الحزب الشيوعي: عناد القيادة والحرب التي(جبت) ما قبلها

Wait 5 sec.

بقلم: عاطف عبداللهكلمة الميدان (21 أغسطس 2025) حملت الكثير من الغضب والاتهامات، لكن ما يثير القلق ليس مجرد نبرة السخط، بل ما تعكسه من حالة عناد داخل قيادة الحزب الشيوعي. وكأن العزة بالإثم جعلت البعض يتجاهل وضوح الرؤية لكل من ينظر إلى واقع السودان بعين بصيرة. الحقيقة الجلية أن الحرب قد جبت ما قبلها؛ كل الخلافات السابقة صارت ثانوية أمام الأولوية القصوى: وقف الحرب وقطع الطريق أمام أعداء الثورة الذين يترقبون فرصة للعودة إلى الحكم على أنقاض الخراب والدمار.الأولويات المقلوبةمن يقرأ كلمة الميدان قد يظن أن المعركة الرئيسة ليست ضد الحرب ومشعليها، بل ضد “المتخاذلين” و”المتآمرين” و”المطبعين” من القوى المدنية الأخرى. وكأن مهاجمة حمدوك أو تفكيك تحالف “صمود” هو الطريق لوقف الحرب!لكن الواقع أبسط وأخطر: العدو الآن هو الدم الذي يسيل، والجوع الذي يفتك بالملايين، والخراب الذي يدمر المدن والقرى. أي خطاب يتجاهل هذا الواقع ويغرق في صراعات ثانوية ليس سوى هروب من مواجهة الحقيقة.عزلة داخلية وصمت صاخبقد تعتقد القيادة أن صوتها العالي يغطي التململ الداخلي، لكن الحقيقة أن ثمانين في المئة من قواعد الحزب، مناضلين ومناضلات حملوا الراية لعقود، إما أعلنوا رفضهم لخط القيادة أو صمتوا وجمّدوا نشاطهم. والصمت هنا ليس حياداً؛ بل أقسى أشكال الاحتجاج.عندما تتحول الانتقادات إلى “هجوم منظّم ممول”، ويُعامل كل رأي مخالف كخيانة، فإن القيادة لا تحصّن الحزب، بل تدفعه إلى أقصى درجات العزلة. وبدلاً من أن يكون جسراً بين جماهيره والحقيقة، يصبح جداراً عازلاً.عناد يقود إلى الهاويةالعناد ليس صلابة. الصلابة موقف مبدئي، أما العناد فهو الإصرار على الخطأ حتى بعد أن تكشفت نتائجه. تحويل خلافات سياسية إلى معارك وجودية في وقت تنهار فيه البلاد ليس سوى عناد قاتل.الانشغال بمهاجمة القوى المدنية الأخرى يصب موضوعياً في مصلحة أعداء الثورة: الفلول، العسكر، وتجار الحرب، الذين يربحون كلما تشتتت القوى المدنية وتفرقت.من الموقف المبدئي إلى النتائج الكارثيةحين خرج الحزب من قوى الحرية والتغيير ودعا صراحة لإسقاط الحكومة الانتقالية، وهنا أنقل من كلمة الميدان المقطع اللافت الذي جاء فيه:“وحين خرج الحزب من تحالف قوى الحرية والتغيير ودعا لإسقاط حكومة الشراكة، جن جنونهم. صوّروا الموقف المبدئي وكأنه تحالف مع المؤتمر الوطني.”نعم هو تحالف وإن كان غير معلن، لأن في ذات التاريخ الذي كان الحزب يدعو لإسقاط الحكومة كان محمد الأمين ترك، ممثل المؤتمر الوطني، يقوم بإغلاق طريق الشرق، الشريان الرئيسي الذي يربط الميناء بباقي انحاء الوطن، ما ساهم عملياً في تعطيل حركة المدنيين والموارد، وكانت النتيجة تعميق الأزمة وإضعاف الحكومة الانتقالية، جعل الرأي العام يربط بين موقف الحزب وبين إجراءات مباشرة أعاقت أداء الحكومة، حتى وإن كان ذلك بغير قصد معلن.بهذا الانكفاء، ساهم الحزب عملياً في إضعاف الحاضنة السياسية للانتقال، ومن حيث النتيجة قدم خدمة مجانية للفلول والقوى المعادية للثورة، الذين وجدوا الفرصة سانحة لإسقاط الحكومة المدنية الأولى بعد سقوط البشير.المفارقة الصارخةكيف لحزب ظل يرفع شعار “لا تحالف مع الفلول” أن ينتهي إلى موقف يتلاقى فيه معهم في الهدف والوسيلة؟ المفارقة ليست في النية، بل في عناد القيادة وإصرارها على رؤية الصراع من زاوية “المبدئية النظرية”، دون حساب عملي للنتائج على الأرض.قد تقول القيادة: نحن لم نتحالف مع الفلول، بل اتخذنا موقفاً مبدئياً ضد الشراكة مع العسكر. لكن المواطن السوداني رآهم يعملون معاً ضد الحكومة الانتقالية، في وحدة أثر رغم اختلاف النوايا، سواء بالدعوات المباشرة لإسقاط الحكومة أو من خلال إجراءات مثل إغلاق طرق الشرق.ماذا خسرنا؟• أول تجربة انتقال مدني بعد عقود من الديكتاتورية.• ثقة جزء كبير من الشارع الذي رأى في الانقسامات المدنية سبباً مباشراً لانهيار التجربة.• الحزب نفسه، بعدما بدت مواقفه وكأنها تصب في صالح أعداء الثورة، مهما حاول تبريرها بخطاب مبدئي.الدرس الغائب والمطلوب الآنالسياسة ليست مجرد صدق نية، بل وضوح البوصلة. المطلوب الآن:1. كسر حلقة العناد: الاعتراف بأن الأولوية الوطنية الوحيدة هي وقف الحرب. كل ما عدا ذلك مؤجل.2. فتح باب النقد والمراجعة: ليس عيباً أن نخطئ، لكن العيب أن نرفض تصحيح الخط.3. إعادة بناء التحالفات المدنية: وحدة القوى المدنية اليوم شرط للبقاء.4. تجديد القيادة والخطاب: فتح الباب للشباب والكوادر المجمدة، والتخلي عن عقلية الإقصاء والتخوين، ومواجهة الواقع بشجاعة لا بشعارات.خاتمةالتمسك بخلافات ما قبل الحرب يشبه التمسك بمفتاح بيت انهدم على رؤوس ساكنيه. ليس المفتاح ما ينقذهم، بل وقف الانهيار ذاته. الحزب الشيوعي إما أن ينكسر عناده ويتجدد، أو يُكسر معه. والاختيار لا يزال بأيدينا.The post الحزب الشيوعي: عناد القيادة والحرب التي (جبت) ما قبلها appeared first on صحيفة مداميك.