أحمد محمود أحمد:توطئةشهد السودان منذ اندلاع الحرب الأخيرة تحولات جذرية في موازين القوى السياسية والاجتماعية، إذ لم يعد “الهامش” مجرد تابع للمركز كما جرى تصوير ذلك عبر مسار الدولة السودانية بعد الاستقلال، بل أصبح في قلب الفعل السياسي والعسكري… غير أنّ ما يبدو ظاهرياً كصعودٍ (للهامش) يطرح سؤالاً جوهريا: هل نحن أمام لحظة تحوّل حقيقية تنهي منطق (المركز والهامش)، أم بصدد تشكّل مركزية جديدة (للهامش) تعيد إنتاج البنية السلطوية نفسها ولكن بوسائل وهوية مختلفة؟لقد طرح الدعم السريع نفسه ممثلاً (للهامش)، وصعد بدور فاعل في السياسة والحرب في ظروف استثنائية صنعتها الحرب التي هندسها التيار الإسلاموي، إلا أن هذا الصعود، وهو مشبع بتجربة “المركز” ونهجه السلطوي، يحمل في داخله بذور إعادة إنتاج منطق الإقصاء والتغريب الذي مارسته قوى السلطة من قبل… من هنا تتبدى خطورة أن تتحول ثنائية (المركز/الهامش) إلى دائرة مغلقة قد تلد مركزيات متجددة، بدل أن تفتح أفقاً جديداً لبناء دولة عادلة، واضعين في الاعتبار ان دولة (الهامش) المرتقبة تأتي كردة فعل علي سلطة بورتسودان وهي تأتي محملة بالأحتقان والاستقطاب اللذان شكلتهما الحرب مما يشير ذلك الي إمكانية نفي آخرين وقفوا ضد مشروع الدعم السريع مستندين في ذلك الي ما يجري في ساحات الحرب من ردود فعل تتشابه مع ما يفعله الجيش والحركة الإسلامية من تصفيات ومن قبل الدعم السريع، مما سيشكل ذلك بذرة لتغريب البعض وكما فعلت الحركة الإسلامية من خلال مفهوم الأوجه الغريبة حيث ان الدول التي تنشأ من خلال الحروب قد تحمل سماتها.. هذا المقال يحاول مساءلة هذا التحول عبر قراءة تاريخية وفكرية تتجاوز ثنائية (المركز والهامش)، وتنظر إلى جذور الأزمة السودانية في بنية التخلف العام وتحلل الدولة الوطنية، حيث يصبح السودان كله هامشاً في مواجهة نخبة مسيطرة، لا على أساس العرق أو الجغرافيا او المكون الثقافي- الاجتماعي، بل على أساس شبكة المصالح وهيمنة السلطة الشمولية التي عطّلت مشروع النهضة…ومن اجل قراءة تلك الظاهرة اي ظاهرة المركزيات الجديدة فان هذا المقال يستند علي المحاور التالية:أولاً؛ قضايا الهامش ضمن منظور تاريخي: ما تبدي كخطاب قادته النخبة الجنوبية بعد الاستقلال تجاه قضايا (الهامش) والذي تحول لخطاب نافذ من خلال صعود الحركة الشعبية كان قد سبقته نقاشات داخل البرلمان السوداني وقبل مغادرة البريطانيين للسودان… ففي الجلسة السابعة للبرلمان عام (١٩٥٤) تحدث النائب (ميرغني حسين زاكي الدين)، لسان حال المعارضة حينها (حزب الأمة) باقتراح يطلب فيه تسجيل أسف المعارضة (على عدم ذكر اي إجراءات معينة للتعمير الاقتصادي أو التقدم التعليمي والثقافي في (المناطق المتخلفة) بالسودان بقصد رفع مستواها الي مستوي سائر البلاد (١)…. هذا الجدل التاريخي لم يُطوَي، بل أعاد إنتاج نفسه بأشكال جديدة في العقود اللاحقة، حتى وصل اليوم إلى ساحة الحرب الراهنة بصور وتحالفات مختلفة… و ردا علي ذلك الاقتراح الذي طرحه البرلماني ميرغني حسين زاكي الدين، قال حسن الطاهر زروق النائب الوحيد للجبهة المعادية للاستعمار( الحزب الشيوعي لاحقا)، رد قائلا( ان التحدث عن المناطق المتخلفة يوهم السامع بأن بعض أجزاء البلاد متقدمة وراقية، والحقيقة ان كل السودان يعاني تأخرا ثقافيا واقتصاديا وبالتالي فإن الذين يتحدثون عن المناطق المتخلفة دون أن يذكروا حقيقة أسبابها فلا نستطيع أن نفهم من حديثهم الا انهم يريدون إثارة تلك المناطق و بالتالي يهددون استقلال البلاد و وحدتها(٢).. .في هذا النقاش داخل اول برلمان سوداني نلحظ أن قضية (الهامش) أو قضايا التطور التنموي اللا متوازن كانت هما وطنيا ولقد اصاب حسن الطاهر زروق عندما نظر لقضية (الهامش) ضمن منظور شامل عاين من خلاله لواقع السودان من خلال بنية التخلف العامة والموروثة من حقب سابقة تعمقت من خلال دور الاستعمار البريطاني، وهو المنظور الشامل لواقع التخلف الذي تم طرحه في صدر هذا المقال. واللافت للنظر ان حسن الطاهر زروق والمنتسب للجبهة المعادية للاستعمار وهي الواجهة للحزب الشيوعي آنذاك قد وضع يده علي الخلل التاريخي في تطور الدولة السودانية، ونظر للسودان ضمن منظور شامل، ولكن الملاحظ لاحقا ان الحزب الشيوعي قد تبني رؤية( ميرغني حسين زاكي الدين) وذهب بدعم قوي (الهامش) مبتعدا عن مفهوم الصراع الطبقي الاجتماعي والمرتبط بالمجتمع ككل ضمن نمط الإنتاج وبنية السلطة، وذهب بأتجاه طرح مفهوم العدالة الرمزية والذي وكما قال (حسن الطاهر زروق ) يريدون به إثارة تلك المناطق، وحسب رؤية الحزب الشيوعي فان تلك المناطق المهمشة يمكن ان تقود الي ثورة ضد الطبقات الحاكمة دون الانتباه لمقولة حسن الطاهر زروق والذي تخوف علي وحدة البلاد حين النظر لتلك المناطق خارج الواقع الكلي للتخلف في السودان ..هذا التحليل لا ينفي قضايا (الهامش) وضمن المفهوم الاقتصادي والتطور اللا متوازن للتنمية ، ولكن يدمجها داخل الإطار الوطني والذي يتطلب المعاينة الكلية لقضية السودان. وكما يقول طارق عبد اللطيف ابو عكرمة (حين تختزل العدالة في الجغرافيا فان التهميش في جوهره ليس مرادفا للجغرافيا بل نتيجة لتوزيع غير عادل للموارد وهيمنة نماذج إنتاج وسيطرة تميز بين البشر علي اساس قربهم او بعدهم من بنية السلطة(٣) . واستنادا لما ذكر سابقا فإن قضايا التهميش هي قضايا السودان كله والمدخل اليها ليس مدخلا إقليميا، بل مدخلا وطنيا يستند الي قضايا الجماهير الكادحة في كل بقاع السودان… وإذا كانت جذور التهميش ترتبط ببنية التخلف العام، فإن الخطاب السياسي لقوي (الهامش) قد استند أيضًا إلى سرديات تاريخية مثل قضية الرق، التي تستحق قراءة نقدية موضوعية.ثانياً: الرق والجلابة والهامش: لقد تم بناء سردية ضمن خطاب قوي (الهامش) مرتبطة بسياق تاريخي وصمت الشماليين بتجارة الرق ضد بعض القبائل في جنوب السودان وغربه و ارتبطت هذه السردية بمفهوم الاستجلاب والذي تمت تبيئته ضمن مفهوم (الجلابة ) والذي أصبح كبنية ثابتة يتم بها محاكمة اهل الشمال ومعه الوسط حيث يتم من خلال النظر الي جغرافية الشمال والوسط بكونها قد استمدت مفهوم السيطرة علي بعض مناطق (الهامش) منذ تلك اللحظة مما تشكلت معه عقلية مركزية احتكرت السلطة والثروة وهمشت بعض الإثنيات نتيجة لمفهوم عرقي- ثقافي.. هذه الواقعة، اي واقعة تورط بعض الشماليين في تجارة الرقيق هي صحيحة- ولكن ليس كل الشماليين قد كانوا تجارا للرقيق، فقد ذكر( جاي سبولدنق )في كتابه عصر البطولة في سنار(٤) بأن السلطنة الزرقاء ومن خلال بروز وتشكل طبقة شبه برجوازية قد همشت البعض في الشمال وقد أطلق سبولدينق عليهم فقراء السلطنة الزرقاء، هؤلاء الفقراء وبعد احتلال الأتراك للسودان ارتبط البعض بهم وساهم معهم في سوق تجارة الرقيق، ومن هنا يمكن القول إن تجارة الرقيق قد ارتبطت بالمؤسسة، وهو ما جعلها أكثر وضوحا في حالة الشماليين… هذا الأمر لا يخفي ان الرق قد تمت ممارسته خارج قبائل الشمال حيث يذكر (محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السابق، والمؤرخ الأمريكي جاي سبولدينق ) التالي حول تجارة الرقيق(٥):1. كان الرق تجارة اساسية ومصدر للاقتصاد في مملكتي الفور بغرب السودان والفونج بجنوب شرق السودان.2. كان الفور والفونج يشنون حملات مخصصة لاسترقاق الشعوب المجاورة.3. كان اقسي أنواع الرق يمارس في سلطنة دار فور حيث كان يتم استرقاق الأطفال وخصيهم او حتى قطع اعضاءهم التناسلية.هذا الواقع في علاقات الرق في السودان كان واقعا لا انسانياً ولكن حصره وبطريقة ممنهجة تجاه قبائل محددة ليس صحيحا من وجهة نظر تاريخية، لكن الصحيح بكونه قد ارتبط بالمؤسسة الاستعمارية وهي ذات المؤسسة التي ركزت عملية التنمية في الشمال السوداني سواء كان الأتراك او الانجليز وهو الجذر الغائب في التحليل لدي بعض قوي (الهامش).ثالثاً: الهامش والمركز والبعد الدولي في الصراع:عند النظر الي البعد التاريخي والذي نشأت فيه جدلبة (المركز والهامش) سوف نجد التداخل بين العوامل الداخلية والخارجية، وهذا يوضح أن معادلة المركز والهامش لم تكن شأنا وطنيا خالصًا، بل قد كانت ضمن واقع المحور الدولي الذي مثله الاستعمار سواء كان من خلال دور الأتراك في تجارة الرق او دور البريطانيين اللاحق في فصل الجنوب عن الشمال وفق قوانين المناطق المقفولة وتركيز كل مفاصل التنمية في الشمال والوسط.. واذا اخذنا بواقع الحرب الدائرة اليوم في السودان فقد اصبحت هذه القضية جزءًا من لعبة أوسع ترسمها خرائط المصالح الدولية، حيث لم يبقي الصراع بين المركز والهامش وعبر هذه الحرب محلياً خالصاً، بل تحوّل إلى تدخل محاور دولية يدعم كل طرف دولي الأطراف المتحاربة حسب مصلحته حيث تقف مصر مع الجيش والإمارات مع الدعم السريع مع تدخلات اخري عديدة مما يحول هذه القضية الي قضية تفكيك للواقع السوداني اذا لم تفوت الأطراف السودانية المتحاربة هذا الفرصة وتذهب بأتجاه التفاوض حول قضايا السودان كلها خارج صراع البندقية..رابعاً: لقاء حميدتي وعبد العزيز الحلو وسقوط منظور العرق:التحالف الذي نشأ بين حركة عبد العزيز الحلو والدعم السريع بكونه تحالفا بين قوي (الهامش) قد ينظر اليه البعض بكونه تحالفا سياسيا فحسب، لكنه وضمن منظور اشمل فأنه ينفي السردية القائلة بأن التهميش في السودان قد تشكل على اساس ثقافي أو عرقي- اثني، فقوات الدعم السريع ومن خلال تشكلاتها القاعدية تنتمي الي دائرة الثقافة العربية، والتي يتهم حاملوها بنفي الآخرين خارج دائرتها ويمارسون التهميش ضدهم… هذا التحالف والذي جمع بين قوات الدعم السريع ذات المنشأ العربي مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، يؤكد ان التهميش هو حالة تقع على الكل في السودان وبغض النظر عن المكون الثقافي- الاجتماعي، وقد يكون المنضوين تحت لواء الدعم السريع هم في هامش الهامش من حيث البعد التنموي والاقتصادي لأن هؤلاء ما زالت قبائلهم هي قبائل مترحلة وغير مستقرة وليست لديها علاقة بالدولة أصلا قياسا على القبائل المستقرة في دارفور وفي جبال النوبة… وهذا وضمن منظور أشمل يفكك مقولة ان التهميش كله قائم على واقع ثقافي او أثني… كما أن انتقال بعض قوي (الهامش) للمركز للوقوف في صف سلطة بورتسودان يفكك المفهوم الجغرافي للهامش وينفتح الصراع كله على قاعدة السلطة ومن الذي يسيطر عليها، مما يحول بعض قوي (الهامش) الي دائرة( المركز) دون الانتباه لهؤلاء الذين قالوا بتمثيلهم و الذين يحكم عليهم الجيش والحركة الإسلامية بالنفي تحت مفهوم الوجوه الغريبة، مما يحيل فكرة ثبات وجوهرانية (الهامش) الي مجرد خطاب سياسي قابل للتبدل حسب الظرف والمرحلة..خامساً: دور الحركات الاجتماعية في مواجهة السلطة:لم تكن ثورة ديسمبر (2018) مجرد احتجاج عابر، بل كانت زلزالاً شعبياً أعاد تعريف موازين القوى في السودان. فبينما تناقش النخب السياسية صراع (المركز والهامش)، قدمت هذه الثورة نموذجاً لـسلطة الشارع التي تجاوزت الانقسامات الجغرافية والعرقية… لقد وحَّدت الهتافات في الخرطوم ومدن الهامش ضد نظام الحكم الاسلاموي الغاشم، وكشفت أن التهميش الحقيقي هو تهميش الإرادة الشعبية بغض النظر عن الانتماء الإقليمي. ومع ذلك، فإن تحويل هذه الثورة إلى مشروع ديمقراطي دائم تعثّر بسبب:1. عسكرة الثورة: حيث استغل العسكر مطالب المتظاهرين لفرض هيمنة جديدة.2. غياب رؤية مدنية موحدة: مما سمح لبعض القوى المسلحة بملء الفراغ عبر السلاح بدلاً من البرامج السياسية.3. التهميش المستمر للحركات الشبابية: التي قادت الثورة ثم أُبعدت عن صنع القرار.وبالتالي من الدرس المستفادة أنه لا يمكن تفكيك مركزية السلطة دون تمكين القوى الاجتماعية التي ترفض منطق الهيمنة بأشكاله القديمة والجديدة والاستناد علي القوي الجماهيربة في التغيير ..سادساً: نقد المركزية الجديدة للهامش: يمكن القول ان الحرب الحالية والدائرة في السودان اليوم ساهمت في تراجع مركز الخرطوم فعلياً، وصعود قوى مسلحة من (الهامش) مثل قوات الدعم السريع في تحالفها مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو ومعها قوي اخري مما يمكن القول معه، ان قوي (الهامش) قد اصبحت سلطة جديدة تمتلك السلاح وتسعي لتكوين دولة موازية لسلطة بورتسودان مما يدفع باتجاه تكوين مركزية جديدة يتم من خلالها تهميش آخرين لا يتفقون مع تحالف تأسيس، ومن هنا يمكن طرح سؤال: هل يعيد (الهامش) إنتاج (المركز)؟ وللإجابة على هذا السؤال يمكن القول إنه ومع غياب مشروع سياسي مدني شامل وخارج استقطابات الحرب وتداعياتها يمكن ان تبرز نُذر تشكُّل (مركزية جديدة للهامش يتم من خلالها تهميش جهات جديدة (شمال ووسط السودان مثلاً). وفرض رؤية سياسية أحادية باسم الهامش (تحت لافتات الثورة أو العدالة). وكذلك عسكرة المجال السياسي والاجتماعي، وهو ما يهدد ببنية سلطوية جديدة حيث ان تفكيك الخرطوم كمركز يمكن استبداله بمركز آخر دون تفكيك البنية المركزية نفسها.. هذا التحليل يعتمد على طبيعة خطاب قوي الهامش حيث ترفع بعض حركات الهامش شعارات العدالة والمساواة، لكنها لم تطوّر نموذجاً ديمقراطياً تشاركياً حقيقياً…علاوة على ذلك طبيعة الارتباط بالقبيلة/العشيرة/القيادة الشخصية ما زال يغلب على الطابع المؤسسي داخل القوي الممثلة للهامش، إذ ان مفهوم المركزية يستولد دوما من خلال السلطة، وعندما تنشأ دولة وعبر السلاح وفي زمن الحرب فان مثل هذه الدولة قابلة ان تتحول الي مركزية جديدة تنفي جميع الذين وقفوا ضدها وتحتكر العنف لا سيما وان خطاب الهامش يرتكز في بعض جوانبه على اخراج ما يقال عنهم انهم (جلابة) من المعادلة السياسية كلها، وهذا ما قد يشكل بداية حالة تمركز جديدة ونفي لمكونات سودانية…وإذا كانت الضمانات لذلك وكما يري تحالف تأسيس هي المواثيق فإن المواثيق وحدها غير كافية اذا لم يحدث تحول جذري في وعي القوي الموقعة علي ميثاق تأسيس من حيث إدراك أن بنية التغيير تحتاج لتغيير بنية التفكير التي تري ان القوة تكمن في السلاح وحده، حيث ان هذا السلاح يظل قابلا للتحول ليكون مركزا جديدا وكما تقول وثيقة التأسيس بأن الحركات المسلحة تمتلك الحق في الاستمرار في الكفاح المسلح من اجل التغيير وبناء السودان الجديد(٦) اذن ما هو الحل؟ الحل في تقديري يكمن في إعادة بناء السودان على أسس لامركزية ديمقراطية، تتيح لكل الأقاليم سلطات فعلية في إطار دولة موحدة مع ضرورة بلورة ميثاق وطني جامع، لا يخضع لميزان القوة العسكرية، بل لإرادة السودانيين جميعا.إن إعادة بناء السودان تتطلب ميثاقًا وطنيًا شاملا توقع عليه كافة القوي السياسية يضمن توزيع السلطة والثروة بعدالة، ويؤسس لنظام لامركزي يمنح الأقاليم صلاحيات فعلية و يجب أن تُعتمد آليات ديمقراطية واضحة، كإقامة مجالس إقليمية منتخبة، وضمان حياد القوات المسلحة، وربط التنمية ببرامج وطنية شاملة لا بإملاءات القوى المسلحة…خاتمةإنّ التحولات الراهنة في السودان، بما أفرزته من صعود القوى التي تقول أنها تمثل الهامش وتراجع المركز التقليدي ومن خلال حرب ١٥ أبريل، تكشف أننا لسنا أمام نهاية جدلية (المركز/الهامش)، بل أمام إعادة إنتاجها بأشكال جديدة قد تنذر بولادة “مركزيات بديلة” قد تُقصي وتُهمّش باسم العدالة والتحرر… انّ أخطر ما يواجه السودان اليوم ليس فقط استمرار الحرب، بل الانزلاق إلى بناء سلطات أمر واقع تعيد إنتاج منطق الدولة السلطوية التي عطّلت مشروع النهضة منذ الاستقلال. ومن ثمّ، فإنّ تجاوز هذه الحلقة المفرغة يتطلب إعادة تعريف الصراع بعيداً عن الجغرافيا والعرق، والعودة إلى جوهر المسألة السودانية المتمثلة في التخلف التاريخي وبنية السلطة الأحادية والشمولية… وحده المشروع الوطني الديمقراطي والذي يستند إلى ميثاق جامع ويمنح الأقاليم سلطات حقيقية في إطار دولة لا مركزية عادلة، يمكن أن يفتح أفقاً لإنهاء دورة التهميش وبناء دولة المواطنة والحقوق. بذلك فقط، يصبح السودان كله مركزاً لأبنائه، وينهض من تحت ركام الحرب نحو مستقبل يتجاوز جدلية النفي والإقصاء إلى أفق المشاركة..__________________هوامش١-محمد ابو القاسم حاج حمد-السودان، المأزق التاريخي واَفاق المستقبل..دار ابن حزم للطباعة والنشر- بيروت ١٩٩٦- نسخة علي الانترنت.٢- محمد ابو القاسم حاج حمد..المصدر السابق.٣- طارق عبد اللطيف أبو عكرمة- التحريض بأسم التهميش( حين تختزل قضايا العدالة في جغرافيا- مقال في صحيفة الهدف أغسطس ٢٠٢٥..٤- جاي سبولدينق- عصر البطولة في سنار-ترجمة أحمد المعتصم- هيئة الخرطوم للصحافة والنشر – الطبعة الأولي ٢٠١٠- نسخة علي النت.٥-عماد حرزاوي- الرق والجلابة- مقال في الواتساب- ٢٠٢٥٦ راجع وثيقة ميثاق تحالف تأسيس الموقع في نيروبي – الفقرة ٢٠ في المباديء العامة..فبراير ٢٠٢٥**استفاد كاتب المقال من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحرير بعض الفقرات..The post المركزية الجديدة “للهامش” في السودان: محاولة لتشكيل واقع نفي جديد appeared first on صحيفة مداميك.