المخطط الإسرائيلي في سورية: خطر محتمل من دون سُبل مواجهة

Wait 5 sec.

في ظلّ التطورات الأخيرة التي شهدتها الأوضاع في سورية، يظهر المخطط "الإسرائيلي" بوضوحٍ جزءًا من استراتيجيةٍ توسعيةٍ طويلة الأمد، تستهدف السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق الحيوية المحتلّة أصلاً، مثل هضبة الجولان، ومنابع المياه الاستراتيجية. إذ بدأت إسرائيل تنفيذ خطواتها المباشرة والمتسارعة مع سقوط النظام السوري السابق في 8 ديسمبر/كانون الثاني الفائت، حينها سيطرت على المنطقة العازلة، التي رُسمت بعد اتّفاق وقف إطلاق النار عام 1974، وكانت من نتائج حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بالإضافة إلى سيطرتها على جبل الشيخ الاستراتيجي.لم تقتصر تحركات إسرائيل على توسيع المنطقة العازلة أو السيطرة على مواقع استراتيجية محددة فحسب، بل عملت على تعزيز وجودها العسكري والاستيطاني أيضًا في الجولان المحتل، إذ وافقت الحكومة الإسرائيلية في 15 ديسمبر على توسيع الاستيطان في الجولان، وفق خطة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الساعية إلى زيادة عدد السكان اليهود في هذه المنطقة، في إطار الخطة القديمة الجديدة الساعية إلى ضم الجولان كاملاً، وهي خطة تحظى بمباركة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.بالإضافة إلى ذلك، استغلت إسرائيل الفراغ الأمني الناجم عن سقوط النظام السوري لتوجيه غارات جوية ضدّ مخازن الأسلحة السورية الاستراتيجية، التي كانت تحت سيطرة النظام، إذ بررت إسرائيل هذه الغارات بمخاوفها من وقوع هذه الأسلحة تحت سيطرة "الأيادي الخاطئة"، وهو ما يعكس موقفها الضمني التقليدي الذي يعتبر النظام السوري السابق "يدًا صحيحةً"، في مقابل اعتبار المعارضة السورية، والإسلاميين "أيادٍ خاطئة"، يمثلون خطرًا استراتيجيًا على أمنها، وهو ما عبر عنه بوضوح أقطاب اليمين الصهيوني، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي، السابق، في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير.رغم أهمّية ما سبق كلّه إلا أن أهداف المخطط الإسرائيلي الحقيقية تتعدى السيطرة العسكرية والأمنية، فإسرائيل تعمل على زرع أجهزة تجسس، وتجمع المعلومات الإحصائية من المناطق التي تسيطر عليها اليوم، ما يثير مخاوف السكان المحليين من نواياها لإقامة مستوطنات جديدة، أو تهجير السكان الأصليين.على المستوى الرسمي، يجب على الإدارة السورية الجديدة، إدراج مسألة مواجهة العدوان، والتوغل الإسرائيلي في سورية على أولوية جدول مسؤولياتهامخاوف استهداف الفلسطينيين في سوريةبينما يركز المخطط الإسرائيلي على السيطرة على الأراضي والمواقع الاستراتيجية، يجد الفلسطينيون أنفسهم عرضةً لخطرٍ مباشرٍ، نتيجة استمرار توغل الاحتلال داخل الأراضي السورية، ما قد يعني أنّ الفلسطينيين ومخيّماتهم المنتشرة في البلد هدفٌ محتملٌ، وفق مبرراتٍ وذرائع مختلفةً، خصوصًا في ظل استهداف الاحتلال الإسرائيلي مسألة اللاجئين الفلسطينيين مباشرةً، لما تمثّله من عمودٍ فقريٍ في القضية الفلسطينية، وتمثّل استعادة الفلسطينيين أرضَهم ضمن حقّ العودة المنصوص عليه في القوانين الدولية.نجد مثالاً على ذلك في غارةٍ شنها الاحتلال الإسرائيلي على ريف دمشق، يوم السبت الموافق 8/2/2025، إذ زعم الاحتلال حينها أنّه يستهدف مستودع أسلحةٍ يتبعُ لحركة حماس داخل سورية، وأشار بيان الجيش الإسرائيلي إلى أنّ الأسلحة مخصّصةٌ "لتنفيذ أعمالٍ إرهابيةٍ ضدّ قواته". كما استهدفت إحدى الغارات منطقةً بالقرب من مخيم خان دنون للاجئين الفلسطينيين، ما عزز المخاوف من أن يوسع الاحتلال، في الفترات المقبلة، استهدافاته لتشمل المخيّمات الفلسطينية، تحت ذريعة "استهداف المنظّمات الإرهابية"، ما سيحقق هدفًا قديمًا جديدًا مفاده دفع اللاجئين الفلسطينيين إلى مغادرة مخيّماتهم وإفراغها.وفي هذا السياق، يضع فلسطينيو سورية ما تعرضوا له لسنوات طويلة من محاولات تدمير مخيّماتهم، مثل تدمير مخيّم اليرموك عام 2018 كاملاً باستخدام الأسلحة الثقيلة من قبل النظام السوري السابق وحلفائه من دون أي مبرر عسكري واضح، في سياق مخططٍ إسرائيليٍ لإنهاء الشتات الفلسطيني ومحو الهوية الفلسطينية من المنطقة. كما يمثّل في أذهان فلسطينيي سورية نهجًا تكرّر في المنطقة، عمل على طرد الفلسطينيين من أماكن تواجدهم، كما حصل مع فلسطينيي العراق، الذين فُككت تجمعاتهم، ودفعوا نحو الهجرة عبر أدواتٍ ميليشياويةٍ، تقاطعت أهدافها مع أهدافٍ إسرائيليةٍ، أو تعاونت مباشرةً في ضرب البيئة الفلسطينية العراقية. إضافةً إلى ما حصل قبلها من محاولاتٍ لتفريغ مخيّمات لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية، في سبعينيات القرن الفائت، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، عبر القصف والمجازر، بدعمٍ أو غطاءٍ أو مباركةٍ إسرائيلية على أقلّ تقديرٍ. من هنا من الطبيعي أن ينقر عقول الفلسطينيين سؤالٌ: ماذا يضمر الكيان الإسرائيلي لفلسطينيي سورية؟سبل مواجهة المخطط الإسرائيليإن التوغل الإسرائيلي الحالي يضع الشعبين السوري والفلسطيني أمام تحدٍ كبيرٍ، لذا وفي ظلّ غياب استراتيجيةٍ واضحةٍ للتصدي للمخطط الإسرائيلي، وما يمكن أنّ يحمله من خفايا تستهدف الوجود الفلسطيني في سورية، كانت التحركات الشعبية العفوية أول رد فعلٍ ملموسٍ ضدّ التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، إذ خرجت تظاهراتٌ في بعض المناطق والقرى التي توغل فيها الاحتلال، مثل القنيطرة وريف درعا الغربي، رفضًا للوجود الإسرائيليّ، كما اعتقل جيش الاحتلال في 25/12/2025 شابًا فلسطينيًا، الشاب خليل عارف العارف، من منزله في قرية عابدين.على المستوى الرسمي، يجب على الإدارة السورية الجديدة، إدراج مسألة مواجهة العدوان، والتوغل الإسرائيلي في سورية على أولوية جدول مسؤولياتها، فإسرائيل تُعتبر عدوًا تاريخيًا للشعبَين السوري والفلسطيني، كما ترى الغالبية الشعبية مسألة حماية السيادة السورية مسألةً دولتيةً، لزامٌ على الحكومة السورية الوقوف عند استحقاقاتها المتعلقة بإثارة تلك المسائل في الأقنية المتاحة كلّها. لكن وبالوقت ذاته، لا يمكن التنبؤ بما ستجلبه تلك الممارسات العدوانية "الإسرائيلية"، من أوضاعٍ أمنيةٍ في مناطق جنوب سورية التي يستهدفها الاحتلال بالتوغل والانتشار، قد يرى كثيرون، أنّه لا محالة من انفجارٍ شعبيٍ يتخذ أنماطًا مختلفةً من المقاومة، تتراكم أسبابه شيئًا فشيئًا، على ضوء التطورات في تلك المناطق.أما على الجانب الفلسطيني السوري، فيبدو أنّ الفلسطينيين في سورية لا يملكون القدرة بمفردهم على مواجهة الخطط الإسرائيلية، أو أيّ محاولاتٍ إسرائيليةٍ لاستهدافهم، وفق ما أشرنا إليه سابقًا، خصوصًا في ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشونها. لكنهم، مثل السوريين، يدركون أنّ المقاومة الشعبية ستظلّ الخيار الوحيد المتاح، فالفلسطينيون والسوريون يشتركون في المعاناة والتحديات ذاتها، ما يجعل التعاون بينهما ضرورةً قصوى لمواجهة الخطط الصهيونية.تخوفاتٌ كثيرةٌ تصب في خانة أنّ الخطط الإسرائيلية في سورية يتجاوز مجرد السيطرة على الأراضي والمواقع الاستراتيجية، كي يشمل ملفات عدّة تريد إسرائيل طيّها في سورية، منها كتلة اللاجئين الفلسطينيين الضخمة في مخيّماتهم. وبينما تستمر إسرائيل في توسيع نفوذها، يبقى الشعبان السوريّ والفلسطينيّ أمام تحدٍ كبيرٍ يتطلّب تضافر الجهود الشعبية والرسمية للتصدي لهذه الخطط العدوانية.