بقلم : مهدي داود الخليفةالحبيب منعم سليمان،تحية طيبة تليق بالحوار الوطني النبيل والاختلاف المسؤول الذي يحترم عقول القرّاء ويصون الذاكرة الوطنية من التبسيط والإجحاف.قرأتُ مقالك المعنون بـ ”حزب الدومة وسقوط الأمة” الذي نُشر مؤخرًا، وقد أثار في نفسي العديد من التأملات، خصوصًا حينما تطرّقت فيه إلى شخصية قانونية ووطنية مرموقة مثل مولانا محمد عبد الله الدومة، بصورة قد تبتعد ـ برأيي ـ عن الإنصاف التاريخي والتقييم المتزن الذي يليق برموز العمل العام، مهما اختلفنا معهم في الرؤية أو التقدير.إن معرفتي بمولانا الدومة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، وعبر محطات شاقة من العمل الوطني والإنساني ، في الداخل والمنفى، وأشهد ـ ليس دفاعًا عن الأشخاص بل عن الحقيقة ـ أن الرجل ظل صامدًا، ثابتًا على مواقفه ضد نظام الإنقاذ طيلة ثلاثين عاما، رغم الإغراءات، والتضييق، والحملات التي لم تُفلح في النيل من عزيمته، أو أن تُسقط عنه ثوب النضال الذي ارتداه بجدارة.قد نختلف مع مولانا الدومة ـ كما نختلف مع غيره ـ في بعض القرارات السياسية أو في تعاطيه مع الشأن التنظيمي، وهذا أمرٌ مشروع ومطلوب في بيئة ديمقراطية صحية. غير أن إنكار تاريخه، أو وصفه بـ”ظل رجلٍ فاته الضوء”، فيه تعسف لا يخدم فكرة النقد البناء، بل يُضعف من قيمة المقال نفسه ويُحيله من منبرٍ للحوار إلى منبر للتجريح.ما نحتاجه اليوم، في لحظة وطنية حرجة، ليس جلد الرموز الوطن ولا تشويه الماضي، بل إعادة صياغة خطابٍ مسؤولٍ يدفع نحو إصلاح البيت الوطني الكبير، لا هدم أركانه.إن مولانا الدومة كان أحد أعمدة المقاومة السياسية و القانونية ضد الطغيان، وعضوًا فاعلًا في لجنة محامي دارفور ، ومن الشخصيات القليلة التي تمسّكت بالعمل المدني الديمقراطي حين اختار آخرون الصمت أو الانزواء أو المساومة. ومواقفه التاريخية هي التي ساهمت ـ مع جهود آخرين ـ في صمود الإمام الصادق المهدي وموقفه الحاسم من رفض الانقلاب وموالاة سلطته.أما عن موقعه في قيادة حزب الأمة، فمن المهم أن نُدرك أن الحزب ـ رغم تعدد الرؤى داخله ـ تحكمه مؤسسات راسخة، وأن قراراته تظل نتاجًا لتوازنات داخلية وتوافقات جماهيرية لا يملك أي فردٍ أن يتجاوزها. وما نشهده من تباين في الآراء ليس دليل سقوط، بل علامة على الحيوية التي ميّزت هذا الحزب التاريخي، وستظل مؤسساته قادرة على فرز المواقف وتوحيد الصفوف في نهاية المطاف.إن واجبنا اليوم، كما أراك تتفق معي، هو رتق ما يمكن رتقه من الشروخ داخل أحزابنا الوطنية، والسعي لردم الهوة التي أفرزتها سنوات الحرب والانقسام. فالحوار مطلوب، والنقد مهم، لكن بأدوات رصينة، وبخطاب لا يُسهم في إضعاف القوى المدنية في وقتٍ تتربص فيه قوى الظلام بمستقبل الوطن.سيظل حزب الأمة القومي ـ رغم كل العثرات ـ هو حزب الاستقلال، وحارس الديمقراطية، وعصياً على التدجين، كما سيظل رموزه ـ ومنهم مولانا الدومة ـ محل تقدير لكل من يعرف معنى المبدئية في زمن التشظي والانتهازية.أختم مقالي بدعوة مخلصة لك ولكل الأقلام الوطنية الحرة:أن نُعيد بناء جسور الثقة، وأن نحترم اختلافاتنا، وأن نُعلّي من قيمة التقييم الهادئ والعادل، لأن السودان يحتاجنا جميعًا، لا كتّابًا غاضبين، بل بُناة وطن، يحملون قلوبًا مفتوحة، وأقلامًا نزيهة.والله من وراء القصد.The post حزب الأمة وموازين التاريخ: ردا على مقال عبد المنعم سليمان “حزب الدومة وسقوط الأمة” appeared first on صحيفة مداميك.