بعد تفكيك شبكة التزوير.. هل تُعاقب القنصلية المواطنين بدلًا من الموظفين؟

Wait 5 sec.

بقلم: مهدي عزاوي تفكيك شبكة لتزوير تأشيرات “شنغن” بالناظور، تورط فيها موظف بالقنصلية الإسبانية يحمل الجنسيتين، إلى جانب وسطاء وموظفين بنكيين، لم يكن مجرّد حدث عابر. العملية الأمنية، التي نُفذت بتنسيق مغربي-إسباني دقيق، أطاحت برؤوس كانت تعبث بثقة المواطنين وبهيبة المؤسسة الدبلوماسية، لكنها خلفت – أيضًا – سؤالًا مرًّا: هل يدفع المواطنون الشرفاء ثمن الفساد الذي عشّش داخل القنصلية؟ منذ تفجّر هذه الفضيحة، يسود شعور عام بين أبناء الناظور بأن القنصلية الإسبانية بدأت، بشكل غير معلن، بـ”الانتقام الصامت” من طالبي التأشيرة. فجأة، أصبحت المواعيد شبه مستحيلة، والتأشيرات تُرفض بالجملة رغم استيفاء الشروط، والإجراءات التي كانت معقدة أصلًا تحولت إلى متاهة بيروقراطية يصعب الخروج منها دون خدوش في الكرامة. التأخير في منح المواعيد أصبح يناهز الأشهر، وطلبات موثقة بدعوات رسمية، وحجوزات مؤكدة، ووثائق مالية قانونية، تُقابل برفض صامت، لا تفسير له سوى مزاج غامض أو تعليمات أكثر غموضًا. أما الأعذار، فهي جاهزة: “الوثائق ناقصة”، أو “الملف غير مقنع”، أو ببساطة: “نعتذر، الرفض لا يعني بالضرورة وجود خلل”. السؤال المحرج الذي يطرحه الكثيرون اليوم: هل تحوّلت القنصلية من مؤسسة دبلوماسية إلى جهاز أمني يوزع العقوبات على شعب بكامله، فقط لأن موظفًا منهم خان الأمانة؟ أليس من المفترض أن تكون المحاسبة فردية لا جماعية، وأن لا يُستخدم شعار “محاربة التزوير” كغطاء لعقاب جماعي يطال الشرفاء قبل المشبوهين؟ من العبث أن يتحدث البعض عن “تشديد الإجراءات” وكأن مناحيها كانت سهلة من الأصل. المواطن الناظوري لم يكن يومًا مدللًا في القنصلية الإسبانية، بل كان دائمًا يُعامل كطالب “رحمة”، حتى وإن كان مستثمرًا أو طالبًا أو فنانًا. والآن، بعد فضيحة الموظف المتورط، ازدادت الأمور تعقيدًا حتى بات المشهد أشبه بامتحان أخلاقي لا يُعرف من يضع أسئلته، ولا على أي معايير تُصحّح. إن تطهير القنصلية من الفساد الداخلي لا يجب أن يتحول إلى ذريعة لتعذيب الناس بإجراءات غريبة، أو معاقبتهم على جرم لم يرتكبوه. فالمواطن الذي قضى عمره في مدينته، يعمل ويكد ويُخطط لسفر قصير أو مشروع بسيط، ليس هو من وضع شبكات التزوير، ولا هو من كان يمرر الملفات المشبوهة. العدالة لا تعني فقط إلقاء القبض على المزورين، بل أن تضمن – أيضًا – ألا يصبح ضحاياهم هدفًا ثانيًا لعقاب مؤسساتي. وفي النهاية، نأمل أن لا تتحول القنصليات إلى محاكم ظلّ، وأن لا يصبح كل طلب تأشيرة بمثابة جريمة مُفترضة حتى يثبت العكس. لأن أخطر ما يمكن أن يقع بعد سقوط الشبكات هو أن تبقى “الذهنية العقابية” قائمة في المؤسسات، وأن يُعامل المواطنون وكأنهم جميعًا مشاريع تزوير متنقلة.