د. أحمد عثمان عمرتوالت التكهنات وتبادل الاتهامات حول وجود تلوث كيميائي من عدمه بغض النظر عن أسبابه، وتمسكت سلطة الأمر الواقع غير الشرعية بالإنكار لزمن طويل، واطلقت مناصريها ليشبعوا كل من تحدث عنه هجوما واتهامات بالعمالة. في المقابل أصر بعض المعارضين على تبني كامل لموقف الصحافة الاستقصائية الأمريكية، التي لم تكتف بتأكيد وجود تلوث كيميائي، بل أسندته بوضوح إلى استخدام الجيش المختطف والمليشيات التي تقاتل معه للسلاح الكيميائي، بالمخالفة للقوانين الدولية التي تحظر و تجرم استخدامه، حيث تطابق موقف الإدارة الأمريكية معها وبنت عليه إصدار عقوبات. وبما أن مواقف الإدارة الأمريكية لا يمكن الوثوق بها منذ كذبة أسلحة الدمار الشامل البلقاء التي تم على أساسها غزو العراق ونهب ثرواته، وكذلك الأكاذيب حول برنامج سوريا الخاص بالأسلحة الكيميائية، واضطراد استخدامها لهذه الأمور الخطيرة كوسيلة وأداة لاستعمار الدول وتركيب سلطات على مقاسها ومقاس مصالحها بها، كان من الطبيعي أخذ الأمر بكثير من الحذر وعدم الوثوق فيما نشر وما ترتب عليه. في المقابل لا يوجد ما يؤسس للتشكيك فيما نشرته الصحافة الأمريكية الاستقصائية واستبعاده جملة وتفصيلا، خصوصا وأن سلطة الأمر الواقع غير الشرعية لم تحرك ساكنا ولم تتخذ أي إجراءات قانونية في مواجهتها أمام المحاكم الأمريكية، ولا ندري ما الذي منعها من ذلك إن كانت واثقة من كذب ما نشر عن استخدامها وجيشها المختطف وميلشياتها هذه الأسلحة المحظورة دولياً.المفاجأة كانت هي قيام السلطة غير الشرعية بعقد مؤتمر صحفي في عاصمتها المؤقتة بورتسودان لا في العاصمة الخرطوم، التي تواترت التقارير على أنها ملوثة كيميائيا، لتعلن مسؤولة البيئة فيها وجود تلوث، تزعم بأنه ناتج عن قصف مليشيا الجنجويد الإرهابية للمواقع الصناعية!! كذا!! والأساس في هذا الإعلان، هو الإقرار بوجود تلوث لا يمكن إنكاره، خصوصا وان ما جرى من إعلان تم نشره عبر وكالة الأنباء الرسمية (سونا) الناطقة باسم السلطة غير الشرعية. وهذا الإقرار تترتب عليه تبعات بغض النظر عن انه جاء تنفيذا لما اتفق عليه الجنرال الانقلابي المزمن مع مبعوث الرئيس الأمريكي في سويسرا حتى يتفادى تصعيدا أمريكيا. فهو اولا يعزز الاتهام الموجه للسلطة باستخدام الأسلحة الكيميائية، خصوصا وأنه مدعوم بما يلي من قرائن:-١- استمرار السلطة غير الشرعية في بورتسودان وعدم عودتها إلى الخرطوم بالرغم من استردادها منذ زمن طويل. وبالرغم منذ ذلك واصلت الدعاية والتفويج والضغط على المواطنين بصورة غير مسؤولة للعودة استغلالا لظروفهم برغم علمها بوجود التلوث.٢- انسحاب مليشيا الجنجويد الإرهابية المفاجئ من الخرطوم بعد أيام قليلة من تصريح قيادتها باستحالة الانسحاب من الخرطوم دون أسباب مقنعة ودون معارك حقيقية.٣- تكرار قيادة الجيش المختطف مرارا بأنها ستستخدم السلاح المميت.٤- انتشار فيديوهات موثقة لعناصر من مليشيات الحركة الإسلامية المجرمة وهم يستخدمون السلاح الكيميائي علنا.٥- الأمراض الغريبة المنتشرة وسط المواطنين والموت غير المبرر والمفاجئ منها، وكذلك نفوق الحيوانات والطيور، وحدوث حالات إجهاضات وولادة أطفال مشوهين حسب ما هو منقول في الاسافير.٦- روايات شهود عيان يتم النقل عنهم في المادة المنشورة بالأسافير حول مشاهدة استخدام السلاح الكيميائي او مشاهدة آثاره.٧- تردد سلطة الأمر الواقع في السماح بتحقيق دولي لحسم الأمر وعدم استعانتها بفرق دولية متخصصة في معالجة التلوث، في ظل علمها بعجزها التام عن مواجهته وتفادي آثاره.وبكل تأكيد ما ورد أعلاه لا يشكل بينة كافية للإدانة والتأكيد بأن السلاح الكيميائي تم استخدامه، ولكنه كاف جدا للاشتباه بهذا الاستخدام، مما يحتم إجراء تحقيق دولي شفاف، يتوصل إلى نتيجة يؤسس عليها اتهام واضح وإجراءات ضد من ارتكب هذه الجرائم البشعة، التي تعتبر جرائما ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ونحن ندعو علنا المجتمع الدولي لأخذ الأمر بجدية وتكوين هذه اللجنة، وعلى سلطة الأمر الواقع التوقف عن منع فرق التفتيش الدولية من القيام بمهامها، وأن تتوقف عن دعوة المواطنين للعودة إلى الخرطوم، وأن تتوقف عن الضغط عليهم بفتح الجامعات واستدعاء الموظفين للعمل وما إلى ذلك. فالأمر لا يحتمل المناورة والتسييس لتحقيق نقاط او لهزيمة المعارضين، لأنه يتعلق بحياة المواطنين التي حتما لا تهم السلطة المذكورة المتورطة في إشعال الحرب ومحاولة استدامتها، والمرتكبة أصلا لجرائم معظمها تصل عقوبتها إلى الإعدام وفقا للقانون الجنائي وقانون القوات المسلحة.لا شك في ان تقارير الصحافة الاستقصائية الأمريكية و العقوبات الصادرة من الإدارة الأمريكية غير الموثوقة في مثل هذه الأمور، والشواهد السبع الواردة أعلاه، تشكل قرائن قوية لا يمكن تجاهلها او صرف النظر عنها، وإن كانت لا تعتبر بينة كافية للإدانة، لأن الأدانة تبنى على اليقين بعد اكتمال التحقيق وتوجيه الاتهام. لذلك لا مناص من تعيين لجنة تحقيق دولية للبحث في الأمر والوصول إلى نتيجة. وحتى يتم ذلك، ندعو جميع المواطنين إلى عدم الاستجابة للدعاية الفجة للتفويج للعودة إلى الخرطوم مهما كانت التضحيات الناتجة من عدم العودة، وإلى الضغط على سلطة الأمر الواقع غير الشرعية حتى تتوقف عن التلاعب بأرواح المواطنين، وتسمح بتحقيق دولي شفاف.وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!The post التلوث الكيميائي بين الإنكار والإقرار (لا بد من تحقيق دولي شفاف ومعالجة عاجلة) appeared first on صحيفة مداميك.