اجتماع القاهرة الليبي... مسار مواز لإفشال مبادرة البعثة الأممية

Wait 5 sec.

لا تزال تداعيات اجتماع القاهرة الليبي بين عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في القاهرة، يومي السبت والأحد الماضيين، تتفاعل في المشهد السياسي الليبي، وسط تصريحات لأعضاء من المجلسين تدفع باتجاه إنشاء خريطة طريق تنبثق من نتائج اجتماع القاهرة الليبي في خطوة لتدشين مسار معارض للمسار الذي تقوده البعثة الأممية من خلال مبادرتها، التي أعلنتها في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والهادفة لاستئناف العملية السياسية من خلال لجنة استشارية تركز أعمالها على وضع مقترحات لتفكيك النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية التي اعترضت إجراء الانتخابات في السابق وخلقت حالة من الانسداد بين المجلسين.واتفق المجتمعون في اجتماع القاهرة الليبي على "إبقاء العملية السياسية بيد المؤسسات الرسمية الليبية"، مع التشديد على التزام البعثة الأممية بدورها "في إطار ولايتها المحددة بدعم المؤسسات المحلية دون التدخل في صنع القرار"، و"إعادة تشكيل السلطة التنفيذية"، و"تفعيل مخرجات اللقاء الثلاثي الذي نظمته الجامعة العربية في مارس/ آذار 2024"، في إشارة للاجتماع الذي ضم رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في القاهرة وقتها.وفيما يبدو أن اتفاق المجتمعين في اجتماع القاهرة الليبي على "إعادة تشكيل السلطة التنفيذية" موجه إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يعتبرها مجلس النواب الليبي "منتهية الشرعية"، تظهر النقاط الأخرى المتعلقة بالبعثة الأممية أن هناك رفضاً ضمنياً لنتائج مسار مبادرتها. لكن هذا التوجه لا يخلو من تحديات داخلية وخارجية تطرح تساؤلات حول مدى قدرة مجلس النواب الليبي على فرض مسار موازٍ يُبقي سيطرته على العملية السياسية، واحتكاره لها، بالاعتماد على الشرعية المحلية، في ظل انقسامات مؤسسية عميقة مقابل البعثة الأممية التي تملك تأييداً دولياً وشرعية أممية.اجتماع القاهرة الليبي لإفشال المبادرة الأمميةويظهر بيان اجتماع القاهرة الليبي قلقاً واضحاً لدى مجلس النواب الليبي من إمكانية أن توسع البعثة صلاحيات اللجنة الاستشارية، وتتحول الى أداة لفرض حل سياسي لا يخدم مصالح مجلس النواب في البقاء، خصوصاً إذا وضعت هذه اللجنة يدها على مكامن الخلافات في القوانين الانتخابية وقدمت مقترحات يمكن تنفيذها لإجراء انتخابات تُغير المشهد السياسي الحالي.وفي أول ملامح بدايات التشظي في موقف مجلس النواب الليبي، دعا النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري في بيان، أمس الخميس، إلى إجراء انتخابات برلمانية عاجلة بشكل منفصل عن الرئاسية، مخالفاً بذلك القوانين التي أقرّها المجلس نفسه، والتي تنص على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل متزامن. وفيما يبدو طرح النويري حلاً للإشكال القائم في القوانين الانتخابية التي تقتصر على خلافات في قانون الانتخابات الرئاسية دوناً عن البرلمانية، إلا أنه يتوافق مع بقية أعضاء مجلس النواب الليبي في انتقاد دور البعثة الأممية، إذ وصفها في كلامه، الذي نشره على صفحته على فيسبوك أخيراً، بأنها "أداة لإطالة الأزمة".وفي جانب المجلس الأعلى للدولة، أكد مسعود عبيد، النائب الأول لرئيس المجلس الموالي لتكالة (الذي يتنازع مع خالد المشري على رئاسة مجلس الدولة)، أن المشاركين في اجتماع القاهرة الليبي "لا يمثلون رئاسة المجلس بل أنفسهم"، ما يضع علامات استفهام حول التزام الرئاسة بنتائج الاجتماع. ورد عبيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، على توصية بيان القاهرة الختامي بإعادة تشكيل الحكومة بالقول إن هذه الحكومة تستمد شرعيتها من اتفاق جنيف 2020، وأن أي تعديل بشأن الحكومة يجب أن يتم عبر "اتفاق سياسي جديد" بين الأطراف، وليس عبر قرار من مجلسي النواب والدولة. وكان قد تم الاتفاق في جنيف في إطار مجموعة "5+5"، التي تضم خمسة عسكريين من طرف الحكومة ومثلهم من طرف اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على وقف إطلاق النار بين الطرفين.وبرزت في هذه الأثناء مسألة الشرعية قضيةً أكثر تعقيداً، فقد اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية أن جميع المؤسسات، بما فيها مجلس النواب الليبي، تستند في شرعيتها إلى اتفاق الصخيرات (الذي تم توقيعه في المدينة المغربية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، وقد "انتهت مدتها الدستورية". وجاء بيان الحكومة رداً على تصريحات صالح، خلال مشاركته في اجتماعات البرلمانات العربية في القاهرة في 19 فبراير/ شباط الحالي، والتي دعا فيها البرلمانات العربية إلى دعم مجلس النواب الليبي في ممارسة مهامه التشريعية، ووقف التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، التي قال إنها "تفتقر إلى الشرعية" التي تستند إليها أي حكومة "من الشعب عبر نوابه". كما حث البرلمانات العربية على التعامل مع الحكومة التي عينها مجلس النواب لكونها تسيطر على أغلب أجزاء البلاد ويمكنها الإشراف على إجراء الانتخابات. وفيما أيدت حكومة مجلس النواب تصريحات صالح واعتبرت أن أي حل سياسي يجب أن يمر من خلال المجلس، اتهمت حكومة الوحدة الوطنية صالح بعرقلة مسار الوصول إلى الانتخابات و"إطالة أمد الأزمة" عبر "فرض قوانين انتخابية معيبة".وفيما يبدو أن صالح حاول حشد موقف عربي معارض لمسار البعثة الأممية، من خلال دعوته البرلمانات العربية لدعم مجلسه في ممارسة مهامه التشريعية عبر منح حكومته حق إجراء الانتخابات والإشراف عليها، يحاول بيان اجتماع القاهرة الليبي في المقابل، إضفاء شرعية الجامعة العربية على مخرجاته، من خلال دعوته إلى "تفعيل مخرجات اللقاء الثلاثي الذي نظمته الجامعة العربية في مارس/ آذار 2024"، ما يظهر وجود محاولات لحشد شرعية إقليمية مقابل الشرعية الدولية التي تعمل وفقها البعثة الأممية، وهي الشرعية التي تستند إليها حكومة الوحدة الوطنية.بيان القاهرة لم يشر إلى القوانين الانتخابيةاللافت في بيان القاهرة أنه لم يشر، ولو عرضاً، إلى القوانين الانتخابية وخلاف المجلسين حولها، والذي شكل عقدة الانسداد السياسي وأجبر البعثة الأممية على إنشاء لجنة استشارية لوضع تصورات لحلحلة النقاط الخلافية فيها. فالإعلان عن الاتفاق على "إعادة تشكيل السلطة التنفيذية" يعني المضي في تنفيذ القوانين الانتخابية، فيما يعد إنشاء حكومة جديدة أول شروط المضي فيها، إذ إن إجراء الانتخابات يحتاج لحكومة تشرف عليها. وفي العديد من المناسبات أكد صالح أن القوانين الانتخابية أصبحت وثيقة دستورية نافذة بمصادقة مجلس النواب الليبي عليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك على الرغم من استمرار معارضة مجلس الدولة برئاسة تكالة إصدار القوانين دون التوافق معه حول العديد من النقاط الخلافية، خصوصاً ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية للانتخابات.عيسى همومه: نتائج جلسة اللجنة الاستشارية دفعت مجلس النواب وأنصاره بمجلس الدولة للتعجيل بإطلاق مسار القاهرةوفيما لم تصدر البعثة الأممية أي رد فعل مباشر على بيان القاهرة، فإنها ردت ضمناً على ما يبدو بإعلانها، أول من أمس الأربعاء، عن استئناف اللجنة الاستشارية أعمالها في جلسة ثالثة، بعد انتهاء الجلسة الثانية الخميس الماضي، والتي اتفق خلالها أعضاء اللجنة على "تبني نهج شامل" لحل الإشكاليات المرتبطة بالقوانين الانتخابية.ووفقاً لرأي الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه، فإن نتائج الجلسة الثانية للجنة الاستشارية دفعت مجلس النواب الليبي وأنصاره في مجلس الدولة إلى التعجيل بإطلاق مسار القاهرة، باعتباره محاولة لاستباق أي مخرجات قد تفرضها اللجنة الاستشارية إذا بدأت في عقد لقاءات موسعة الأطراف ضمن نهجها الشامل، ولذا حاول اجتماع القاهرة إيصال رسالة مفادها أن القوانين الانتخابية متفق عليها ولا إشكالات فيها.ورغم التفويض الدولي الذي تستند إليه البعثة في أعمالها، إلا أن عملها بمعزل عن الأطراف الأساسية، وتحديداً مجلسي النواب والدولة، قد يشكل عقبة أمام تنفيذ أي مخرجات لمبادرتها، ولو في صورة الدعوة إلى اتفاق سياسي جديد. ويذكّر همومه، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، بما عايشته البعثة الأممية خلال رئاسة المبعوث الأسبق غسان سلامة عندما حاولت، مطلع عام 2019، عزل الخصوم وفرض رؤية دولية، فاصطدم مشروعها، المعروف بـ"المؤتمر الوطني الجامع"، بحملة عسكرية قادها خليفة حفتر، حظيت بشرعية مجلس النواب الليبي الذي فتح الباب أمام دعم أطراف إقليمية ودولية لحملة حفتر.وفيما يشير همومه إلى نقاط القوة التي يتوفر عليها مسار المعارضة للبعثة الذي يقوده مجلس النواب الليبي من خلال توظيفه لعدة عناصر، ومنها الشرعية النيابية، كونه الجهة التشريعية الوحيدة من بين كل المؤسسات المنتخبة من الشعب، والدعم الإقليمي الذي تظهره استضافة القاهرة للاجتماع الأخير، وكذلك السيطرة الميدانية الواسعة على أغلب أجزاء البلاد من خلال حفتر، حليف مجلس النواب، ما جعل المجلس وحكومته الأقدر على إدارة العملية الانتخابية، فإنه في الجانب الآخر تبرز نقاط ضعف في هذا المسار. ويوضح همومه نقاط الضعف، والتي تتمثل بالانقسامات داخل المجلسين، ما يضعف مراهنة مجلس النواب الليبي على رسم مسار مشترك من قبل المجلسين، فعلاوة على أن مجلس الدولة يعيش صراع شرعية الرئاسة بين المشري وتكالة، فإن تصريحات النويري تشير إلى انقسام أيضاً في مجلس النواب. ويوضح أن "أي اتفاق للمشري مع مجلس النواب يجعله عرضة لمعارضة تكالة، وكلام النويري يجعل التوافق داخل مجلس النواب نفسه على خريطة طريق شبه مستحيل".فاضل الطويل: المجتمع الدولي هو الجهة الوحيدة القادرة على فرض ضمانات لمسار انتخابي شاملأما على الصعيد الخارجي، فالدعم العربي الذي يسعى إليه صالح "لن يتحقق بالشكل الذي يسعى إليه"، وفقاً لرأي همومه، الذي يرى أن القاهرة الغارقة في محاولاتها لحلحلة عدة ملفات محيطة بها "لن تجازف بمعارضة موقف أميركي وأوروبي واضح في دعم مبادرة البعثة الأممية، لكن القاهرة قد تسعى لفرض وجودها للحفاظ على مصالحها في أي عملية سياسية مرتقبة من خلال الضغط بورقة تحالفها مع مجلس النواب".الانقسامات عائق أمام مسار البعثة الأمميةفي هذه الأثناء، يعتبر الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي فاضل الطويل أن الانقسامات التي يعانيها مجلسا النواب والدولة ستشكل عائقاً أمام مسار البعثة، بالإضافة إلى الخلاف العميق بين الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس ومجلس النواب، معتبراً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذا رسم مسار معارضة من الآن في طريق البعثة وداعميها الدوليين". والسيناريو المرجح، الذي يعتقد الطويل أن البعثة الأممية لا خيار لها غيره، هو تقديم كل المقترحات التي قد تصل إليها اللجنة الاستشارية إلى قادة الأطراف الليبية لمناقشتها من خلال طاولة حوار بينهم، والضامن الوحيد لتحقيق تقدم في العملية السياسية أمام البعثة هو دفع داعميها الدوليين للضغط على جميع الأطراف لتقديم تنازلات كبيرة من أجل التوافق، أو فرض عقوبات عليهم، فالمجتمع الدولي يبقى الجهة الوحيدة القادرة على فرض ضمانات لمسار انتخابي شامل.