فيصل محمد صالحكلّ من يتابع خطابات الفريق عبد الفتاح البرهان في المواقع والاجتماعات المختلفة، سيخرج بواحدة من نتيجتَيْن، إمّا أنه مرتبك ولم يحدّد الكثير من مواقفه مع القوى السياسية والعسكرية المختلفة، أو أنه يتعمّد هذا الإرباك، وهو وسيلته للمناورة السياسية وإرباك الحلفاء والخصوم، ويبدو أنّ هذا هو الاستنتاج الصحيح. ويمكن استنتاج ذلك من خطاباته ومواقفه المتناقضة خلال الأسبوعين الماضيين.خرج البرهان في خطاب علني ليحذّر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية من محاولة السيطرة على السلطة، وقال إنّ عليهم الانتظار حتّى موعد إجراء الانتخابات العامّة. بعد أيام، وجّه البرهان حديثًا مختلفًا، ووجّه طلقاته نحو تنسيقيّة “تقدّم” وقياداتها، وسمّى منهم الدكتور عبد الله حمدوك والمهندس خالد عمر يوسف. ثم بدا من إشارات كثيرة أنه يتبنّى خريطة الطريق التي قدّمتها مجموعة من القوى السياسية والحركات المسلّحة المتحالفة معه، ليس من بينها الحركة الإسلامية، وتعطيه خريطة الطريق المقترحة رئاسة مطلقة للدولة لمدّة أربع سنوات بعد انتهاء الحرب. أثار هذا الموقف غضب المنتمين للتيار الإسلامي، إذ يعتقدون أنه لا يمكن طرح أي تصوّر لإدارة الدولة بعد الحرب من دون مشاورتهم وإشراكهم في الأمر.فهل يناور البرهان حتى الوصول للحظة المفاصَلة مع الإسلاميين؟الحديث عن احتمال الطلاق ليس مجرّد تمنيات أو رغبات شخصية، ولا هو قراءة رغائبيّة، لكنه ينظر لتاريخ التحالفات الثنائية في تاريخ السّودان بين العسكر والقوى السياسية، وكيف انتهت.تحالف جعفر نميري (مايو/أيار 1969) مع اليسار ووصل به للحكم، لكن سرعان ما انقلبوا عليه وانقلب عليهم، ووصل الأمر لتصفيات دمويّة طالت حتّى السياسيين المدنيين من قيادات الحزب الشيوعي.حدث الشيء نفسه داخل تنظيم الحركة الإسلامية بين الجناح السياسي والجناح العسكري، إذ جاء عمر البشير للسلطة محمولًا على أجنحة التنظيم وعرّابه حسن التّرابي (يونيو/حزيران 1989). وعاش البشير تحت ظلّ التّرابي لحوالى تسع سنوات، وحين ضاق به الأمر، وراودته النّفس في التخلّص من وضع السلطة ذات الرأسيْن، والانفراد بها، لم يتورّع عن الانقلاب على شيخه وعرّابه، وأدخله السجن، وصفّى بعض أتباعه.تكرّر الامر بين البرهان وحميدتي، إذ كان البرهان، في عهد البشير، مشرفًا على تكوين الميليشيات القبليّة في دارفور، ومنها قوات حميدتي، ثم تحالَف معه للإطاحة بالبشير استجابةً لمطالب الثورة الشعبية (أبريل/نيسان 2019) وجاء به نائبًا له. وعلى الرَّغم من ظهور بوادر خلافات بينهما طوال الفترة الانتقالية، إلّا أنّهما تحالفا للإطاحة بالشريك المدني وانفردا بالسلطة. لكن، ومثل كلّ مرة، لم يكن وجود رأسيْن للسلطة وضعًا مُريحًا، بخاصة مع طمع الطرفين فيها، ولأنّ الطرفين مسلّحان، ولديهما قوات متنوعة، وبقدرات عسكرية كبيرة، فقد كانت محاولة الطلاق بينهما هذه المرّة بتكلفة أكبر، حرب عمّت البلاد كلها، ولا تزال رحاها تدور حتى الآن، مخلِّفةً عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين واللاجئين.علاقة البرهان بالحركة الإسلامية علاقة ملتبسة جدًا، فالرّجل وصل لأعلى المراتب العسكرية في عهد البشير، لكنّه حين شعر بحتميّة التغيير، ساهم في الإطاحة به. ظلّ الرجل يحتفظ ببعض خيوط العلاقة مع الحركة الإسلامية حتى بعد الإطاحة بها، ولما فكّر بالإطاحة بالشريك المدني في السلطة لم يفكّر كثيرًا في الحليف المرتقب، ومدّ حبال الودّ للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وأعاد توظيف كوادرهم في مفاصل السلطة.لكن، وبقراءة بسيطة للمشهد السياسي، فإنّ هذا التحالف المرتبط بمصالح وقتيّة، وبرغبة البقاء في السلطة، لا يختلف كثيرًا عن التحالفات السابقة والتي ذكرْنا أمثلة لها في هذا المقال.ليس هناك شكّ أنّ هناك أزمة ثقة متبادلة بين البرهان والحركة الإسلامية، وكلّ طرف يعرف أنّه إذا ما ضعف فإنّ الطرف الثاني سيطيح به، وبالتّالي فإنّ حدوث طلاق ومفاصَلة بين الطرفين هو أمر حتمي ولازم، وسيحدث في وقت ما، لكن ربّما ليس في الوقت الحالي.لجوء البرهان للحلفاء الآخرين وقبوله ودعمه لخريطة الطريق ثم التعديلات التي أدخلها على الوثيقة الدستورية يكشف أنه لا يرغب بأن يكون اعتماده الأساسي على حلفائه في الحركة الإسلامية، ولا بأن يستمدّ مشروعية الاستمرار في الحكم من رضاهم ومباركتهم، ولا على أساس التقاسم مع من ساهم معه في الحرب. لجأ البرهان للوثيقة الدستورية التي مزّقها بالانقلاب، ليقول إنّه يستند إلى شرعية الثورة، والتي لم يكن الإسلاميون طرفًا فيها، وبالتّالي هو من سيحدّد نصيبهم في السلطة، إن كان التحالف لا يزال قائمًا.سيحدث الطلاق يومًا، ومن المؤكّد أنه لن يكون فراقًا بإحسان، فقد وضعت حالة الحرب نموذجًا لا يمكن تخطّيه بسهولة، كما أنّ تعدّد الميليشيات والمجموعات الحاملة للسلاح سيجعل السيطرة عليها في لحظة الانفلات أمرًا في غاية الصعوبة، إنْ لم يكن مستحيلًا، إلّا إذا حدثت معجزة.(خاص “عروبة 22”)The post البرهان والإسلاميّون: هل يستمر التحالف الملغوم؟ appeared first on صحيفة مداميك.