خونةٌ وعُملاء : مُعاداً من قولِ العسكرِ مكرورا

Wait 5 sec.

بقلم: بابكر فيصليُدرك العسكر عندما ينجحون في تنفيذ إنقلاباتهم أنهم يفتقدون الشرعية التي تسمح لهم بحكم أي بلد بطريقة يرضى عنها الشعب. وفي سعيهم المحموم لسد ثغرة الشرعية المفقودة وكسب رضا الجماهير يقومون بإلصاق تهم الفساد والخيانة والعمالة بالأحزاب السياسية التي عادة ما تكون في مقدمة معارضي حُكم العسكر.وقائع التاريخ السوداني مليئة بالتجارب التي سعت فيها أنظمة العسكر (عبود، نميري، البشير) لإستمالة الرأي العام عبر رمي قادة الأحزاب بتلك التهم، يشترك معهم في هذا الفعل بعض خدم الإستبداد من الجماعات والأفراد التي ترتبط مصالحهم بتلك الأنظمة العسكرية الفاسدة.لم ينج من تهم الخيانة والعمالة قادة سياسيين شرفاء ورموز دينية بارزة ومثقفين وطنيين كبار. وقد عايشت وشاهدت أجيالنا كيف سعت ماكينة دعاية الإسلامويين إلى إتهام السيد محمد عثمان الميرغني والإمام الصادق المهدي والدكتور جون قرنق بالعمالة للصهيونية والإمبريالية ومجلس الكنائس، فضلاً عن تهم الإرتزاق من أموال الخليج !وتتكرر ذات الإتهامات في أيامنا العجاف هذه ضد قادة القوى المدنية والديمقراطية ورموز ثورة ديسمبر من قِبل أبواق دعاية العسكر وجوقة المطبلين ومن خلفهم الغُرف الإعلامية الفاجرة التي يرعاها الإسلامويون الفسدة.بين يدىَّ حوار أجرته مجلة الحوادث اللبنانية في 12 مارس 1981 مع الرئيس الراحل جعفر النميري رمى فيه الرمز الوطني الكبير الشريف حسين الهندي بتهم الخيانة والعمالة والإرتزاق، وهى ذات التهم التي يروج لها اليوم خفاف العقول وعديمي الضمائر ضد أحفاد الزعيم الإتحادي الأبرز.(قال الرئيس جعفر النميري إن السودان لم يعرف العمالة للأجنبي على نطاق واسع غير أنه أضاف أن بعض رجال الأعمال تُغريهم العمالة أحياناً وضرب مثلاً بالسياسي المعارض من الحزب الإتحادي الشريف الهندي).ووصف النميري الهندي بأنه (تاجر سلاح ولا علاقة له بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد) وقال عنه :(كان يبيع السلاح وهو حلو اللسان فاستعان به أحد الأحزاب واستطاع إيصاله إلى منصب وزير المالية. فإذا بوزير المالية يختلس كل أموال الخزانة وحتى القروض التي حصل السودان عليها) . وزعم النميري أن الشريف إختلس أموال البلاد ووضعها في حسابه بالخارج، وقال :(ليس سراً أننا عندما قمنا بالثورة في سنة 1969 كانت حالة السودان المالية في نقطة الصفر. إذن الشريف الهندي هو في الحقيقة عبد للمال والدليل على ذلك أن ليبيا إشترته مرتين أو ثلاثاً ثم باع نفسه لدولتين مشرقيتين على التوالي كلما باع نفسه لإحدى الدول راح يشتم الدولة التي كان يخدمها فهو يمكن إستخدامه في أي وقت ولأداء أية مهمة).واستطرد النميري أن (عمليات الشراء جرت في المدة الأخيرة على نطاق واسع سواء بالنسبة إلى السودانيين أم بالنسبة إلى غيرهم).اليوم، وبعد مرور 44 عاماً على حديث النميري أعلاه لمجلة الحوادث، أصدر التاريخ حكمه العادل في كليهما (النميري والهندي)، حيث سقط نظام مايو بثورة شعبية وذهب النميري للمنفى بأمر الشعب، بينما أصبح الشريف حسين أيقونة وطنية تنتقل سيرتها عبر الأجيال، كما أضحى الرمز الوطني الأبرز في محاربة الشمولية والإستبداد والتمسك بالخيار الديمقراطي مهما كان الثمن.The post خونةٌ وعُملاء : مُعاداً من قولِ العسكرِ مكرورا appeared first on صحيفة مداميك.