مسح سكاني وإغراءات من الاحتلال لأهالي القنيطرة السورية

Wait 5 sec.

لم تتوقف مشاريع الاحتلال الإسرائيلي عند مسألة التوغل شبه اليومي في مناطق وبلدات ريف القنيطرة، على امتداد الشريط الفاصل مع هضبة الجولان السوري المحتل، بل اتجهت وحدات من الجيش لإجراء مسح سكاني لعدد من القرى والبلدات، بدءاً من كودنة والرفيد والعشة وأبو غارة وصيدا الجولان وعين ذكر وصيصون والقيد، بالإضافة إلى بلدات حضر وجباتا الخشب وتلول الحمر ومدينة السلام.ويهدف المسح السكاني بحسب عدد من القاطنين في تلك البلدات، إلى تعداد السكان ورصد الخدمات الصحية والتعليمية والماء والكهرباء والوقود، بالإضافة إلى الواقع المعيشي والبطالة وفرص العمل.وقال محمد بكر، أحد أبناء ريف القنيطرة لـ "العربي الجديد"، إن عناصر جيش الاحتلال دخلوا مراراً إلى معظم بلدات ريف القنيطرة الجنوبي والمتوسط والشمالي وبحثوا مع الوجهاء والعديد من العائلات وبعض المارة في الشوارع وعلى الحواجز التي كانوا ينصبونها ليلاً بين البلدات، الاحتياجات الرئيسية لأهالي المنطقة، كالماء والكهرباء والوقود والخدمات الصحية والوضع التعليمي في المدارس، وتحدثوا مع الأهالي عن فرص العمل والموارد المادية والطبيعية، وعرضوا على جميع من التقوهم من السوريين مساعدات إغاثية.وأضاف بكر: "لقد دخل الإسرائيليون مرات عدة بعربات مصفحة وعسكرية، دون الدبابات والجرافات، وتحدث العناصر مع الأهالي باللغة العربية، وأظهروا اهتمامهم بمعيشة الناس والفقر والحاجة لوقود التدفئة والعلاج المناسب، محاولين لفت نظر الأهالي إلى الإهمال المتعمد من النظام السابق وعدم الاكتراث من الحكومة الجديدة".وأشار المتحدث إلى أن غالبية أهالي المنطقة كانوا يضطرون للإجابة عن جميع الأسئلة حول الخدمات العامة والاحتياجات الضرورية، وإذا ما كان الأهالي يحتاجون لمساعدات إغاثية غذائية وطبية، وأفاد بأن الإسرائيليين سألوا إن كان ثمة من يرغب بالعمل داخل الأراضي المحتلة، أي في هضبة الجولان وحتى داخل حدود إسرائيل عموماً، موضحين أن أجور العامل داخل حدود الكيان تصل إلى 100 دولار أميركي في اليوم الواحد.من جهته، قال الناشط المدني وأحد سكان محافظة القنيطرة سعيد المحمد لـ "العربي الجديد"، إن الإهمال المتعمد خلال العقود السابقة لمناطق القنيطرة، خلق لدى الأهالي شعوراً بالغربة عن سورية عموماً، إذ ساهمت حكومة نظام الأسد بفصل القنيطرة عن باقي أنحاء سورية بالحواجز الأمنية التي قطعت أوصالها داخلياً وخارجياً مع باقي محافظات سورية.وأوضح أنّه إلى غاية لحظة سقوط نظام الأسد كان السوري لا يستطيع الدخول إلى مناطق الجولان دون تحقيق وتصريح خطي من الأجهزة الأمنية، ومع هذا كان يخضع للاستجواب على كل حاجز بين القرى والبلدات، إذ يشعر كل من يدخل إلى القنيطرة أنه في بلد خارج سورية، وأنه متهم بالعمالة لإسرائيل أو مخرب يستهدف الحواجز الأمنية والمواقع العسكرية السورية.وتابع أنّ هذا الأمر دفع أهالي المنطقة إلى النزوح أو الانكفاء داخلَ المحافظة، وأنتج لديهم إحساساً بالغربة تجاه باقي المحافظات السورية، ومن بوابة الغربة والتحييد المتعمد والواقع الاقتصادي والمعيشي والصحي والتعليمي المتردي، مهّد النظام البائد لإسرائيل الدخول إلى عمق المعاناة والحاجة من أجل خلق أرضية شعبية تمهد للاحتلال حاضراً، ومتحكماً حتى بالقرارات المصيرية للمنطقة.إغراءات إسرائيلية لأهالي القنيطرةمن جهته، قال عضو لجنة مخاتير القنيطرة إبراهيم جريدة لـ"العربي الجديد"، إن "أهالي القنيطرة غير مُفاجئين بالإغراءات الإسرائيلية المتمثلة في وعود عمل أو مساعدات مالية عبر وسطاء؛ فما يحدث اليوم على حدودنا مع الجولان المُحتل هو امتداد لسياسة استغلال منهجية تستهدف السوريين أينما كانوا، والقضية ليست جديدة، لكنّها تتصاعد مع تفاقم الأزمات الاقتصادية، إذ تحوّل إسرائيل الحاجة ذاتها إلى أداة لاختراق المجتمع، وزراعة عناصر تابعة لها"، وأضاف: "ما يحدث في القنيطرة اليوم ليس توغلاً عابراً أو مسحاً إنسانياً بريئاً، بل هو جزء من خطة استيطانية مُحكمة تهدف إلى اختراق المجتمع السوري عبر أدوات الاقتصاد والجوع. إن الاحتلال الإسرائيلي لا يُقدم فرص عمل أو مساعدات إنسانية بل يصنع فخاً لتحويل أزمتنا إلى بوابة لتكريس الاحتلال، وذلك تمهيداً لفرض واقع جديد يسهل الاستيلاء على الأرض لاحقاً، على غرار ما حدث في الجولان المحتل قبل عقود. ويحاول الاحتلال استغلال الفقر لشراء الولاءات، وتحويل العمالة اليومية إلى أداة تجسس، واختراق النسيج الاجتماعي".ويردف: "أهل القنيطرة يدركون جيداً أن هذه الأجور المغرية ليست ثمناً لساعات عمل، بل ثمناً لبيع الهوية، ونحن نرفض أن نكون وقوداً لمشروع استيطاني جديد، تماماً كما رفض أجدادنا التهجير القسري عام 1967، لذلك نطالب الحكومة السورية والدول العربية بتحرك عاجل لوقف هذه الانتهاكات، وملاحقة إسرائيل دولياً لخرقها قرارات مجلس الأمن".من جهته يفيد الصحافي علي الحسين، وهو من أهالي محافظة السويداء المجاورة، ورداً على تداول أحاديث عن وجود سوريين من السويداء يرغبون بالعمل داخل الكيان، بأن "أبناء السويداء يرفضون كل أشكال الإغراءات الإسرائيلية في القنيطرة، فتاريخنا منسوج بروح المقاومة والتمسك بالأرض، ولن نرضى أن نكون أدوات تُستخدم لتلميع وجه الاحتلال أو تمرير مشاريعه التوسعية، وما يحدث في القنيطرة من محاولات لاستقطاب السوريين عبر الإغراءات المادية أو الوعود الكاذبة، هو جزء من حرب نفسية تستهدف تفكيك نسيجنا الاجتماعي، وتحويل قضية الصمود في وجه التمدد الصهيوني إلى مساومة سياسية رخيصة".ويضيف: "نعلنها صراحةً من السويداء، لن نسمح بتحويل دمائنا وكرامتنا إلى عملة للمتاجرة، ولن نكون حلفاء لمشروع يستهدف وحدة الأرض السورية، والمواجهة مع الاحتلال ليست خياراً مؤقتاً، بل هي قضية وجود، وكل محاولة لانتزاع شبر من أرض القنيطرة، أو استدراج أبنائها عبر الإغراءات، ستقابل بالرفض المطلق".وفي سياق منفصل، عقدت اليوم السبت، اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري اجتماعها مع أهالي بلدات القنيطرة، إذ تركزت معظم توصيات الأهالي، على إعادة القنيطرة إلى خارطة الاهتمام السوري بعد أن لاقت إهمالاً متعمداً خلال حكم النظام البائد، وتفعيل حضور الحكومة الجديدة في جميع نواحي الحياة العامة والخدمية خاصّة في مجالات الأمن والصحة والتعليم.المشاركون في الاجتماع، طالبوا الحكومة بالعمل محلياً ودولياً لمنع التوغل الإسرائيلي وإخراج قوات الاحتلال إلى نقاط الحدود المتفق عليها في معاهدة فض النزاع عام 1974، كما تساءل الحضور عن أسباب الصمت الحكومي تجاه ما يجري في مناطق القنيطرة، بالإضافة إلى الإهمال في تفعيل الخدمات الضرورية وإصلاح ما خربته آلة الحرب الإسرائيلية في كل توغل منذ خروج عناصر وأجهزة النظام السوري المخلوع.وطالبوا بحماية أهالي القنيطرة وأرزاقهم من الاحتلال، مؤكدين أن المواطنين لا يطلبون حالياً من القيادة الجديدة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الأراضي المحتلة قبل عام 1967 وعام 1973، بل الحفاظ على الأراضي والبلدات التي مازالت ضمن حدود سورية.من جانبه، يقول الناشط المدني عمر صالح، وهو من المشاركين في الاجتماع، إن جلسات التحضير للمؤتمر الوطني السوري في القنيطرة خطوة تاريخية لإعادة صوت أهالينا إلى الواجهة، بعد عقود من الإهمال الممنهج. مضيفاً لـ "العربي الجديد": "لم يعد مقبولاً أن تبقى القنيطرة خارج خريطة الأولويات السورية، خاصة بعد أن عبّر الأهالي بوضوح عن مطالبهم المشروعة كإصلاح البنية التحتية المدمرة، وتمكين الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، ومواجهة التوغل الإسرائيلي الذي ينتهك حدودنا يومياً، فهذا المؤتمر ليس مجرد جلسة حوار، بل هو منصة ضغط محلية ودولية لإلزام الحكومة الجديدة بالتحرك الفعلي، ولفت أنظار المجتمع الدولي إلى انتهاكات الاحتلال، خاصة بعد سحب السلاح من أيدي الأهالي دون توفير حماية بديلة"، وقال: "نثق بأن هذه التوصيات ستكون بداية لعهد جديد من المساءلة والشفافية".فيما رأى حسام العلي وهو ابن محافظة القنيطرة، ومعارض للنظام السوري المخلوع، أنّ المؤتمر ليس سوى مسرحية دبلوماسية لتلميع صورة الحكومة الجديدة، بينما القرارات الحقيقية تتخذ في العواصم الدولية والإقليمية بعيداً عن صوت الأهالي، وأضاف لـ "العربي الجديد": "كيف نصدق وعود الإصلاح والأمن ونحن نرى دوريات الاحتلال تتجول في قرى القنيطرة ليل نهار دون أي ردة فعل؟ الإهمال في الخدمات واستمرار التدمير الإسرائيلي للأراضي ليس غلطة سابقة، بل هو سياسة ممنهجة لترك المنطقة ضعيفة أمام التمدد الصهيوني. إنّ المؤتمر يكرس الوضع القائم فهذا كلام عن حقوق وهمية، وتنازلات فعلية عن الأرض عبر الصمت الحكومي المريب، ولن نُخدع بخطابات التفاؤل؛ إذ لا توجد إرادة سياسية حقيقية لمواجهة الاحتلال واستعادة السيادة، فكل الحوارات مجرد تسويق لديمقراطية مزيفة".