جهود أهلية لمواجهة الفراغ الأمني في ريف إدلب

Wait 5 sec.

يدفع الفراغ الأمني في ريف إدلب وغياب المخافر والمؤسسات الرسمية المجتمعات المحلية إلى جهود ذاتية لحماية الممتلكات وتأمين المناطق عبر تشكيل فرق تطوعية تتولى مهام التأمين ومطاردة اللصوصتصاعدت جرائم النهب والسرقة في ريف جنوبي محافظة إدلب شمال غربي سورية، الذي شهدَ تحولات كبيرة على المستويين الأمني والاجتماعي، ما دفع أبناءه إلى التطوع لحراسة القرى والمنازل، ومنع أعمال السرقة واقتلاع الأشجار المتبقية، وإنشاء نقاط تفتيش على الطرقات الرئيسية للتحقق من هويات الأشخاص والمركبات المشبوهة، وتعزيز التعاون بين القرى المجاورة من أجل تبادل المعلومات وتنسيق الجهود، ما ساهم في الحدّ من السرقات.يقول أيهم الشيخ، من بلدة كفرنبل، لـ"العربي الجديد": "شهدنا موجة سرقات غير مسبوقة للقرى والبلدات، بعضها بدافع الحاجة نتيجة الفقر والعوز، وأخرى نفذها أفراد عصابات تستغل الأوضاع لجمع الأموال. كأن كل ما واجهناه على يد النظام البائد لم يكن كافياً، لتأتي هذه العصابات وتكمل على ما تبقى لدينا، وإن كان ليس ذا قيمة كبيرة".ويضيف الشيخ أن بستانه سُرق ليلاً، واقتُطعت أشجار كانت فيه، من أجل استخدامها في التدفئة أو بيعها، وأنه لم يستطع اللجوء إلى أي جهة رسمية، فقرر مع أبناء المنطقة تحمّل المسؤولية من خلال تشكيل فريق تطوعي، وتنظيم دوريات أهلية لحماية ما تبقى من ممتلكات، مع منح المتطوعين أجوراً رمزية.ويرى المتطوع يوسف الدندوش، في حديثه لـ"العربي الجديد، أن تنظيم دوريات نهارية وليلية مسلحة ساهم كثيراً في ضبط بعض اللصوص ومصادرة سرقات، من بينها حجارة طوب وبقايا نوافذ وأبواب وخزانات مياه وحديد أسقف. ويوضح: "نسّقنا مع وجهاء المنطقة لاتخاذ إجراءات مناسبة بحق السارقين، وهم لعبوا دوراً مهماً في حل النزاعات والتعامل مع حالات السرقة مع تجنب العنف لأن الفوضى ليست في صالح أحد".ورغم النجاحات التي حققها المتطوعون في تقليص جرائم السرقة، تواجه هذه المبادرات تحديات أبرزها نقص الإمكانيات وعدم امتلاك أفرادها أجهزة اتصال حديثة أو إنترنت أو عدم توفر دعم مادي، ما يُعيق التنسيق أحياناً، كما أن بعض اللصوص مسلحون ويمثلون خطراً على المتطوعين.يقول دندوش: "هناك مخاوف من تحوّل هذه المجموعات إلى مليشيات خارجة عن السيطرة، لذا نحرص على بقاء هذه الجهود ضمن الإطار الأهلي وبإشراف الوجهاء. قد لا نملك قوة رسمية، لكن لدينا الإرادة لحماية بعضنا البعض، وهذا هو الأهم".أما سلمى البكور، من سكان قرية كفروما جنوبي إدلب، فتقول لـ"العربي الجديد": "كان الوضع مخيفاً في البداية، خصوصاً مع انتشار أخبار السرقة نتيجة خلو المنطقة من السكان، رغم أن بعض العائلات التي ملّت من النزوح وحياة الخيام فضلت العيش على أنقاض منازلها المهدمة، لكن بعد تشكيل اللجان الأمنية شعرنا بأمان نوعي".وأوضحت البكور أن انخفاض السرقات بات ملحوظاً بعد إطلاق هذه المبادرات، وإدراك اللصوص أنهم مراقبون، فتشجع مزيد من الناس على الانضمام إلى المتطوعين. وهي تأمل في أن تتحسّن الأوضاع مع الوقت عبر إعادة الاستقرار إلى المناطق، وتطالب الجهات المعنية بتقديم دعم أكبر لهذه المبادرات تشمل الموارد والتنظيم من أجل ضمان استمراريتها وفعاليتها.ومن أجل الوقوف على أهمية المبادرات المحلية في تعزيز الأمن، يقول الناشط المجتمعي رائد عبد الغني لـ"العربي الجديد": "تلعب الجهود الأهلية دوراً حاسماً في الحدّ من السرقات في القرى والمناطق السورية، وتعزيز الأمن المحلي والمساهمة في استقرار المجتمع، خصوصاً في ظل الظروف الانتقالية الصعبة والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد".ويشير عبد الغني إلى أنه "حين يتعاون أفراد المجتمع لمراقبة وحماية ممتلكاتهم يصعب على اللصوص تنفيذ جرائمهم. وهذا التعاون يعزز الشعور بالأمان ويقلّل فرص حدوث سرقات، ويشجع أيضاً الأهالي على العودة بأمان إلى قراهم ومناطقهم، خصوصاً في هذا الوقت الذي يشهد معاناة الجهات الأمنية الرسمية من نقص في الموارد أو القدرة على تغطية جميع المناطق السورية، وهكذا تظهر الجهود الأهلية وتقلّل الضغط على المؤسسات الرسمية.ويشيد بأهمية العمل الجماعي لمواجهة السرقة وتعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، ما يزيد شعور السكان بالمسؤولية والثقة المتبادلة، "فعندما يشعرون بأنهم قادرون على حماية أنفسهم وممتلكاتهم يقل شعورهم بالخوف والقلق، والجهود الأهلية تكون غالباً أكثر مرونة وقدرة على التكيّف مع الظروف المحلية، ما يجعلها أكثر فعالية في مواجهة التحديات الأمنية".ونفذت قوات نظام الأسد المخلوع، ومن بينها الفرقة 25 بقيادة سهيل الحسن ومليشيات مساندة، عمليات لـ"تعفيش" وسرقة محتويات منازل مدنيين نزحوا من المناطق سيطرت عليها في عامي 2019 و2020 ضمن أرياف حلب وحماة وإدلب.ولم يكن الحديد المادة الوحيدة التي سُرقت من المنازل، بل شمل الأمر حجارة البناء والألمنيوم والأدوات المنزلية، حتى "حنفيات" المطابخ وسيراميك الحمامات، كما اقتلعت الأشجار وحُرقت، ما منع نازحينَ من العودة إلى قراهم ومدنهم.