ما الذي فعلته قوات الدعم السريع ولم تفعله القوات المسلحة السودانية؟!

Wait 5 sec.

خالد كوديمدخل:على مدار العقود الماضية، شهد السودان صراعات دامية أسفرت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ارتكبتها القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع وكذلك بعض الحركات المسلحة في دارفور. وهذه الجرائم وجدت من تواطآ معها وتماهي وصمت عليها من أحزاب نخب السودان. وبينما يحاول البعض تبرئة طرف وإدانة آخر، فإن الوقائع والوثائق الصادرة عن المنظمات الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، والمحكمة الجنائية الدولية، تؤكد أن جميع هذه الأطراف متورطة في انتهاكات خطيرة، ولامجال للنكران او التزييف او التسوييف. هذه المقالة تستعرض ملمح من جرائم الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، والحركات المسلحة في دارفور، وتسعى إلى تحليل التناقض الواضح في مواقف النخب السياسية التي تحاول ادانة الحركة الشعبية لتحرير السودان بسبب محاولتها الموضوعية لإنهاء الحرب وبناء سودان جديد، بينما تتواطأ علنا وضمنا، وتصمت عن التحالف بين الجيش السوداني وحلفائه الإسلاميين ومراكز قوي السودان القديم العنصرية الذين اسسوا ووسعوا ومكنوا قوات الدعم السريع منطلقا!ملامح من الجرائم والانتهاكات في دارفور:منذ اندلاع النزاع في دارفور عام 2003 وثّقت المنظمات الحقوقية ارتكاب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، إلى جانب بعض الحركات المسلحة في دارفور، جرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية.دور الجيش السوداني وقوات الدعم السريع:وفقًا لتقرير مجلس حقوق الإنسان الصادر في سبتمبر 2024، ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها هجمات واسعة النطاق على أساس عرقي، خاصة ضد مجتمع المساليت في الجنينة، مما أدى إلى قتل آلاف المدنيين، ووقوع عمليات اغتصاب، وتعذيب، وحرق قرى بالكامل.(amnesty.org) تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2016أكد أن القوات المسلحة السودانية استخدمت القصف الجوي العشوائي والمدفعي في جبل مرة، مستهدفة المدنيين، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق.دور الحركات المسلحة في دارفور:تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش في 2015 وثّق انتهاكات خطيرة ارتكبتها بعض الحركات المسلحة الدارفورية، بما في ذلك عمليات قتل ونهب واسعة، وتجنيد الأطفال، وتنفيذ إعدامات ميدانية ضد القبائل المتحالفة مع الحكومةبعض الفصائل المسلحة في دارفور، مثل حركة العدل والمساواة، تورطت في نهب القرى والممتلكات، وتنفيذ هجمات انتقامية ضد المدنيين، خصوصًا في مناطق تابعة لقبائل معينة يُعتقد أنها دعمت النظامفي عام 2023، اتُّهِمت بعض الفصائل المتحالفة مع الدعم السريع بمهاجمة مخيمات النازحين في غرب دارفور، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.الانتهاكات في كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرقشهدت ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق فظائع ارتكبتها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع معًا، حيث استخدم الجيش السوداني القصف الجوي المكثف، بينما نفذت الميليشيات هجمات برية على القرى(amnesty.org). وفقًا لتقرير منظمة العفو الدوليةلعام 2017، شنت الحكومة السودانية هجمات جوية وقصفًا بالبراميل المتفجرة على قرى في جبال النوبة، مما تسبب في مقتل مئات المدنيين.وثقت الأمم المتحدة في 2022 أن قوات الجيش و الدعم السريع نفذت إعدامات ميدانية في بعض مناطق النوبة، مستهدفة أفرادًا يُعتقد أنهم موالون للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمالشهدت هذه المناطق أيضًا تجاوزات من بعض الجماعات المسلحة، حيث تورطت فصائل في عمليات نهب واسعة، وتجنيد الأطفال، وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية.الجرائم في الخرطوم: مجزرة فض اعتصام القيادة العامة نموذجا:في 3 يونيو 2019، ارتكبت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ السودان الحديث، عندما هاجمت آلاف المعتصمين السلميين أمام القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم(hrw.org) وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش ،قُتل أكثر من 120 شخصًا، وأُصيب المئات، وتعرضت العديد من النساء للاغتصاب، في حين تم رمي جثث الضحايا في النيل لإخفاء الأدلة.اعترف المجلس العسكري لاحقًا بأن بعض عناصره وعناصر قوات الدعم السريع كانت مسؤولة عن الجرائم وعمليات العنف، لكنه لم يتخذ أي إجراءات لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائموفقًا لتقرير الأمم المتحدة، ان الجيش والدعم السريع استُخدموا الذخيرة الحية في فض اعتصام القيادة العامة، وتم اقتحام المستشفيات وتعذيب الجرحى، وهي أفعال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانيةالتناقض في المواقف تجاه جهود السلام:رغم أن قوات الدعم السريع والجنجويد والجيش السوداني وبعض الحركات المسلحة في دارفور جميعهم متورطون في انتهاكات جسيمة، إلا أن قوي السودان القديم باتجاهاتها المختلفة في هذا الوقت تنتقد الحركة الشعبية لتحرير السودان بسبب محاولتها تحقيق السلام من خلال مشروعها الذي تجاوزهم باستقطاب قوات الدعم السريعو احدي اطراف الحرب لموقف يقود الي وقف الحرب التي دمرت السودان.في عام 2019، عندما تم توقيع الوثيقة الدستورية، لم يتم إدانة البرهان ودقلو، رغم أن كليهما كانا مسؤولين عن تشكيل الجنجويد وقيادتها في حملات الإبادة الجماعيةفي عام 2021، تولى محمد حمدان دقلو منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وأصبح مسؤولًا عن ملف السلام، ولم يُسجَّل أي اعتراض على تعيينهالتحالف الحالي بين الجيش السوداني وبعض الفصائل السياسية، التي سبق أن دعمت الجنجويد، لم يلقَ أي إدانة أو استنكارفي المقابل، تُنتقد الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما تحاول التوصل إلى تسوية سياسية مع أطراف النزاع، رغم أن أي اتفاق سلام حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون إشراك جميع الأطراف المتحاربةالحجة القانونية والأخلاقية للتفاوض مع أطراف النزاع:وفقًا للقانون الدولي الإنساني، فإن أي مفاوضات لإنهاء النزاع يجب أن تشمل جميع الأطراف المتورطة، لضمان تحقيق تسوية مستدامة اتفاقيات  السلام الدولية ، مثل اتفاقية جنيف واتفاقيات التسوية في جنوب السودان، تؤكد أن إقصاء أي طرف من أطراف النزاع يعزز احتمالات استمرار الحرب.المحكمة الجنائية الدولية، رغم إصدارها مذكرات اعتقال ضد شخصيات سودانية، لم تمنع عمليات السلام والتفاوض، لأن الهدف هو وقف الحرب، ثم تحقيق العدالة والمحاسبة.ختامًا: لا سلام بدون عدالة شاملة ومسؤولية سياسيةإن جرائم الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، وبعض الحركات المسلحة في دارفور موثقة بوضوح من قبل مجلس حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية، مما يجعل إنكارها مستحيلًا. وعليه، فإن المعيار الأخلاقي والقانوني يفرض مساءلة جميع هذه الأطراف وفقًا لحجم وطبيعة الجرائم التي ارتكبتها، وليس إدانة طرف والتغاضي عن طرف آخر، خاصة عندما يكون هذا الطرف هو الجيش السوداني، الذي كان الجهة المؤسسة لقوات الجنجويد، والتي تطورت لاحقًا إلى قوات الدعم السريعمن الناحية الواقعية، فإن تحقيق السلام يتطلب الحوار مع جميع الأطراف المتحاربة، والتفاهم معها عبر المفاوضات أو الاتفاقيات التي تضع آليات حقيقية لإنهاء الحرب ومعالجة أسبابها الجذرية. ومع ذلك، نجد أن النخب السياسية الفاشلة، التي أخفقت منذ استقلال السودان في معالجة الأزمات البنيوية للبلاد، تسعى اليوم إلى التقليل من جهود الحركة الشعبية لتحرير السودان، في بناء أسس سلام حقيقي قائم على تحقيق مشروع السودان الجديد، والذي يبدأ بالتفاوض مع أحد أطراف النزاعبل إن هذه النخب تحاول شيطنة الحركة الشعبية، متهمةً إياها بالخيانة لمجرد أنها تدرك أن السلام المستدام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاوض والاتفاقيات مع جميع الأطراف المتحاربة، واتفق أن يكون الدعم السريع أحد هذه الأطرافوبعض هذه الأصوات تمضي إلى أبعد من ذلك في التضليل والتشويه، زاعمةً أن الحركة الشعبية تخطط لدفع الجيش الشعبي إلى القتال إلى جانب قوات الدعم السريع او الي تصدير مقاتلي الدعم السريع الي مناطق سيطرة الحركة الشعبية وغير ذلك من الاكاذيب. ومن هذا المنطلق، تكيل الاتهامات وتطلق الإدانات الجزافية و غير الموضوعية، متجاهلة تمامًا أن هذه الادعاءات تعكس ضيق أفق سياسيًا وانعدام أي رؤية جادة لتحقيق وقف الحرب.إنهم يتجاهلون الحقيقة الأساسية بأن أي عملية سياسية جادة تتطلب تقديم تنازلات، لأن السلام لا يتحقق بالشعارات والخطابات الثورية المجردة، بل بقرارات عقلانية تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات المشهد السوداني..إن الحركة الشعبية لتحرير السودان، باعتبارها قوة سياسية ناضجة وذات رؤية واضحة للسلام، ولبناء السودان تعمل وفق استراتيجية واقعية تستند إلى طبيعة النزاع السياسي والعسكري، مما يجعلها الأكثر قدرة على تأسيس سلام مستدام، حتى لو تطلب الأمر التوصل إلى اتفاق مع أحد أطراف الحرب، بهدف الوصول إلى تفاهمات مستقبلية مع بقية الأطراف المتحاربة – الجيش السوداني ومليشياته، فالحركة الشعبية وقعت اكثر من اثني عشر وثيقة مع القوي السياسية السودانية بمن فيهم البرهان!وقد بدأت الحركة الشعبية بالفعل في تحقيق اختراق سياسي تاريخي عبر الاتفاق المعلن مع أحد أطراف الحرب، الدعم السريع ولا تزال تمد يدها إلى الطرف الآخر، القوات المسلحة السودانية، إيمانًا منها بأن السلام الحقيقي لا يتحقق عبر إقصاء الأطراف، بل من خلال مفاوضات شاملة تضمن إنهاء الحرب ومعالجة أسبابها الجذرية، كما أكدت قيادتها مرارًا وتكرارًاإن السلام الحقيقي لا يُبنى على المزايدات السياسية أو الأوهام الثورية الكاذبة، بل على استراتيجيات واقعية تهدف إلى إنهاء الحرب، وتحقيق العدالة، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة، تضمن عدم تكرار المآسي التي عصفت بالبلاد لعقودThe post ما الذي فعلته قوات الدعم السريع ولم تفعله القوات المسلحة السودانية؟! appeared first on صحيفة مداميك.