مهدي داود الخليفةفي ظل الدماء النازفة على تراب الوطن، والتشظي الوطني الذي لم يشهد السودان مثله منذ الاستقلال، تبرز الحاجة المُلحّة لاجتراح قرارات جريئة تنقذ البلاد من الانهيار.وفي مقدّمة هذه القرارات، يطفو على السطح السؤال الأكثر تعقيداً وجرأة:هل يمكن أن يسهم حلّ الحركة الإسلامية السودانية – أو من يتسمون بالمؤتمر الوطني – في وقف الحرب وتحقيق السلام؟لا يمكن الحديث عن حاضر السودان دون مواجهة إرث الحركة الإسلامية التي حكمت البلاد ثلاثين عاماً (1989–2019).خلال تلك العقود:• تحوّل السودان إلى ساحة اقتتال مستمر، بدءاً من حرب الجنوب التي انتهت بانفصال الدولة.• تصاعدت أزمات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، مقرونة بانتهاكات جسيمة.• الأخطر، أنها أسست قوات الدعم السريع كذراع أمني موازٍ، ثم خرجت عن السيطرة لتصبح اليوم طرفاً دموياً في الحرب الجارية.فكيف لحركةٍ أنتجت هذا الخراب أن تكون طرفاً في مشروع سلام وطني؟بعد سقوط البشير، استغلّت الحركة الإسلامية تشرذم القوى السياسية وانقساماتها، فعادت عبر تحالف سياسي وعسكري مع الفريق عبد الفتاح البرهان.هذا التحالف يقوم على:السيطرة على السلطة. وإجهاض مشروع الدولة المدنية. إضافة الي إعادة إنتاج النظام السابق بأدوات أكثر بطشاً وأقل شرعية.وأي حوار معها في ظل هذا الوضع، لن يُقرأ إلا كشرعنة لانقلاب دموي وتجميل لحكم العسكر.الحركة الإسلامية لا تزال تعتقد أنها الممثل الحصري للإسلام في السودان، وأن لها تفويضاً أبدياً للحكم، حتى لو كان الثمن تدمير البلاد.لكن الحقيقة أن الإسلام دينٌ يتسع للجميع، ولا يجب أن يُختزل في تنظيم سياسي مارس القمع والفساد.أصوات من الداخل والخارج أصبحت تنادي بحل هذه الجماعة:في سوريا، ومع إعادة صياغة مشروع الدولة، عاد ملف تنظيم الإخوان للواجهة. هناك دعوات متصاعدة لحلّ الجماعة وحظرها نهائياً باعتبارها أداة لتقويض الدولة الوطنية عبر الأيديولوجيات العابرة للحدود، وسط تشبيه بليغ بأن بقاءها في شكلها التقليدي يجعلها مثل “الديناصورات التي لم تتأقلم مع المتغيرات البيئية”.وأخيرا المستشار الإعلامي للرئيس السوري الشرع و الذي انتمي في فترة سابقة الي التنظيم الإسلامي في سوريا حذّر قائلاً: “وجود الإخوان مدمّر للدولة، ولا يمكن أن تسمح الدولة باستمرارهم، فقد أثبتت التجربة الإقليمية أن وجودهم يقود إلى انهيار الدولة.”في لبنان، ما زال حزب الله يرفض التخلي عن سلاحه، مما جعل الدولة رهينة لقرار جماعة مسلّحة تفوق سلطتها مؤسسات الدولة نفسها (تصريح الشيخ نعيم قاسم: “حزب الله لن يتخلى عن السلاح”)..هذه التجارب تثبت أن الجماعة، حيثما وُجدت، تتحول إلى كيان موازي للدولة يضع مشروعاً عقائدياً فوق مشروع الدولة الوطنية.إذا أراد السودان وقف الحرب وبناء سلام حقيقي، فلا بد من خطوات واضحة:1. حلّ الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني طوعياً، باعتبارهما واجهة للخراب السياسي.2. مؤتمر وطني شامل لا يُقصي أحداً، لكن يُشترط على من يريد المشاركة الاعتراف بجرائمه والالتزام بالدولة المدنية.3. إعادة هيكلة القوات المسلحة على أسس قومية ومهنية، بعيداً عن أي أيديولوجيا.4. مساءلة عادلة لكل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوداني – إسلاميين أو غيرهم – لأن المصالحة بلا عدالة وهمٌ جديد.5. رؤية وطنية جديدة مبنية على المواطنة المتساوية، وإدارة التنوع، وفصل الدين عن السياسة.لا يمكن بناء سلام حقيقي في السودان دون تفكيك المنظومة التي أنتجت الحرب.الحل ليس في الإقصاء العقائدي بل في تفكيك المشروع الشمولي الذي استغل الدين لتدمير الوطن.إن قرار حل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لا يعني حرباً على الدين، بل إنقاذاً للإسلام من التسييس، وإنقاذاً للسودان من التشرذم.ويبقى الشعار الأصدق:الدين لله، والوطن للجميع.The post هل حلّ الحركة الإسلامية مفتاحٌ للسلام في السودان؟ appeared first on صحيفة مداميك.