مطالبات بإنهاء الحالة الفصائلية في جنوب سورية لإفشال خطط إسرائيل

Wait 5 sec.

لم تنقطع التظاهرات الشعبية في جنوب سورية خلال الأيام الماضية، رفضاً لأي تدخل خارجي بالشأن الداخلي السوري، وخصوصاً من الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في عدوانه داخل الأراضي السورية، إلى جانب مساعيه لاستمالة بعض الأقليات في سورية، وتحديداً الطائفة الدرزية، وتأليبها على الإدارة الجديدة التي تسلمت مقاليد الأمور في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.ويشهد جنوبي سورية، منذ سقوط نظام الأسد، اعتداءات وتوغلات إسرائيلية متلاحقة، في درعا والقنيطرة والسويداء، مع احتلال إسرائيلي لجبل الشيخ الاستراتيجي من منظور عسكري واقتصادي لدولة الاحتلال، وتنفيذ إسرائيل غارات شبه يومية تطاول مناطق قرب دمشق، فيما تريد إسرائيل فرض منطقة عازلة جنوبي سورية، ومنع الإدارة الجديدة من بسط سيطرتها هناك. وأمس الخميس، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات حربية إسرائيلية حلّقت في أجواء محافظة درعا، مصحوبة بدوي عالٍ ناجم عن اختراق جدار الصوت، مذكّراً بتظاهرات شعبية خرجت أول من أمس، في القنيطرة والسويداء، تأكيداً على وحدة سورية.يسرائيل كاتس: لن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوبي سورية ولن نسمح بإنشاء تهديدويكاد يُجمع سكّان الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء) على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، وهو ما ينسف تماماً الخطط الإسرائيلي لتجزئة سورية على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي.جنوب سورية يواجه كمّاشة الاحتلالوكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال يوم الثلاثاء الماضي، إن كيانه "لن يتسامح"، مع "أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سورية"، في محاولة لفرض واقع مختلف في جنوب سورية يخدم مخططات تل أبيب الهادفة إلى منع الإدارة الجديدة من ممارسة السيادة الكاملة على الأراضي السورية. ويبدو أن حكومة الاحتلال تحاول استغلال التردد الذي تبديه فصائل عسكرية في محافظتي درعا والسويداء في التفاهم مع السلطة الجديدة في دمشق وتسليم السلاح والانخراط في الجيش السوري الجديد. وقال نتنياهو، بكلمة عبر الفيديو أمام مؤتمر في واشنطن تعقده مجموعة الضغط الأميركية "أيباك" المؤيدة لسياسات إسرائيل، إنه "في سورية، ستظل قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة على قمة جبل حرمون"، في إشارة إلى جبل الشيخ، مضيفاً أنه "في المنطقة العازلة المجاورة، سنظل هناك في المستقبل المنظور، ولن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق". وتابع: "سيكون جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح".وأمس الخميس، قال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل لا تثق بالقيادة الجديدة في سورية، مضيفاً أن "الحاكم الجديد استبدل البدلات الرسمية مكان الجلباب ويتحدث بأسلوب دبلوماسي، لكننا لن نغير سياستنا"، مؤكداً أن قوات الاحتلال "ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة". وأضاف أن جنوبي سورية يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، لافتاً إلى أن النظام السوري الجديد حاول قبل أيام "أخذ مواقع عسكرية تتمركز فيها قواته لكن سلاح الجو (الإسرائيلي) ضرب بقوة. لن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوبي سورية ولن نسمح بإنشاء تهديد"، واضعاً ذلك في إطار استراتيجية "دفاع عن الحدود" جديدة لجيش الاحتلال في سورية ولبنان وغزة أيضاً. وجدّد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية بالقول: "نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال معهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم".وفي سياق الرفض لأي تهديد أو تدخل في الشأن السوري، أكد حسن الأطرش وهو من الزعامات المحلية في محافظة السويداء، في حديث له في ساحة التظاهر بمدينة السويداء أول من أمس، رفض أي مشاريع للتقسيم، مطالباً الحكومة في دمشق باتخاذ موقف حيال التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري.من جهته، قال الناشط الإعلامي هاني عزام في حديث مع "العربي الجديد"، إن أهالي محافظة السويداء "لا يرفعون السلاح في وجه أي سوري"، مضيفاً أن "السلاح الموجود لدى الفصائل بكل انتماءاتها هو للتصدي لأي اعتداء خارجي". وأكد عزام أنه "لم يثبت حتى اللحظة تعامل أي فصيل في الجنوب السوري وفي السويداء تحديداً مع إسرائيل".الوضع المعيشي الضاغطورأت مصادر محلية في مدينة السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عدم تعامل الإدارة الجديدة بجدّية مع الاستفزاز الإسرائيلي في جنوب سورية يدفع الجميع للتفكير بخيار الاحتفاظ بالسلاح". وبيّنت أن "الأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة الحكومة الحالية على تحسين هذه الأوضاع، خلقا أزمة ثقة بين سكّان السويداء والإدارة الجديدة"، مضيفة: "باعتقادي الاهتمام بالحالة المعيشية للناس يحول دون التفكير بأي شيء ربما يهدد وحدة البلاد. الوضع الاقتصادي أكثر الأشياء الضاغطة على المواطنين في سورية عموماً، وهو ما تحاول جهات داخلية وخارجية استغلاله وتريد ضرب الاستقرار"، معرباً من وجهة نظره عن اعتقاده بأن "المشكلة اقتصادية أكثر من كونها سياسية أو عسكرية".مروان قاسم: حالة الفصائلية تخدم مصالح إسرائيل في جنوب سورية، فهذا الكيان يستغل حالة التشرذم للتغلغل واحتلال المزيد من الأراضيوتضم محافظة السويداء عشرات الفصائل التي كما يبدو تتباين آراؤها حيال الأوضاع الجديدة ما بين مرحب بالتفاهم مع دمشق والساعي إلى بناء الدولة، وبين المتحفظ والذي يدفع باتجاه حصول هذه المحافظة على فيدرالية إدارية. واستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الثلاثاء الماضي، في دمشق، شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة "رجال الكرامة" أهم فصائل السويداء.وفي محافظة درعا المجاورة والتي طاولت الاعتداءات الإسرائيلية ريفها الغربي خلال الأيام القليلة الماضية، يجمع سكّانها على رفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار، وخلق أجواء عدم ثقة بالإدارة الجديدة في دمشق لتبرير عدم تسليم السلاح لهذه الإدارة.وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي مروان قاسم، وهو من سكّان ريف درعا، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف الجنوب السوري معقد وشائك"، مضيفاً أن "حالة الفصائلية تخدم بالتأكيد مصالح الكيان الصهيوني، فهذا الكيان يستغل حالة التشرذم للتغلغل في جنوب سورية واحتلال المزيد من الأراضي". وبيّن أن الضغط الشعبي الكبير "دفع كل فصائل درعا، بما فيها فصيل أحمد العودة في بصرى الشام، للاندماج في الجيش السوري الجديد"، مضيفاً أن "الأمور بخواتيمها". علماً أن "اللواء الثامن" الذي يقوده العودة أجرى مفاوضات مع القيادة الجديدة، وأكد قبل أسبوعين أن الاتصالات مستمرة ونفى الاتهامات المتعلقة بالانفصال ورفض الانضمام لوزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وذلك في معرض رد على وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة حينها لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن رفض الفصيل الانضمام. وأضاف يومها أن "اللواء الثامن مستعد للانخراط في وزارة الدفاع ولكن بشرط أن يكون ضمن قواعد عسكرية منضبطة، دون إقصاء الضباط المنشقين والثوار".إلى ذلك، أكد قاسم في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن سكان محافظة درعا "لن يسمحوا ببقاء أي حالة شاذة في محافظتهم"، مضيفاً أنهم "يمنحون الفصائل فرصة للتفاهم مع دمشق، ولكن إذا طال الأمر أكثر، فسينفجر الشارع في وجه هذه الفصائل التي لم نكن نتوقع منها هذا التردد في الانخراط في العهد الجديد الذي انتظرناه منذ عام 2011".خدمات للمخططمن جهته، رأى الصحافي السوري علي عيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه بعد تصريحات نتنياهو وكاتس، وبعد الإفصاح عن استراتيجية إسرائيل في سورية، من الواضح أن حكومة الاحتلال تعمل على خطة لمنع الإدارة في دمشق من بسط سيطرتها على المحافظات السورية الثلاث في جنوب سورية، وتمنع بعض الفصائل (عن الاندماج) وبعض القوى الروحية المتمثلة بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، عن الدعوة لتسليم سلاح الفصائل بالمحافظة، يثير قلقاً من أن ذلك يخدم المخطط الإسرائيلي"، وفق رأيه.وأضاف عيد: "ليس هناك يقين بوجود تنسيق بين أطراف سورية، خصوصاً في الجنوب، مع إسرائيل، لكن المؤكد أن هناك مساعي اسرائيلية في هذا الاتجاه. وسواء كان هناك تنسيق حاصل، أم مجرد جهل وعدم إدراك لخطورة الأمر، فكلتا الحالتين تعطيان الأثر نفسه". وأضاف: "لا شك أن ما يجري في جنوب سورية له علاقة بما يجري في شمال شرق البلاد"، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية.واعتبر علي أن من الدلالات التي تجدر ملاحظتها أن دعوات التقسيم صادرة عن ذات الأطراف التي ترفض الاندماج وتسليم السلاح للدولة السورية، مع ملاحظة أن المؤتمر الذي عقد في الرقة برعاية "قسد"، حضرته شخصيات من السويداء، ضمن تنسيق بين هذه الأطراف على فكرة الفدرلة، دون الأخذ في الاعتبار وجود قوى وازنة في هذه المناطق ترفض مثل هذه الطروحات. وعقد مركز روج آفا للدراسات، المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية، أمس الخميس، مؤتمر حوار موازياً للمؤتمر الوطني الذي نظمته الإدارة السورية الجديدة في دمشق على مدى يومين، الثلاثاء والأربعاء، تحت عنوان "منتدى الحوار الوطني في الرقة"، والذي حمل شعار "نحو بناء سورية تعددية ديمقراطية".علي عيد: لا شكّ أن ما يجري في الجنوب له علاقة أيضاً بما يجري في مناطق قسدوتوقع إبراهيم البحري، وهو أحد سكان ريف حلب الشمالي الشرقي، أن ينفجر الشارع في شمال شرق سورية، والذي يشكل العرب غالبية سكانه، في حال عدم التوصل لاتفاق في المدى المنظور. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "تعنت قسد سوف يفضي إلى توتر وتصعيد ويخلق فجوة بين السكّان من عرب وأكراد"، لافتاً إلى أن "عموم السكّان يريدون الاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، ونزع فتيل أي توتر". وأشار إلى أن التفاهم مع دمشق "يبدد الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية تقوّض قسد"، ومحذراً من أن "المنطقة لا تحتمل أي حرب أخرى فالحالة الاقتصادية والمعيشية في مستوياتها الدنيا". وأكد أن "تسريع انضمام كل المحافظات لمشروع الدولة الجديدة المطروح في دمشق، من شأنه تقوية الموقف الداخلي في البلاد في مواجهة التحديات الخارجية، وخصوصاً التي تلوح من قبل إسرائيل".يذكر أن دولاً عربية دانت خلال اليومين الماضيين الاعتداءات الإسرائيلية على سورية. ودانت دولة قطر أمس، بشدة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق سورية عدة، وعدّته اعتداء صارخاً على سيادة ووحدة سورية، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي. وشددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية قنا، على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية، بما يحول دون المزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة.كما دانت السعودية ومصر والكويت، الأربعاء الماضي، القصف الإسرائيلي على سورية، بينما رحبت الإمارات بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكدة دعمها استقلال سورية وسيادتها على كامل أراضيها. بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أول من أمس، عن القلق البالغ إزاء الانتهاك الإسرائيلي المستمر لسيادة سورية وسلامة أراضيها.