أكد الفنان والمخرج المسرحي السوري، تامر العربيد، أن تجربته الأكاديمية في روسيا، ودراسته في بطرسبورغ أثرت بشكل عميق في مسيرته الفنية والأكاديمية، وجعلته جزءا من ثقافة غنية وحيّة. وقال العربيد: "تعد مدينة بطرسبورغ الروسية واحدة من أبرز العواصم الثقافية في العالم، إذ تتناغم فيها العراقة مع الإبداع، وتزخر بالأصوات الفنية التي شكلت ملامح الفن والثقافة الإنسانية على مر العصور. كما تعتبر مدينة تتنفس الفن في كل زاوية، وتحتضن أعظم مدارس المسرح، السينما، والأدب". في هذا السياق، تحدث تامر العربيد، الفنان والمخرج المسرحي، عن تجربته الأكاديمية في روسيا، مستعرضا كيف أن دراسته في بطرسبورغ أثرت بشكل عميق في مسيرته الفنية والأكاديمية، وجعلته جزءا من ثقافة غنية وحية تعيش في شوارع المدينة، في الكتب، وفي كل ما يحيط. ويستعيد شريط ذكرياته عن تلك المرحلة قائلا: "لقد كانت محطتي في بطرسبورغ، التي درست فيها الدراسات العليا وحصلت على الدكتوراه من المعهد الحكومي للمسرح والسينما "تشيركافس" في هذه المدينة الرائعة. وكان ذلك في فترة سابقة عندما كانت المدينة تحمل اسم "لينينغراد"، الاسم الذي يعود الآن إلى تاريخها الأصلي بطرسبورغ. ولكن رغم تغيير الأسماء، بقيت روح المدينة واحدة، مدينة تحمل بين جنباتها تاريخا طويلا من الفن والحضارة.ويستكمل العربيد حديثه أن أول ما يلفت الأنظار في بطرسبورغ هو كيف أن الثقافة هناك ليست مجرد سمة تميز المدينة عن غيرها، بل هي جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. لا يمكن أن تتنقل في شوارع هذه المدينة دون أن تلمس أثر الفن، السينما، أو الأدب في كل مكان. كانت الثقافة الروسية دائما حية، عميقة، ومتجددة. هي ثقافة يمكن أن نجد فيها تفاعلا بين الأجيال المختلفة، حيث لا يُنظر إلى الفن فقط باعتباره إرثا، بل بوصفه سعيا دائما نحو التجديد والابتكار.*السينما الروسية: أصول وقوة تأثيروحول السينما الروسية وأهم ما قدمته يقول العربيد إن من أبرز معالم السينما الروسية التي لا يمكن تجاهلها هي تلك الأعمال التي شكلت محطات هامة في تاريخ السينما العالمية، مثل فيلم "مدرعة بوتومكن" (1925)، الذي يعد واحدا من أعظم كلاسيكيات السينما. الفيلم الذي أخرجه سيرغي أيزنشتاين، قدم مشهد المذبحة على درجات الأوديسة الذي بات واحدا من أكثر المشاهد شهرة وتأثيرا في تاريخ السينما. كما أن السينما الروسية تعد مرجعية في تاريخ الواقعية، وقد كانت مؤسسة للكثير من التجارب السينمائية التي أحدثت نقلة نوعية في كيفية تصوير الواقع والمشاعر الإنسانية على الشاشة.*المسرح الروسي: من ستانسلافسكي إلى المسارح الكبرىوانتقل الفنان العربيد في ذكرياته إلى فضاء المسرح الروسي قائلا بأنه لا يمكن الحديث عن بطرسبورغ دون المرور على المسرح الروسي العظيم الذي أسس له العديد من الأسماء البارزة. أبرزهم بالطبع "كونستانتين ستانسلافسكي"، مؤسس مدرسة التمثيل التي أصبحت المرجعية الأولى لكل المسرحيين في العالم. فمسرحه وفكره يدرس في جميع أنحاء العالم، وكانت له بصمته الكبيرة في تطوير مفهوم "التمثيل الداخلي" وفن التواصل مع الشخصية.وأشار بأنه في بطرسبورغ وحدها، يمكن أن تختار من بين أكثر من 30 مسرحا، تتنوع بين فرق محلية وزائرة، وتستعرض ألوانا متنوعة من العروض المسرحية التي تقدم مستويات فنية عالية. مسارح مثل "المارينسكي تياتر"، "البولشوي تياتر"، و"مسرح بوشكين" وجميعها تقف شاهدا على تقاليد مسرحية غنية، يقدم كل منها عروضا تحمل طابعا فنيا مختلفا، ولكنها دائمًا ما تكون محمّلة بالتاريخ والجمال الفني.*الكتب والشوارع: ثقافة يوميةولفت العربيد إلى أن الفن في روسيا لا يقتصر على المسرح أو السينما فقط، بل يمتد إلى الشارع الروسي نفسه. الثقافة الروسية تكمن في كل شيء في الكتب التي يقرأها الناس في مترو الأنفاق أو أثناء تناول قهوة الصباح، في حديثهم عن بوشكين وتشيخوف وتولستوي، وفي تشبثهم العميق بالأدب والشعر. يمكن للمرء أن يلاحظ أن الثقافة الروسية تعيش في كل لحظة، فهي جزء من الحياة اليومية للمواطن الروسي.ونوه بأن مكتبات بطرسبورغ ليست مجرد مكان لحفظ الكتب، بل هي معابد للمعرفة. فهناك نجد كتبا تروي تاريخ الأمة وحكاياتها، أعمالاً أدبية كلاسيكية يفوح منها عبق الأدب الروسي، الذي يقرأه الجميع في أوقات فراغهم.*تأثير عميق في مسار حياتيوحول تأثير الثقافة الروسية في مسار حياته قال العربيد: خلال هذه السنوات الأربع والنصف التي قضيتها في بطرسبورغ، اكتسبت أكثر من مجرد درجة أكاديمية، فقد تشربت الثقافة الروسية العميقة التي أثرت في شخصيتي وأفكاري. أشعر اليوم أنني جزء من هذه الثقافة التي تمنحني العديد من الأدوات للنجاح في مجالي الفني والأكاديمي. الفضل يعود للمشاهدات المسرحية التي حضرتها، للأفلام التي تابعتها، والكتب التي قرأتها. تعلمت كيف أن الفن يجب أن يكون ذا رسالة عميقة، وكيف أن الفنان الحقيقي هو الذي يملك القدرة على نقل هذا العمق إلى جمهور واسع.الجدير بالذكر أن تامر العربيد هو ممثل ومخرج مسرحي سوري، شغل منصب عميد المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2014 بدلا عن المخرج سامر عمران، وأعيد تعيينه مرة أخرى في عام 2021.وساهم العربيد بإقامة "الملتقى الإبداعي" في المعهد العالي، والذي حصلت فيه حوارات وتكريمات لمسيرة حياة الفنانين منهم منى واصف، تيم حسن، عبد المنعم عمايري، أسعد فضة، باسم ياخور وآخرون.المصدر: RT