حمّور زيادةأعلن تحالف الدعم السريع (تأسيس) حكومته الموازية في مدينة نيالا بغرب السودان. ولم يغيّر الإعلان الذي لقي رفضاً من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية الأمور في الأرض. فما زال الجيش السوداني، بعد استعادته العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد، كما تلقى حكومته، التي عيّن فيها د. كامل إدريس (المدير الأسبق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية)، قبولاً دولياً باعتبارها سلطة الأمر الواقع التي عيّنها الجيش المسيطر على السلطة منذ سقوط الرئيس السابق عمر البشير.وحتى اللحظة، لم تبادر أيّ دولة بإعلان الاعتراف بحكومة “الدعم السريع”، التي اختار لرئاستها عضو مجلس السيادة السابق محمّد حسن التعايشي.لا تبدو بورتسودان التي حذّرت المجتمع الدولي من الاعتراف بحكومة المليشيا قلقةً من هذه الخطوة. رغم أنها مغامرة ستكون لها عواقب كارثية. لذلك، لم يحدث أن لجأت إليها القوى المدنية السياسية في أيٍّ من مراحل صراعها مع الأنظمة العسكرية التي حكمت السودان.عبر تاريخ طويل ممتدّ منذ 1956، حكم الجيش السودان نحو 60 عاماً، وواجهته الأحزاب السياسية بوسائل مختلفة. جرّبت الأحزاب المقاومة المسلّحة في تجارب مختلفة، أشهرها في 1976 ضدّ نظام جعفر نميري، والتحالف الوطني الديمقراطي في 1989 ضدّ نظام البشير. كما جرّبت التصالح وتوقيع الاتفاقات، مع النظامين أكثر من مرّة. لكنّها (القوى السياسية) كانت دائماً ما ترجع إلى الوسائل المدنية المجرّبة. كانت الوصفة محفوظة للمدنيين وللعسكريين. التظاهر، ثمّ المواكب، تتزامن معها الإضرابات، وصولاً إلى عصيان مدني شامل يُسقط النظام.مع اختلاف وسائل تعامل الأحزاب المدنية مع السلطات العسكرية، ظلتّ مسألة تنازع الشرعية خطّاً لم يتجاوزه أحد، فحتى رئيس مجلس السيادة الأول، وأحد صناع استقلال السودان، إسماعيل الأزهري، وكلّ رؤساء الحكومات المنتخبة ديمقراطياً وذات الشرعية الكاملة، لم يحاول أحدهم إعلان سلطة موازية ولو في المنفى.حتى قوى الحرية والتغيير (تحالف صمود حالياً) في صراعها مع المجلس العسكري الحاكم، تحاشت أكثر من مرّة الوقوع في هذا الفخّ.كانت المرّة الأولى في مايو/ أيار 2019، عندما علّق الجيش التفاوض مع القوى المدنية. وأُعلِن في ميدان الاعتصام أمام القيادة العامّة أن القيادات السياسية ستلقي بياناً. سرت شائعة قوية أن الأحزاب ستعلن حكومة وسط الاعتصام الثوري الذي غلب عليه الترحيب بالشائعة. سارعت قيادات المجلس العسكري بلقاء وفد قوى الحرية والتغيير، الذين أكّدوا للجيش عدم وجود أيّ نيّة لديهم لإحداث نزاع على الشرعية مهما حدث. وشدّد القيادي في الحزب الشيوعي صديق يوسف على حرص القوى المدنية على وحدة البلاد، وتجنيبها التنازع العنيف. طمأن اللقاء المجلس العسكري، لكنّه أغضب قطاعات من الشباب كانت ترى الوقت مناسباً لفرض أمر واقع على المجلس العسكري الذي يرفض التخلّي عن السلطة.وتكرّرت الفرصة بعد انقلاب الجيش في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما صدر تعميم من الأمم المتحدة لوكالاتها في السودان بعدم التعامل مع أيّ ممثّل لحكومة السودان، إلا وزراء حكومة عبد الله حمدوك. وعندما وقّع رئيس الوزراء الأسبق حمدوك اتفاقاً سياسياً مع المجلس العسكري (أشرف عليه عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد “الدعم السريع” ونائبه) في نوفمبر/ تشرين الثاني، تقدّم وزراء الحرية والتغيير باستقالاتهم وغادروا مواقعهم عائدين إلى صفوف المعارضة المدنية التي كانت تقاوم الانقلاب. وأفشلت هذه المعارضة اتفاق البرهان – حمدوك، فقدّم الأخير استقالته في يناير/ كانون الثاني 2022، وغادر الخرطوم ليقيم في الإمارات العربية.لكن ما لا يفعله المدنيون، لا تخشاه البندقية. بدأ محمد حمدان دقلو (حميدتي) زراعة بذرته الأولى في القصر الرئاسي في الخرطوم في 2020 عندما حاول، بمعاونة عضو مجلس السيادة السابق التعايشي، جمع تحالف دارفوري لمواجهة ما اعتبره نفوذ أبناء القبائل النيلية. وحاول أن يصالح أبناء الإقليم، الذي شارك في حرقه وتدميره برمي اللوم على السلطة المركزية التي استخدمته.ما بدأ هناك انتهى إلى التحالف المرتجل المكوّن من خليط من الفرقاء، “تأسيس”، وهو تحالف يسيطر حتى الآن على الجزء الأكبر من إقليمي دارفور وكردفان . ويبدو أنه وضع يناسب بعض الجهات في بورتسودان، ويرضي المجتمع الدولي إلى حين. لكنّه سيرسّخ لانفصال قادم، ليصير البلد الأفريقي الأكبر سابقاً ثلاثة بلدان متشاكسة.تلك كارثة يجتهد كثيرون لتقع. ويبدو أنهم ينجحون، للأسف!The post ما لا تخشاه البندقية appeared first on صحيفة مداميك.