يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على سورية، وجنوبها تحديداً، مدعياً أنه يدافع عن مواطنيه، ولن يسمح لهذا الجنوب بأن "يصبح جنوب لبنان"، مستفيداً من عدم قدرة الإدارة السورية الجديدة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عسكرياً، فهي لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج لوقت غير قليل، وذلك بعدما عمد الاحتلال إلى تدمير السلاح الثقيل ومنظومات الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش السوري فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم أن دمشق تستند في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بالتظاهرات المنددة بممارسات إسرائيل والتي باتت تخرج بشكل شبه يومي ويتسع نطاقها في المدن السورية، تبدو الخيارات محدودة ومعقّدة أمام الإدارة السورية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، والذي لا يقتصر على التوغل البري والضربات الجوية، بل تحاول تل أبيب العبث في الجنوب السوري (بمحافظاته الثلاث درعا، السويداء، القنيطرة)، من خلال إيجاد مشاريع غايتها الدفع باتجاه إنشاء كيانات على أساس مذهبي تحديداً في محافظة السويداء، خصوصاً في ظل ظهور تشكيلات وكيانات عسكرية تذهب إلى المطالبة بوضع خاص للجنوب. ويضاف إلى ذلك عدم اتضاح مصير قضية اندماج فصائل في الجنوب ضمن الجيش السوري الجديد.توّغلات واعتداءات إسرائيلية جديدة على سوريةوفي جديد العدوان الإسرائيلي على الجنوب السوري، توغّلت نحو 50 عربة وآلية إسرائيلية في مناطق بريفي درعا والقنيطرة، وصلت إلى قرية البكار في ريف درعا الغربي وبلدة عين البيضا في ريف القنيطرة، قبل أن تنسحب صباح أمس الأربعاء. كما شن الطيران الإسرائيلي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء غارة على بلدة الكسوة، على بعد حوالي 20 كيلومتراً جنوبي دمشق، وأخرى على هدف في ريف درعا الجنوبي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الإسرائيلية على ريفي دمشق ودرعا أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص. وذكر المرصد أنه منذ مطلع العام 2025، قامت إسرائيل باستهداف الأراضي السورية 16 مرة، 14 منها جوية ومرتين عبر البر، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 21 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات بمقتل عسكريين اثنين وستة مجهولي الهوية، بالإضافة لإصابة شخص، بحسب المرصد.المرصد السوري: منذ مطلع العام 2025، قامت إسرائيل باستهداف الأراضي السورية 16 مرة، 14 منها جوية ومرتين عبر البروأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف "أهدافاً عسكرية في جنوب سورية، بما في ذلك مراكز قيادة ومواقع عديدة تحتوي على أسلحة"، من دون أن يذكر مكانها بالتحديد. وحذّر الجيش في بيانه من أنّ "وجود قوات ومعدّات عسكرية في الجزء الجنوبي من سورية يشكل تهديداً لمواطني إسرائيل"، لافتاً إلى أنّه "سيواصل العمل لإزالة أيّ تهديد لمواطني دولة إسرائيل". من جهته، هدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن "أي محاولة من قوات النظام السوري للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران". وقال كاتس في بيان لمكتبه: "الآن يقوم سلاح الجو بمهاجمة جنوب سورية بقوة كجزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سورية من السلاح - والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سورية بأن يصبح جنوب لبنان". وتابع: "لن نعرّض أمن مواطنينا للخطر" و"أي محاولة من قوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران". وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب الأحد الماضي بجعل "جنوب سورية منزوع السلاح بالكامل"، وقال: "لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق".إدانات وتظاهرات رافضةودان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في عمّان أمس الأربعاء، الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مؤكداً دعم المملكة لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها. كما شدد على وقوف الأردن إلى جانب السوريين في إعادة بناء بلدهم عبر عملية تشارك فيها مختلف مكونات الشعب، بما يضمن وحدة سورية وأمنها واستقرارها. وبحسب الموقع الرسمي للديوان الملكي، بحث اللقاء فرص تطوير التعاون والوصول إلى صيغ مشتركة في زيادة واستدامة التنسيق على مختلف الصعد، بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز وحدة الصف العربي. وأشاد ملك الأردن بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكداً أنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء سورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري. وأكد ضرورة التنسيق الوثيق بين البلدين في مواجهة مختلف التحديات المتعلقة بأمن الحدود والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، مشددا على أهمية عودة سورية إلى دورها الفاعل في محيطها العربي. وبيّن العاهل الأردني ضرورة تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم. بدوره، أعرب الرئيس السوري عن تقديره لموقف الأردن، بقيادة العاهل الأردني، الداعم لجهود إعادة بناء سورية والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها.دان الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه الشرع، الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مؤكداً دعم المملكة لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيهاكما دان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، واعتبرها "استفزازاً وتصعيداً ينتهزان فرصة التحول السياسي في سورية لتثبيت واقع غير قانوني وغير شرعي". وأكد في بيان أمس أن "الاحتلال الإسرائيلي لأي أراضٍ سورية ينتهك القانون الدولي، وأن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ مواقف واضحة لإدانة هذا العدوان غير المبرر والذي يستهدف إشعال فتيل التوتر في المنطقة، ووضع العراقيل في طريق الانتقال السياسي في سورية".وخرجت تظاهرات ليل الثلاثاء ـ الأربعاء في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب السوري، وندد العشرات من الشبان بالعدوان، وجابت التظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة. كما خرجت تظاهرة في السكن الجامعي في حمص تنديداً بالعدوان على الجنوب السوري. كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج تظاهرات في بلدتي صيدا الجولان وغدير البستان في ريف القنيطرة الجنوبي أمس، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية.وكانت تل أبيب قد خرقت بعد سقوط نظام الأسد اتفاقية "فك الاشتباك" المبرمة مع سورية في عام 1974، واحتلت المنطقة العازلة ومواقع أخرى منها قمة جبل الشيخ، ووصلت في توغلها إلى مدينة القنيطرة وريف درعا الغربي. وفي حين دان مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عُقد أمس الأول الثلاثاء، "التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، مطالباً بانسحابه الفوري، لم تُظهر الإدارة السورية الجديدة أي ردة فعل عسكرية معلنة على التغول والتوغل الإسرائيليين في الجنوب السوري واللذين يتزامنان مع ظهور تشكيلات خاصة بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي تطالب بمنح المحافظة حكماً ذاتياً. وكان نتنياهو قد قال الأحد الماضي: "لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سورية"، في محاولة واضحة لاستمالة سكان السويداء الذين أعلنوا رفضهم التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري من خلال تظاهرات حاشدة شهدتها المحافظة.خيارات ضيقة أمام الإدارة السوريةولا تبدو الإدارة السورية الجديدة في وضع يسمح لها بمواجهة التهديد الإسرائيلي عسكرياً، إذ لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج الكثير من الوقت خصوصاً لناحيتي التدريب والتسليح، فقد دمّرت تل أبيب جلّ القدرات العسكرية السورية بعد أيام قليلة من سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل ولم يكن يشكل أي تهديد لها. وليس أمام الإدارة الجديدة سوى الخيار السياسي لمقاربة ملف الجنوب سواء لجهة التهديد الإسرائيلي المتكرر أو لجهة مشروعات التقسيم التي ظهرت أخيراً في أكثر من منطقة سورية. وتستند دمشق في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بشكل شبه يومي وخصوصاً في محافظة السويداء. كما يدفع هذا الموقف فصائل عسكرية في محافظة درعا المجاورة لنسج خيوط تفاهم نهائي مع الإدارة الجديدة في دمشق وإنهاء الأوضاع الشاذة في المحافظة والتي تشجّع محافظات سورية لديها هواجس من السلطة الجديدة للمطالبة بالانفصال أو بالحكم اللامركزي وهو ما يؤسس لتقسيم البلاد.محمد صبرا: يجب العمل على تفعيل علاقات سورية مع دول العالم لوضع حد للعربدة الإسرائيليةوتعليقاً على التصعيد الإسرائيلي ودعوات تقسيم سورية، رأى الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سورية اليوم دولة منهكة ولا يوجد لدينا جيش قوي وسلاح ثقيل ومنظومات دفاع جوي"، مضيفاً: "فكرة المواجهة العسكرية مع إسرائيل مستبعدة، ولكن يجب ألا نستسلم لإرادة الاحتلال، لذا يجب العمل على تفعيل علاقات سورية مع دول العالم لوضع حد للعربدة الإسرائيلية". وأشار إلى أنه يجب القيام بعمل سياسي في الداخل، مضيفاً: "مواجهة أي تهديد خارجي تتطلب استقراراً أمنياً وسياسياً. على الإدارة الجديدة إشاعة مناخ سياسي أكثر راحة، وأن تعزز حضورها في البلاد". وبيّن أن "إسرائيل لا تزال عدوة لسورية، فهي تحتل أراضي سورية وحالة الحرب مستمرة على المستوى القانوني، من ثم فإن أي تعامل مع إسرائيل يحكمه قانون العقوبات السوري وهو واضح في منع أي تواصل مع الكيان الصهيوني". وطالب وزارة العدل السورية بتفعيل دور النيابة العامة وتحريك الدعاوى العامة بحق كل من يدعو إلى تقسيم سورية أو إلحاق أجزاء منها بدولة الاحتلال، وكل من يتعامل مع إسرائيل.وفي السياق، من المتوقع أن تلجأ السلطات السورية إلى العمق العربي من أجل الضغط على تل أبيب لوضع حد لتدخلها في الشأن السوري وعدم محاولة اللعب على مخاوف غير مبررة حتى اللحظة من الأقليات في سورية. وتبدو تل أبيب داعمة لكل مشروعات التقسيم التي تُطرح من جانب تشكيلات عسكرية أو سياسية خصوصاً في الجنوب السوري وفي الشمال الشرقي من البلاد، في محاولة لتفتيت سورية إلى دويلات متناحرة تضمن بقاء تل أبيب في مأمن من أي تهديد.ورأى المحلل السياسي عرابي عرابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن على الحكومة السورية "قراءة المشهدين الإقليمي والدولي للتعامل مع التهديد الإسرائيلي بهدف الضغط الدبلوماسي". وتابع: "نتنياهو في مأزق له علاقة بالحرب الذي شنها على قطاع غزة، والملف الأوكراني، ومن عادته الهروب إلى الأمام وخلق بؤر صراع وخلق مساحة اصطدام". ورأى عرابي أن دعوات تقسيم البلاد التي تظهر بين وقت وآخر لا حل لها سوى "العصا الغليظة"، مضيفاً: "تجب على الحكومة مواجهة محاولات تهديد وحدة البلاد بالقوة".ضياء قدور: دمشق حريصة على عدم الانجرار إلى صراع عسكري مفتوح مع إسرائيل أو معركة مفتوحة قد تضر باستقرارها الداخليمن جهته، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سورية الجديدة تتبنى في مواجهة التصعيد الإسرائيلي سياسة حذرة تضع الكرامة والسيادة الوطنية في طليعة الأولويات"، مضيفاً: "أعتقد أن هناك رغبة لدى الحكومة السورية في الابتعاد عن أي تصعيد عسكري غير مجدٍ والتركيز على استقرار البلاد وإعادة الإعمار بعيداً عن التحولات الإقليمية المتسارعة". وتابع: "دمشق حريصة على عدم الانجرار إلى صراع عسكري مفتوح مع إسرائيل أو معركة مفتوحة قد تضر باستقرارها الداخلي وتؤثر سلباً على فرص إعادة الإعمار". وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة السورية "ستسعى إلى توجيه رسائل حازمة لإسرائيل عبر القنوات الدولية مع تأكيد حقها في الدفاع عن سيادتها"، مضيفاً: "هذا قد يشمل تعزيز الحوار والتعاون مع القوى الكبرى والإقليمية والعمل على استعادة الثقة الإقليمية التي قد تساهم في تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية". كما اعتبر أن "استقرار حكومة دمشق له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، وهو يعد مصلحة إقليمية كبرى"، مضيفاً: "انهيار الحكومة أو عدم قدرتها على أداء مهامها يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية، ويزيد من احتمالات انتشار الفوضى والتطرف".