بقلم: رمسيس بولعيون “الظهور خطر… الغياب وقاية.” في زمن تتنافس فيه النظريات، وتُصنع الحركات من تغريدات وتيارات، تستمر الموكانيفية في الزحف، صامتة، بطيئة، واثقة… كأنها سرطان سياسي ينتشر بلا ضجيج. هي ليست فكرة، ولا تنظيماً، ولا تياراً له لون. الموكانيفية عقيدة، تربّي أبناءها على قاعدة بسيطة: “لا تفعل شيئًا… ولن يسألك أحد عن أي شيء.” كان لا بد من العودة إلى النظرية الموكانيفية، ليس لأنها مهمة، أو لأن غيابها سيهدد توازن المجرة،بل ببساطة… لأن مؤسسيها لا يهتمّون ولا يحشمون ولا يملكون “إذمن”. ولهذا، كان من الضروري العودة. “من لا يفرّق بين الأحزاب… لا يُتعب نفسه بالانتماء.” قبل أيام فقط من مؤتمر الحزب العتيد، الذي يفترض أن يكون لحظة تأمل سياسي داخلي، غاب أحد كبار زعماء الموكانيفية،رجل جمع بين الجماعة والجهة والبرلمان… بـ”تزكية”، و”لون”، و”موقع” لكنه اختفى كما اختفى أول مرة: بصمت ولامبالاة، كأن لا شيء يحدث. هو تجسيد حي لما يمكن تسميته بـ: “الميكيافيلية الغيابية”. كائن سياسي يمارس سياسة النعامة… لكن بأسلوب أكثر احترافية من النعامة ذاتها. لا يهمه إن كان المؤتمر ساخنًا، أو خرج برضى القيادة، لا تثيره الكلمات، ولا تزعجه التحالفات،لأن الموعد الحقيقي في تقويمه الشخصي…هو يوم الاقتراع، لا قبله بيوم، ولا بعده بسنة “نحن أهم من الحزب.” نعم، هكذا يؤمن الموكانيفيون. الحزب مجرد مرحلة… وسيلة تنقّل… قميص يمكن خلعه، وشعار يمكن مسحه بالفوتوشوب. هم لا يفرّقون بين الحمامة والتراكتور والوردة والديك،ولا بين الأبيض والأسود…فكل شيء قابل للتوظيف،ما دام في النهاية سيُعلّق “البادج” خلف زجاج السيارة. “تفجير الذات… في سبيل كرسي.” قد يبدو العنوان صادمًا، لكنه واقعي جدًا داخل الفكر الموكانيفي. هم مؤمنون بحركتهم حتى الموت، ولو تطلّب الأمر تفجير أنفسهم بقنينات الغاز… ذاك الغاز الذي موّل حملات انتخابية في دول البترودولار، وحتى هنا في المغرب، يُقال ولا تؤاخذونا إن ما يُترك في الزجاجات الفارغة للبوتاغاز… يموّل الحملات، ويغيّر الموازين. وقد صارت عندهم مقولة مبدئية: “ما يُترك في قاع البوتاغاز… يصنع مستشارًا جماعيًا.” “من حقكم أن تسألوا… ومن حقنا أن لا نجيب.” وأنا، كصاحب سوابق صحفية مع هذه الظاهرة،أجدني مُجبرًا على الذهاب بعيدًا. لهذا، أُعلنها الآن،من باب حب الاستطلاع، أو حب الفوضى: أطالب بحوار مباشر مع أحد زعماء الحركة الموكانيفية. أريد أن أجلس معهم،أن أفهمهم، أن أُقنعهم بأن يظهروا… ولو مرة. لكنهم لا يظهرون. لا يردّون. لا يتفاعلون. فقررت إجراء الحوار… على طريقتي. مشهد تخييلي: حوار صحفي مع كرسي موكانيفي المكان: قاعة شبه مظلمة. الزمان: بعد الانتخابات، وقبل الانتخابات التالية. الضيف: كرسي فارغ. المحاور: صحفي متحمّس، يؤمن بأن للكراسي ذاكرة. – مساء الخير سيدي الموكانيفي… (صمت مديد) – هل يمكن أن نبدأ بتوضيح سبب غيابكم عن البرلمان؟ (أزيز التكييف) – المواطنون يتساءلون: ما هو دوركم؟ (صرير كرسي مجاور يتحرّك) – البعض يتهمكم بأنكم تحضرون فقط يوم الاقتراع… (تسقط ورقة من فوق الطاولة) – طيب… هل من كلمة أخيرة؟ (ضوء خافت ينطفئ فجأة) ينتهي التسجيل… لكنني أبتسم… لقد كنت أول من أجرى حوارًا مع الغياب… حوارًا لم يُقاطعني فيه أحد... “إذا لم نجد من يحاورنا… نحاور الصمت.” أؤمن الآن أن الموكانيفية ليست سلوكًا سياسيًا فقط… بل مدرسة للحذر.. منهج لتفادي الحياة العامة… دينٌ جديد للصامتين… وعقيدة متكاملة لفن الزُهَيق… يقول أحد كتبهم السرية، التي لم تُكتب: “الظهور مخاطرة… الغياب مصلحة.” في الختام، ما زلت أُصرّ على مناظرة علنية… أو حتى مكالمة وهمية.. أو رسالة تُرسل من رقم مجهول… أريد فقط أن أعرف: هل في هذا البلد موكانيفي واحد… يعترف أنه موكانيفي؟ وإن لم أجد أحدًا… سأظل أحاور كراسيهم… لأن الغياب لا يرد.. لكنه يسمع….