العودة إلى المنافي

Wait 5 sec.

قصة: أسامة كبلو• كما هو متوقع تماماً كانت رحلة العودة من منافي النزوح ، مرهقة وشاقة ، هذا التوقع المسبق وحده جعل كل أمر ممكن .. الحقيقة أنني شخص واقعي تماماً أضع كل شيء تحت تصرف العقل ولا شيء غير المنطق والعقل .هكذا لم يكن صلف الجنود النظامين أو حتي الصغار الذين تطوعوا لخوض حرب لا تخصهم ، بالأمر الشاذ أو الغريب ..الجميع ينظرون إلي العائدين من المنافي بشيء من الاحتقار ، نظراتهم المتعالية تقول بكل مكر ، لقد هربتم من المعركة بينما بقينا نحنا ندفع عنكم عار هروبكم المخزي ..كان حوار صامت تنطق به العيون وهي تتنقل بين الامتعة والأوراق الثبوتية ..لم يكن هذا الاستقبال العدائي الصامت صادما أو مفاجئا لي لقد كنت اتوقعه وادركه مسبقا ..لذا تعاملت مع الأمر ببرود وتحدي ساخر في بعض الأحيان ..لاحقاً سوف أتذكر تلك اللحظات ، وأنا أهم بأرسال آخر رسائل التحدي لعالم لم يتقبلني ، لكني تقبلته علي علاته ، بل وتصالحت معه .. أنا الماركسي الثوري الذي يخضع كل شيء لصوت العقل فقط لا غير ..قبل رحلة العودة بأيام معدودة ، داهمني صديق بسؤال صادم : لماذا نزحت ؟كنت أتوقع أن يكون السؤال ( لماذا تعود) ؟أنت تعلم اني خرجت مناخرا من مناطق النزاع .. اجبته بنزق ..متي ستعود ؟تسألت ، وكنت أرغب في أن أضيف لماذا ستعود ؟ولسوف استعيد بقية هذا الحوار أيضا وأنا في طريقي إلي مبني البرلمان المهجور منذ أعوام عديدة ..في الطريق إلي البرلمان تأملت وجوه الناس المتعبة ، كانت النظرات تبدو فارغة وبلا معني ، الكل ساهم وغارق في عالمه الخاص ، فكرت هل وجهي أيضاً يحمل نفس تلك التعابير ، شعرت بغثيان مفاجئ أثر تلك الرؤية ..استوقفنا الجنود الملثمين ، طرحوا علينا الأسئلة المكررة ..تسأل احدهم عن زجاجة الوقود التي بحوزتي .. تلعثمت قليلاً واجبت بكلام غير مفهوم حتي بالنسبة لي ..لكنه لم يكن يستمع لي فقد كان مهتم أكثر بفتاة يبدو أنها حزينة ومذعورة في الوقت نفسه ..أمام بوابة البرلمان توقفت أخرجت السيجارة الوحيدة .. واشعلتها بهدوء ، راقبت الدخان يتلوى في حلقات متخذا مسارا إلي فضاء مجهول .. وغامض ..ومع آخر الانفاس سكبت زجاجة الوقود علي رأسي واشعلت القداحة .The post العودة إلى المنافي appeared first on صحيفة مداميك.