انطلق مسار التحديات أمام الحكومة اللبنانية بعد حصولها على ثقة البرلمان عقب جلستين خُصّصتا لمناقشة البيان الوزاري يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وذلك في ظلّ الأزمات المتراكمة التي تعصف بلبنان، خصوصاً أنها رفعت مستوى تعهّداتها حاملةً شعار "الإصلاح والإنقاذ".وإلى جانب الملف النقدي والمصرفي، فإنّ من أهمّ التحديات أمام حكومة رئيس الوزراء نواف سلام في الشق الاقتصادي إصلاح قطاع الكهرباء وهو ملفٌّ التزم العهد الجديد برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون إعادة وضعه على السكة الصحيحة بعد عقودٍ من الهدر والفساد وإغراق البلاد بالعتمة الشاملة، وسط تعويلٍ على استئناف حركة المساعدات الخارجية لمساعدة لبنان والنهوض بمؤسساته بعد ايقافها لفترة طويلة.وفي جلسة نيل الثقة، قال نواف سلام، إن "ملف الكهرباء هو في صدارة هموم المواطنين، وسنعمل على تحسين الجباية ووقف التعديات على الشبكة، مما سيسهم في زيادة ساعات التغذية وضمان التوزيع العادل بين المناطق".وأعلن سلام أننا "سنسارع خلال الأسابيع المقبلة إلى تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، لتؤدي دورها في وضع حلول مستدامة".ويُعدّ قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات هدراً وفساداً على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، وأكثر الملفات التي يشترط المجتمع الدولي إصلاحها من أجل تقديم الدعم المالي للدولة اللبنانية.وعلى الرغم من قصر عمر الحكومة، حتى موعد الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2026، لكن بدء خطوات الإصلاح أمرٌ ممكنٌ للتأسيس لمرحلة مقبلة أكثر ازدهاراً، ولا سيما أنّ وزارة الطاقة خرجت من يد التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل بعد هيمنته عليها منذ عام 2011، وأصبحت من حصّة حزب القوات اللبنانية الذي (يرأسه سمير جعجع) يُعدّ أشرس منتقدي سياسة التيار وأكثر من طالب بتسلّم هذه الوزارة لإحداث نقلة نوعية بها، ما من شأنه أن يجعل وزير الطاقة جو صدّي تحت المجهر.لا للحلول الترقيعيةفي الإطار، يقول باحث في مجال الطاقة بمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت، مارك أيوب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة الجديدة قادرة على وضع القطاع على السكة الصحيحة في حال وجود إرادة سياسية لذلك، ولو أن عمرها قصير، فهناك أولويات يمكن البدء بها وستشكل أساساً للمرحلة المقبلة".ويعتبر أيوب أنّ "من أولويات وزير الطاقة في الحكومة الجديدة، إعادة النظر بكلّ الخطط والاستراتيجيات السابقة التي وُضعت خلال سنوات الأزمة لأنها لم تعد مجدية وأفضت إلى حلول ترقيعية والعمل على مخطط جديد يعكس رؤية للمستقبل ويراعي التحول الطاقوي العالمي".ويتوقف أيوب عند نقاط أساسية يجب السير بها سواء تقنياً، أو تشريعياً أو اقتصادياً، منها في الشق التقني، إعادة دراسة الواقع الكهربائي والطاقوي في لبنان ما بعد سنوات الأزمة انطلاقاً من إعادة تصوّر قطاع الكهرباء لخدمة شكل المجتمع ومستقبل الاقتصاد وتحديداً من حيث حجم الطلب وتوقعات النمو، إلى جانب وضع رؤية مستقبلية تنبع من استنباط الحلول من الداخل وتخفيف الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية تدريجياً".كذلك، من الأساسيات، وضع مزيج طاقوي يرتكز على الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة على أنواعها من شمس ورياح وطاقة كهرومائية وغيرها كونها الأرخص والأنظف، مع التحوّل بعيداً عن مصادر الوقود الأحفوري الملوثة وباهظة الثمن، بحسب أيوب.ويضيف: "في الشق التشريعي، إزالة التدخلات السياسية في القطاع وبدء تنفيذ القوانين المقرّة ومنها القانون 462/2002 من خلال تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، الأمر الذي يسمح ببدء تطبيق قانون الطاقة الشمسية الموزعة 318/2023، وإنشاء مديرية للطاقة المتجددة في كهرباء لبنان".ويتطرق أيوب إلى الشق الاقتصادي من ناحية "جذب الاستثمارات الخارجية عبر مناقصات شفافة وبرنامج إصلاحي واضح، إجراء تدقيق مالي في حسابات مؤسسة كهرباء لبنان عن الأعوام الماضية، إفساح المجال أمام الابتكارات الشبابية، خصوصاً تشجيع الشباب اللبناني المنخرط في الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال وتحديداً في مجال الطاقات المتجددة التي ستشكل ركيزة النظام الطاقوي المستقبلي".ويقول الباحث في مجال الطاقة إن "هناك ضرورة للتواصل مع شركة "توتال إنيرجيز" وشركائها من أجل تسليم تقرير الحفر المنجز في العام 2023 في مهلة زمنية محددة، وتفعيل أعمال الاستكشاف في البلوك رقم 9، وإعادة تفعيل هيئة إدارة قطاع البترول وتعيين أعضاء جدد في مجلس إدارتها، مع العمل على جذب الشركات العالمية للاستثمار في عمليات الاستكشاف والتنقيب في دورة التراخيص الثالثة والدورات اللاحقة مستقبلاً والبدء بالنقاشات السياسية والتقنية اللازمة لترسيم الحدود البحرية مع كل من سورية وقبرص".ويشير إلى أنّ "أرقام الهدر كانت دائماً محطّ جدل في لبنان، ويتم زيادتها في إطار التصويب السياسي، لكن بحسب التقديرات، فإن حوّالات الكهرباء من سلفات خزينة منذ عام 1992 إلى 2022 قاربت 24 مليار دولار، في حين لامست الاستثمارات في القطاع من مقدمي خدمات وبناء معامل 5 مليارات دولار، ما يعني تقريباً 30 مليار دولار استثمارات مباشرة بالقطاع".ويعتبر أيوب أنّ "مشكلة الفريق الذي تسلّم وزارة الطاقة منذ حوالي 14 عاماً استئثاره بالسلطة، وعدم الشفافية وعدم تشكيل الهيئات الناظمة والصراع على الصلاحيات مع استمراره باعتماد حلول ترقيعية".مسألة رفع العقوبات عن لبنانمن ناحية أخرى، كان لافتاً قول السيناتور داريل عيسى خلال ترؤسه وفد الكونغرس الأميركي إلى لبنان إنّ "أحد التحديات اليوم هو رفع بعض العقوبات التي كانت موجودة تاريخياً والتي أعاقت المساعدات بما في ذلك في الحصول على الكهرباء على مدار 24 ساعة في اليوم وما إلى ذلك"، وذلك في وقت اعتبر قانون قيصر من أبرز العراقيل التي حالت دون استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر رغم توقيع الاتفاقات بهذا الخصوص.وهنا يشير أيوب إلى أنه "الآن لا يمكن انتظار مسألة رفع العقوبات، ومن غير الصحي ربط أنفسنا بحلول تأتي من الخارج، بل يجب التركيز حالياً على الحلول الداخلية منها التي لها علاقة بالحوكمة والإنتاج والتوزيع ونقاط سابق ذكرها، علماً أن هذا الملف لا يزال فيه عراقيل حتى، إذ إن مصر لم يعد بإمكانها أن تصدّر الغاز كونها تستورده بكميات كبيرة من إسرائيل، وأصبحت معتمدة عليها، ما يعني استطراداً أنه إذا أردنا أن نأتي به سيكون إسرائيلياً وليس مصرياً". ويضيف: "أما مسألة استجرار الكهرباء من الأردن، فقد سجلت أضراراً بالهجوم الإسرائيلي الأخير".في الإطار، يقول مصدر دبلوماسي في السفارة الأميركية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة مستعدة لدعم لبنان والنهوض باقتصاده، وهي تعهدت بمساعدة لبنان، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في أزماته، لكن أي دعم مالي لن يحصل من دون إصلاحات جذرية وبرنامج شفاف وواضح وجدي يظهر نوايا الحكومة الجديدة بمكافحة الفساد والهدر".ويشير المصدر إلى أنّ "التمويل الدولي لقطاع الكهرباء في لبنان مرتبط حتماً بالإصلاحات، فهذا القطاع يعاني فساداً وسوء إدارة على مر سنين طويلة ويجب على الحكومة الجديدة التي تتطلع الولايات المتحدة إلى العمل والتعاون معها أن تضع برنامجاً إصلاحياً شاملاً للقطاع".