول المدني الديمقراطي، وسوف تركز الأولى الديكتاتورية وتسهم في توهين الوحدة والتشتت ومفاقمة الكراهية بل وزعزعة الالتفاف الكبير الذي وجدته القوات المسلحة في الشهور الأخيرة، فالجاهل عدو نفسه.وسوف تعمل الثانية على تنفيذ مخطط أجنبي بتقسيم السودان بأيدي بنيه وسوف يكون أداؤها إن قامت آية في البربرية ولكن تحت شعارات زاهية براقة كمثل ما فعل (الأشاوس) وهم يرفعون الديمقراطية راية لأعمال القتل والنهب والاغتصاب. والكتل المدنية والديمقراطية حتى الآن موزعة بين هذا وذاك أو مكتفية بالشجب والتعليق، لا نشهد أي عمل جماهيري توعوي تعبوي سواء داخل أو خارج السودان يبرز صوتا مدنيا عاقلا واعيا يعمل على تصحيح الأوضاع.* كيف ترين الانقسام الذي وقع داخل (تقدم) ثم تكوين (صمود)؟بحسب متابعتي لا زالت (صمود) و(تقدم) تعملان بأثر من النهج القديم، الطريقة التي أديرت بها قوى الحرية والتغيير ثم عملية الاتفاق الإطاري احتملت كثيرا من سمات اختطاف القرار لدى جماعة تشكل مركز القوة، والإقصاء والانفراد بالرأي. كان حزب الأمة على عهد رئيسه المنتخب الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان ينادي بتكوين جسم قيادي، لكنه هوجم بضراوة وجرى تسويف للأمر واتخذت قرارات مصيرية بدون أي مشاركة حقيقية وفي النهاية حينما تم تكوين المجلس المركزي لم يحسم الأمر بل ظل القرار يتخذ بصورة مختطفة، ولدى عقدنا في صحيفة الديمقراطي لورشة تقييم الفترة الانتقالية في 2022م مع قوى الحرية والتغيير استمعت لبعض الإفادات التي تؤكد ما ذهب إليه حزب الأمة القومي في شكواه مما جعله يجمد عضويته في التحالف في أبريل 2020م. مثلا قال الأستاذ محمد حمد سعيد وهو يتحدث عن لجنة إزالة التمكين وفيها خمسة أعضاء من الحرية والتغيير: “أنا عضو بالمجلس المركزي للحرية والتغيير كأمين عام للحزب الوطني الاتحادي، وأؤكد ان اختيارهم لم يطرح على المجلس المركزي للحرية والتغيير”.بعد تكوين تقدم تطورت آلية اتخاذ القرار من ناحية الاتفاق منذ البداية على هيئة قيادية لكن جسمها الكبير كان يمنع من انعقادها مما جعل القرارات كذلك تتخذ بصورة لا تخضع لشورى حقيقية داخل التحالف ولا داخل الأحزاب والمكونات المنضمة له. مثال على ذلك مسألة مقابلة قائد الدعم السريع وإمضاء إعلان أديس أبابا معه في 2 يناير 2024م وهذه خطوة ضخمة جدا، فيها تجاوز لخارطة الطريق التي أقرتها تقدم في 29 نوفمبر 2023م وتتضمن ست خطوات: 1) وقف الحرب والعدائيات، 2) معالجة الوضع الإنساني، 3) عقد اجتماع تشاوري برعاية الميسرين يضم الجيش والدعم والقوى المدنية لتصميم عملية سياسية وإعلان المبادئ للحل السياسي، 4) الجلوس في طاولة تفاوض 5) صياغة دستور انتقالي متوافق عليه و6) تشكيل السلطة المدنية الانتقالية. هذه الخطة الواضحة تم تجاوزها.في أواخر ديسمبر 2023م مباشرة بعد ظهور ابن دقلو للعلن والإعلان عن لقاء مرتقب بينه والبرهان في 25 ديسمبر، أعلن د.عبد الله حمدوك عن طلب لقاء عاجل مع دقلو والبرهان. اجتمع المكتب التنفيذي لتقدم ونص على ان الاتصال بالقائدين يهدف للاتفاق حول إجراءات وقف العدائيات وإيصال الإغاثات، ولكن بدلا عن هذه الخطط الواضحة التقت “تقدم” حميدتي في 1 يناير ووقعت في 2 يناير معه إعلان أديس أبابا. لم يتم الإعلان عن أي اجتماع لـ”تقدم” اتخذ فيه تحويل هدف اللقاء بهذا الشكل، أما المكونات الحزبية فلم تخطر حتى وأتحدث عن خبرتنا في حزب الأمة حيث سافر الرئيس ووقع بدون أي تشاور.ونفس الشي تم لدى فك الارتباط داخل “تقدم” وولادة التوأم “صمود” و”تأسيس” من رحم “تقدم”، مما يشي باستمرار أمراض الحرية والتغيير وإن بصور مختلفة داخل “تقدم”. مع بروز ذات الاتجاه لاختطاف القرار داخل بعض الأحزاب المنضمة لـ”تقدم” ومن ثم “صمود” و”تأسيس”مما أسفر عن انشقاقات وململة او احتجاج لتغييب الديمقراطية والشورى الداخلية فيما يتعلق بالانضمام لتلك التكتلات والقرارات التي اتخذتها، التجمع الاتحادي المعارض وحزب الأمة القومي كمثال.وبالجملة أعتقد أنه طالما دارت القوى المدنية حول مداراتها القديمة فليس لنا أن نحلم بعالم سعيد لم يكن مع “تقدم” ولن يكون مع “صمود”.لقد استبشرت جدا بفك الارتباط بين جماعة تأسيس وصمود باعتبار أن “صمود” سوف تتحلل من قيود وكلاء الدعم السريع داخل تقدم. لكن إصرار بعض قادة “صمود” على أنهم يوافقون زملاءهم القدامى في كل شيء ما عدا التكتيك يجعل الأمل يذوي لأن نهج الاندراج في الخطاب الدعامي كان أصيلا عند تقدم وينبغي للتعافي طرحه جملة وتفصيلا: في سردية الحرب، في النفس الإعلامي، في إحاطة مراكز الغبن للطرفين.. إذ لم نسمع بأي تصريحات رسمية من جماعة “صمود” ضد حكومة نيروبي، في حين ابتعثوا وفدا خصيصا لحضور القمة الإفريقية ومخاطبة زعمائها بألا يفكوا تجميد عضوية حكومة السودان، وهذا يعني مقابلة عدائية بورتسودان بعدائية مماثلة.* هل يعني ذلك أن ما تقوم به القوى السياسية الداعية لوقف الحرب حاليا يسير في اتجاه خاطئ؟هذا ليس ما كنت أتخيله للدور المدني الذي ينبغي أن يطرح جانبا ما يرتكبه طرفا الحرب من موبقات، فالهدف الأعلى بقاء الوطن وسلامه، وأظن ذلك السلوك ناتج نظرة سائدة وسط رموز القوى المدنية أننا لسنا وسطاء بين الطرفين بل طرف ثالث يمثل طموحات الشعب السوداني. الحقيقة نحن ينبغي أن ننظر لأنفسنا كوسطاء حتى يتحقق السلام وأن نقلع تماما عن تسويق رؤانا ثم نعتبر من يوافق عليها الأقرب لنا، إن المعركة التافهة الحالية ليست مجالنا ولا ينبغي أن نبحث عن حلفاء أو (روم) يوم نصرهم يفرح المؤمنون، بهذا نضمن وحدتنا، وهزيمة الحرب حقا لا لفظا. وبعد أن يتم الاتفاق على إعلان مباديء ووقف لإطلاق النار يأتي دورنا كطرف لديه خطة مدنية ديمقراطية، وعلى قدر ما استطعنا درج الناس في مدارجنا على قدر ما زادت قوتنا المعنوية وفرضنا الاستماع لصوتنا فإن ظللنا كما نحن الآن بعيدين عن الشارع فإن صوتنا سيكون ضئيلا وسنكون بابتعادنا عن الشارع مهدنا للعسكرة الشاملة للحياة حتى بعد السلام.نعم القوى المدنية طرف ثالث يعلي من قيم إنسانية ضرورية كالحرية والعدالة والديمقراطية والسلام، بيد أنها بدون حاضنة شعبية ستبدو محلقة في سماء الأحلام، أو مستندة على شوكة المجتمع الدولي المؤمن بتلك القيم.. وفي النهاية فكلما تأخرت في تلمس مشاكل نهجها القديم وتجسير الفجوة مع الشعب، واختراق وسائل تتلمس الحلول بصورة بعيدة عن حشر نفسها في المعركة مع وضد، والفطام عن خطاب الرضى عن الذات، فربما حشرنا من جديد في دائرة التسعينات وبداية الألفينات إذ ظللنا لأكثر من عقدين ونصف “نحفر بالإبرة” والشارع بعيد جدا عنا، حتى جاء جيل ثورة ديسمبر المجيدة الذي قلب الموازين وجعل حلمنا ممكنا.. هذا معناه إما أن نقضي عمرنا التالي في الحفر بالإبرة، أو نأمل في أن هذا الجيل المعلم ينفض الإحباط ويقدم من جديد قيادة للشارع تلامسه وتلامس آلامه وآماله، ومن ثم نلتحق نحن قدامى المحاربين للصيغة التي عجزنا عن ابتكارها بأنفسنا.The post في حوار مع (مداميك).. رباح الصادق: حكومتا بورتسودان ونيروبي لن تخدما السلام والوحدة (1-2) appeared first on صحيفة مداميك.