غزّة ليست بعيدة من العيون

Wait 5 sec.

رفضت السلطات المغربية، الخميس الماضي، نزول أربعة نواب من البرلمان الأوروبي واثنين من مرافقيهم في مطار مدينة العيون (جنوبي المغرب). ويتعلّق الأمر بنائبين عن تحالف اليسار الفنلندي، ونائبتين عن حزبي بوديموس الإسباني والاشتراكي البرتغالي. واعتبر الجانب المغربي أن الرفض يعود إلى انتهاكهم ''الضوابط القانونية المنظّمة للزيارات الرسمية إلى المغرب، واستغلالهم صفاتهم البرلمانية من أجل تنفيذ أجندة معروفة بدعمها للطروحات الانفصالية، دون تفويض رسمي من البرلمان الأوروبي''.اللافت في الزيارة أنها جرت بتنسيق مع جبهة البوليساريو من أجل التحقّق من مدى تنفيذ حكم محكمة العدل الأوروبية، الصادر في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، الذي ألغى اتفاقيتَي الزراعة والصيد البحري المُبرمتَين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، في ابتزاز سياسي يعكس ازدواجية المعايير وغياب المنطق لدى مؤسّسات الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع قضايا الإقليم. فإذا كانت زيارة الوفد نابعةً من حرصه على تطبيق قرار المحكمة، وأن الاتفاقية المذكورة لم تُراعِ مبادئ القانون الدولي، ولا سيّما مبدأ "تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية''، فالمفروض أن تتم عبر القنوات الرسمية، التي تؤطّر علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي.ولأن أعضاء الوفد من أصحاب ''الضمائر الحيّة''، ممّن ينافحون عن ''حقوق الأقلّيات والجماعات والشعوب المضطهدة في تقرير مصائرها''، كان أوْلى بهم، وبغيرهم في مؤسّسات الاتحاد وأجهزته، أن ينظروا إلى ما حدث (ويحدث) في الطرف الآخر من المتوسّط، إذ قادت (ولا تزال) دولة الإرهاب الصهيوني حملة تطهير عرقي ممنهج ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، وسط صمت أوروبي وغربي مُخزٍ. كان أوْلى بهم أن ينظّموا قوافل طبّية وإنسانية إلى غزّة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، ويقفوا على حجم الدمار والموت الذي تسبّب به العدوان الإسرائيلي طيلة أكثر من 15 شهراً أمام مرأى ومسمع من البرلمان الأوروبي، الذي ''يتشرّفون'' بالانتماء إليه، ومعاناة سكّان غزّة في غياب المساعدات الإنسانية المستعجلة التي تمنع دولة الاحتلال دخولها، من دون أن يحاسبها أحد على ذلك.معروف في أدبيات حقوق الإنسان أنها غير قابلة للتجزئة، فحرّية التفكير والتعبير، والحقّ في المشاركة السياسية، على سبيل المثال، لا تقلّ أهميةً عن الحقّ في التعلّم أو العمل. بيد أن هناك حقّاً خاصّاً يتصدّر الاتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وهو ''الحقّ في الحياة''، إذ لا يمكن وضع هذا الحقّ مع الحقّ في العمل النقابي في سلّة واحدة. وعليه، فإن حقّ ''تقرير مصير'' سكّان الصحراء المغربية لا يمكن أن يرقى إلى الحقّ في الحياة، الذي حوّله توحّش دولة الاحتلال، مع غيره من الحقوق الأساسية، أكاذيبَ ترعاها الدول الكُبرى والمنظّمات والهيئات الدولية بتواطؤها ونفاقها وصمتها.يمكن للأوروبيين أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها بسبب عيوب شابت الانتخابات البرلمانية في مملكة ليسوتو، أو بسبب تراجعٍ طفيفٍ في حقوق العمّال الأجانب في بلدان الخليج العربي. أمّا إذا تعلّق الأمر بأقلّية دينية أو عرقية تتعرّض لبعض التضييق في هذا البلد أو ذاك، فإنهم يتحوّلون مدافعين شرسين عن حقوق الأقلّيات المضطهدة؛ إنها صناعة الأكاذيب وفق ما تقتضيه المصالح والتحالفات وعلاقات القوة، بعيداً من قيم حقوق الإنسان ومبادئها. إنه النفاق الأوروبي الذي أسقطت عنه حرب غزّة آخر أوراق التوت. ولذلك لا تعدو واقعة مطار العيون أن تكون محاولةً بائسةً من جهات أوروبية، ما فتئت تُناكف المغرب في وحدته الترابية، ضمن سعيها إلى الإبقاء على خيوط قضية الصحراء بين أيديها، والاستمرار في خلط الأوراق، خاصّة أن زيارة الوفد كان مخطّطاً لها أن تتزامن مع زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية (20 فبراير/ شباط الجاري)، قبل أن يُعلَن عن إرجائها إلى موعد لاحق.غزّة ليست بعيدة من العيون. والنواب الذين "تجشّموا عناء السفر" إلى جنوب المغرب، كان من المفترض أن يكون القطاع المنكوب والضفة الغربية المُستباحةُ ضمن أولويات أجندتهم الحقوقية، هذا إن وُجدِت هذه الأجندة أصلاً.