قرار مسجل تنظيمات العمل .. إختطاف النقابات مع سبق الترصد

Wait 5 sec.

مداميك : ندى رمضان أثار القرار الصادر عن مسجل عام تنظيمات العمل بالرقم (9) لسنة 2025، والذي أعلن فيه انتهاء دورة المكاتب التنفيذية للتنظيمات النقابية، وتوجيهه بتكوين لجان تمهيدية من ذات اللجان للإعداد للانتخابات ، أثار موجة رفض واسعة حول أهداف الخطوة وتداعياتها على الحقوق النقابية والعمالية .وأكد مراقبون أن القرار يمثل حلقة جديدة من مسلسل تقويض الحريات العامة وتكميم الأفواه الذي ظلّت الأنظمة المتعاقبة تمارسه ضد الحركة النقابية الحرة . وراى  نقابيون أنه يشكل لحظة مفصلية في مسار الحركة النقابية في السودان . ونبهوا إلى ان النقابات لم تكن يوماً مجرد أجسام مطلبية، بل كانت وما زالت طليعة النضال الوطني والاجتماعي، ومنابر مقاومة ضد الاستبداد والاستغلال .وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية والحرب المستمرة ، جاء قرار المسجل دون إكتراث . وعلى ضوء ذلك أعلنت تنسيقية المهنيين والنقابات رفضها القرار واعتبرته محاولة مفضوحة لتمرير أجسام نقابية تابعة للنظام البائد، تحت غطاء “لجان تمهيدية”، تمهيدًا لإعادة تمكين أدوات القمع النقابي التي لفظتها الثورة وأسقطها الشعب السوداني بثمن باهظ من الدماء والتضحيات . وأكدت التنسيقية في تصريح صحفي إن النقابات التي نشأت تحت مظلة التمكين الإنقاذي لا شرعية لها، وسقوط النظام البائد أسقط معها شرعية أدواته، وأنها لن تقبل بإعادة تدويرها تحت أي مسمى أو تبرير .وقالت تنسيقية المهنيين والنقابات، إن أي عملية تنظيم للعمل النقابي يجب أن تتم تحت مظلة مدنية ديمقراطية، وبإرادة القواعد النقابية، لا بقرارات فوقية صادرة عن أجهزة دولة مختطفة، ولا عبر أجسام مفروضة دون انتخابات حرة ونزيهة .  وحذرت من استغلال  القرار في تكوين لجان تمهيدية مسيّسة تُكرّس للعودة إلى قبضة السلطة على النقابات، وعطفا على ذلك دعت التنسيقية قواعدها في كل النقابات المهنية إلى الوقوف صفاً واحداً لإسقاط هذه المحاولات، وعضدت دعوتها بإن القرار الصادر من مسجل تنظيمات العمل يمثل تجاوزًا واضحًا للنقابات المنتخبة والمُعترف بشرعيتها من قواعدها، بنقابة الصحفيين السودانيين، واللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء ، ونقابة الدراميين واللجنة التمهيدية لنقابة التمريض . ورأت إن تجاوز هذه الكيانات يمثل انتهاكًا واضحًا لاستقلالية التنظيم النقابي، ومحاولة لفرض وصاية الدولة على النقابات . وشددت التنسيقية على قوى الثورة الحية ، والقواعد النقابية الديمقراطية، داعية إلى إعلان موقف واضح وموحد ضد هذا القرار، والعمل المشترك لوقف محاولات إختطاف العمل النقابي .وحول قانونية القرار قالت النقابية والكاتبة الصحفية سنية اشقر ل (مداميك) إن مسجل تنظيمات العمل استند على قانون تنظيمات العمل لسنة 2010 ، والذي ينظم تسجيل النقابات والإتحادات العمالية جاء فيه للمسجل سلطات تقديرية في التسجيل والحل والإشراف، واوضحت أنه يجب أن تكون هذه السلطات مقيدة بالقانون وقابلة للطعن القضائي . وإن أي قرار يصدره يجب أن يكون مبرراً قانونياً، خاصة إذا تعلق بحل نقابة أو منع تكوينها . واضافت في ظل الظروف الاستثنائية (مثل الحرب أو الطوارئ) تُعلق بعض الحقوق، لكن الحق في التنظيم النقابي لا يُلغى بل يُقيد بقدر الضرورة فقط . ونبهت سنية إلى أن الإعلان الدستوري بعد الثورة منح حرية التنظيم والتكوين، وأي تقييد يجب أن يكون مبرراً اضافة الى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 (حرية التنظيم وحماية حق التنظيم)، والتي صادق عليها السودان. واتفاقية رقم 98 (حق التنظيم والمفاوضة الجماعية). وأكدت إن هذه الاتفاقيات تحظر التدخل الإداري في شؤون النقابات أو منع تكوينها بقرارات تعسفية . مشيرة إلى أن القرار إن كان يمنع أو يحل تنظيمات نقابية دون مسوغ واضح (كالمشاركة في أعمال عنف مثلًا) ، فهو مخالف لهذه الاتفاقيات. والمعايير الدولية تشدد على استقلالية التنظيمات النقابية من التدخل الحكومي، خاصة في أوقات الأزمات والنزاعات، إذ تُعد أداة لحماية حقوق العمال . وحذرت سنية من  السلطة التقديرية الواسعة للمسجل. مع عدم وجود معايير واضحة وشفافة لتسجيل أو رفض النقابات واعتبرته ثغرة تتيح اتخاذ قرارات سياسية في ظل إنعدام آلية فعالة للطعن . بجانب إشكالية عدم مواءمة القانون المحلي مع الإتفاقيات الدولية في إشارة منها إلى بعض المواد التي لا تتماشى تماماً مع اتفاقية 87، مثل اشتراط موافقة مسبقة أو عدد معين غير منطقي لتكوين نقابة .وحول الأهداف المُعلنة للقرار حسب التصريحات الرسمية، يُبرر القرار بأنه يهدف إلى حماية أموال وممتلكات النقابات، بدعوى أن النزاع المسلح والفوضى قد تُعرّض الممتلكات للخطر. وهناك حديث عن تجميد الحسابات البنكية مؤقتًا لحمايتها من التلاعب، و وضع حدّ للفوضى أو الإنقسامات داخل بعض الكيانات النقابية ، والدعوة لتنقيح السجلات وإعادة تنظيم الهياكل بشكل قانوني ، وإعداد الأرضية لانتخابات نزيهة بعد “الاستقرار” . لكن كل هذه الأهداف، رغم وجاهتها ظاهرياً، قالت سنية إنها تفتقر في الغالب إلى آليات شفافة وتأتي في توقيت حساس سياسياً واجتماعيا . ونبهت لوجود أهداف غير معلنة للقرار متمثلة في إضعاف النقابات المستقلة والنقابات ذات الطابع الثوري واعتبرته هدفاً أساسياً ، خاصة تلك النقابات التي لعبت دوراً بارزاً في الحراك الشعبي مثل لجان المعلمين، المهنيين، والنقابات المفككة سابقاً .ويتم ذلك عبر تجميد نشاطها أو تقليص شرعيتها القانونية تمهيداً لتكوين نقابات بديلة أو موالية . ولم تستبعد استخدام القرار لإعادة ترتيب الساحة النقابية عبر “تفصيل” نقابات جديدة أكثر توافقاً مع السلطة القائمة أو الجهات المهيمنة حاليا . بالإضافة لتفعيل إتحادات ونقابات كانت موالية للنظام السابق تحت غطاء قانوني جديد .كل ذلك يتم في إطار السيطرة على الموارد المالية للنقابات، وتعطيل الحسابات البنكية أو وضع اليد على الأصول العقارية ويمكن استخدامه كوسيلة ضغط سياسي، قد يؤدي إلى شلّ عمل النقابات المستقلة، ليس من أجل تمكين القواعد، لكن لتعود الدولة لتلعب دور المهيمن على البناء النقابي، كما كان يحدث في  العهد المباد من أجل إعادة هندسة المشهد النقابي بما يخدم مصالح سياسية معينة، خصوصاً مع التوجهات السلطوية في فترات الأزمات . بجانب كونه مهدد محتمل لإستقلالية التنظيمات النقابية ، خاصة في ظل غياب بيئة سياسية مستقرة . والقلق من الإقصاء أو التلاعب بتمثيل العمال عبر آليات غير شفافة ، وضعف ثقة القواعد العمالية في قرارات صادرة من جهة حكومية دون مشاورات واسعة .وفي السياق ذاته كشفت سنية عن أبعاد اقتصادية للقرار اجملتها في تقليص قدرة العمال على الدفاع عن مصالحهم في ظل تدهور الوضع المعيشي ، وإضعاف التفاوض الجماعي . وغياب النقابات الفاعلة قد يزيد من هشاشة الوضع العمالي ويفقد العمال وسيلتهم الأساسية للدفاع عن مصالحهم . وقالت قد يؤثر القرار سلبآ علي المطالبات بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. وعادت سنية لتؤكد إن القرار مهدد لحرية التنظيم النقابي ومبدأ الاستقلالية. وزيادة فرص التمييز بين العمال بناءً على المواقف السياسية أو الجغرافية. وأشارت لوجود تحديات للتصدي للقرار، منها التدهور الأمني في مناطق النزاع، وصعوبة الوصول الجغرافي لبعض  المناطق. إضافة لضعف القدرة التقنية لإجراء انتخابات واسعة. وقد تستغل بعض الجهات القرار لتصفية خصومها النقابيين، مما يؤدي الي تفكيك المنظومة النقابية بالكامل أو خلق تنظيمات صورية تابعة للحكومة .وطبقا للمتابعات فأن الحركة النقابية منذ معركة الاستقلال، مرورًا بانتفاضتي أكتوبر وأبريل وثورة ديسمبر  ظلّت شوكة في خاصرة الأنظمة القمعية، ورافعة وعي للعمال والموظفين والمهمشين. فكيف يُعقل أن تُحارب هذه المؤسسات الجماهيرية، ويُفرض عليها الوصاية من جهة حكومية لا تمثل إرادة القواعد، بل تخدم مصالح سلطة الأمر الواقع .ملابسات تستدعي وحده القوى الثورية للدفاع عن استقلالية النقابات، مع ضرورة مناهضة القرار بكل الوسائل السلمية والإحتجاجية .The post قرار مسجل تنظيمات العمل .. إختطاف النقابات مع سبق الترصد appeared first on صحيفة مداميك.