“الجنجويد” والخطو بقَدَمِ الإمارات: الخطاب في سفورهِ بعد طولِ خفاء

Wait 5 sec.

صلاح الزينلم تكن الفاشر مدينةً مثل غيرها من المدن. بل هي الفضاء الجغرافي والمكاني لخطابِ ما وراء البحر والضوء. فالخطاب يَلزَمه حوامل ومنفذون، مفكرون وسماسرة، بندقية ومستأجرون. يتحسس وقع خطواته ويُبدِّل قدميه ونعاله إنْ دعت الضرورة.سقوط الفاشر في يد الجنجويد هو هو استكمال المشروع العربسلامي الذي استَحدث قوات الجنجويد واستنبتَهُم من ضِلعِهِ كبندقيةٍ مستأجرة قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان وإلحاقهم ببنية ذات الخطاب.إحلالٌ وتغييرٌ ديموغرافي وتهجير سكان دار فور ونزع حواكيرهم ليصبحوا شعوبًا تقطن المعسكرات ويتوزعوا في الشتات في الداخل والخارج. اقتلاعهم من جذورهم الجغرافية والثقافية حتى يصفو المكان من ما يمكن أن يعكر صفاء العروبة والدين. أثننة الدين ببتر الأطراف التي ليس لها من الأنساب العربية ما يُمَكِّنها من ارتياد الدين ووعود السماء.إنه المشروع العربسلامي عندما يُبدِّل يدَ السياسة بيَدِ الدين لاستكمال مشروعه الفكري مما حمل داؤود يحيى بولاد، في تسعينات القرن الماضي، أنْ يَهجرَ المشروع العربسلامي ويُبدِّله بمشروع السودان الجديد لدى الحركة الشعبية: الانتقال من سؤال السماء لسؤال الأرض والتاريخ، من النقاء والطُهر إلى ما هو الأصل في الوجود والصراع الاجتماعي.وما كان لداؤود يحي بولاد أن يشهد أن تكون لهذا المشروع أنسابٌ محلية وإقليمية، تمفصلات دولية وجغرافية بها يكون ذات المشروع نافذةً تفتح على كل ما هو محتمل من تفتيتٍ جغرافيٍّ يخفي خلفه أطماعًا إقليمية ودولية.اِنسدَّ المشروع ببنية تناقضاته والتي هي هي استطالةٌ لتناقضاتِ بنية الدولة الكولونيالية. أُسقطت دولة المشروع لتُفجِّر حربها في أبريل 2023 لتكون الحرب حتم ضرورة تاريخية تستعلن ما كان مخفيًّا: اختناق خطاب الدولة الكولونيالية بتناقضاتٍ بنيويةٍ لازمةٍ لها تستدعي تفكيكها وهدم حواملها الطبقية والسياسية والفكرية كما أفصح عن ذلك الديسمبريون في 2018.سقوطُ مدينة الفاشر استكملَ سقوطه قبل اجتياحها بواسطة الجنجويد في 26 من أكتوبر 2025. كان ميلاد سقوطها في فبراير من ذات العام في ضاحية من ضواحي نيروبي، كينيا، ليكون سقوط المدينة بِعُمرِ ثمانية أشهر قبل ميلاده وليصبح الميلاد اللاحق موعدًا لخراب المدينة وفناء من فيها.في فبراير من عام 2025 انفصل رأس “جانيوس” الجنجويدي من توأمه الفلولي انفصالًا لا يَخرج به عن سلطة خطاب حرب أبريل 2023. إنه خروجٌ عن بنية الخطاب اقتضته سُلطةُ ذاتِ الخطاب حتى كان الخروج هو هو دخولًا لتعضيد الخطاب ومنحه مزيدًا من الفتوة إنْ وهن الخطو منه وحتى لا يفقد الإله “جانيوس” سلطة ربوبيته وقداسته.فكان ميلاد “تأسيس” والتي ليست إلا مغسلة ومطهرًا لما لحق بعباءة الجنجويد من دماء الضحايا في كلا الطفولة والرشد: الأُولى بتهجير سكان دار فور قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان بينما بلغت الرشد في اجتياح الخرطوم وولاية الجزيرة لاحقًا. الأُولى، الطفولة، كان الجنجويد بندقيةً مستأجَرة لإطلاق رصاصة المشروع العربسلامي على ما يروا فيه عائقًا لمشروعهم الذي ينشد النقاء دِينًا وعِرقًا، بينما بلوغ الرشد كان الإدعاء بمحاربة التوأم، توأمهم الفلولي. وما بين الرشد والطفولة كانت المرايا ذات المرايا: تهجير وسرقة واغتصاب.بما يملكون من قوةٍ عسكرية وموارد مالية وسَندٍ إمارتي غير خفي ولا تعلوه شبهة حياء أسّسوا “تأسيس” لتكُونَ الذراعَ النافذ لتحقيق طموحات دولة الإمارات والتي هي ليست سوى جسر، بوصفها “إمبريالية طرفية”، لشَهِيّاتِ رأس المال المعوْلَم للسطو على موارد السودان الظاهر منها والباطن ولما يملكه من موقعٍ بمميزات جيوسياسية ومائية.هكذا أصبَحَ، مَن كان ذات يومٍ مستأجَرًا لاستكمال المشروع العربسلامي، مؤجَّرًا لاستكمال ذات المشروع بتناسلاته الإقليمية والدولية. فكان ميلاد “تأسيس” حتى تكون لسانَ خطابهِ السياسي بأطروحةٍ تقول بالدفاع عن حقوق الهامش والمهمشين. ذات المهمشين وجغرافياهم التي أُحيلت إلى معسكرات “زمزم” و”الشواك” ليكتمل الإحلال والتهجير فيزيقيًا وثقافيًا ويكون اكتمال قوس الخطاب العربسلامي. الارتزاق لا وطن له والمرتزق كائن كوني وبلا شجرة نَسَب يُنسَب إليها.اكتمال الخطاب العربسلامي بحوامِلهِ الطبقية والفكرية والسياسية مبنِيٌّ على ضرورة تسييل الدولة وإزاحتها وتدميرها عند تقاطع المصالح الإقليمية والدولية تحت شجرة “تأسيس” التي أنبَتَها الجنجويد كمفصلٍ ومستوىً من مستويات بنية الخطاب الذي باستوائه يكون موت الدولة واندثارها ليكون اكتمال قوس الخطاب: اللادولة.الجنجويدي لا يحتاج حربًا ليَقتُل كما لا يحتاج مفكروه لقراءة الاقتصاد السياسي للفكر ليكتبوا ويقولوا، يكمّلان بعضهما البعض قلماً و رصاصةً. ما لم يكتمل في “الجنينة” يُكمَل في الفاشر كمَوْقِعَيْن في جغرافيّة الخطاب، الخطاب بوجهه الجنجويدي المحمول على أجنحةِ ما وراء البحار ودولة الإمارات بوصفها إمبرياليّة طرفية توسع في المكان لشهوات رأس المال المعولم.هكذا بدأ السفور الخفي والخجول في فبراير 2025 في إحدى ضواحي نيروبي عندما انقسمت برتقالة (قحت) إلى نصفين: “صمود” و”تأسيس”. لتكون الأخيرة بجرأةٍ وفصاحةٍ بها تعلن تأسيسَ حكومةٍ موازية ليكون سقوط مدينة الفاشر في أكتوبر 2025 ممهورة بقلمٍ إماراتي ما عجز يومًا، بشهادة المجتمع الدولي والمحلي، لحمل الجنجويد، بما يزوّدهم من مال وسلاح ورشاوى، لإنجاز وإكمال مهمة تسييل الدولة.مستأجرٌ يؤَجِّر أجيرًا آخرا ويكون سقوط مدينة الفاشر مقهى اللقاء !!!The post “الجنجويد” والخطو بقَدَمِ الإمارات: الخطاب في سفورهِ بعد طولِ خفاء appeared first on صحيفة مداميك.