تأخر البيانات العسكرية من قبل الجيش السوداني ليس أمرًا عشوائيًا أو ناتجًا عن بطء إداري، بل هو نتيجة طبيعية لعملية دقيقة تمر بعدة مراحل من المراجعة والتدقيق قبل أن تُعرض على الرأي العام. فالبيان العسكري في السودان — شأنه شأن أي مؤسسة نظامية — يُعد وثيقة رسمية تتطلب دقة في المعلومة وحذرًا في التوقيت والمضمون. وفي هذا المقال نستعرض المراحل التي تمر بها عملية إعداد البيان العسكري حتى لحظة نشره.المرحلة الأولى: جمع المعلومات الميدانيةتبدأ العملية من الميدان، حيث تتولى وحدات الاستطلاع والاستخبارات العسكرية وقادة المناطق الميدانية جمع المعلومات الأولية.وتُستخدم في ذلك عدة وسائل، منها التقارير المكتوبة التي تُرسل عبر أجهزة الاتصالات أو المراسلات العسكرية، والإشارات اللاسلكية القادمة من قادة الوحدات في الخطوط الأمامية، بالإضافة إلى الصور والفيديوهات التي توثّق السيطرة على المواقع أو نتائج العمليات.ويهدف هذا العمل إلى تحديد ما حدث بدقة، سواء كان هجومًا أو تقدمًا أو انسحابًا أو تدميرًا لمعدات العدو، لتكون الصورة واضحة أمام القيادة.المرحلة الثانية: التحقق والمطابقةبعد جمع المعلومات، تنتقل العملية إلى مرحلة التحقق، وهي من أكثر المراحل حساسية.يتولى هذه المهمة شُعبة الاستخبارات العسكرية بالتعاون مع غرفة السيطرة وقادة الوحدات الميدانية.يتم خلال هذه المرحلة مقارنة التقارير من أكثر من مصدر لتجنّب التضارب، والتأكد من صحة المواقع والأرقام المتعلقة بالخسائر أو الغنائم.وغالبًا ما تستغرق هذه المرحلة ساعات أو حتى أيام، تبعًا لتطورات الميدان والموقف العملياتي العام.المرحلة الثالثة: الصياغة الإعلاميةبعد التأكد من دقة المعلومات، تُحال البيانات إلى مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، حيث يقوم مختصون بصياغة البيان بلغة رسمية منضبطة ومقتضبة، تراعي حساسية المعلومات العسكرية.وفي بعض الحالات، يُرفق البيان بصور أو فيديوهات توثيقية.قبل اعتماده للنشر، يمر البيان على مراجعات متعددة تشمل المستشارين الإعلاميين والأمنيين، لضمان خلوه من أي تفاصيل قد تُستغل أو تُفسر بشكل غير صحيح.المرحلة الرابعة: الاعتماد والنشربعد استكمال المراجعات، يُعتمد البيان من القيادة العامة للقوات المسلحة، ليُعلن رسميًا عبر التلفزيون القومي أو الإذاعة السودانية، وأحيانًا عبر الصفحة الرسمية للجيش على فيسبوك أو من خلال بيان صحفي مكتوب.وفي بعض الحالات الميدانية الصعبة، يُكتفى بتسجيل صوتي أو فيديو مباشر من الناطق الرسمي، عندما لا تسمح الظروف بإصدار بيان مكتوب.المرحلة الخامسة: المتابعة والتحديثلا تنتهي العملية بنشر البيان، إذ تتابع القيادة العسكرية ردود الأفعال المحلية والدولية بعد صدور البيان.وفي حال ظهور معلومات جديدة أو أخطاء ميدانية، يُصدر بيان مكمّل أو توضيحي لتحديث الموقف.كما يواصل الإعلام العسكري مراقبة الروايات المقابلة التي تصدر عن الأطراف الأخرى، لتصحيح أي معلومات مغلوطة أو دحض مزاعم مضادة.خلاصةتأخر البيانات العسكرية في السودان ليس ناتجًا عن تباطؤ، بل هو انعكاس لعملية دقيقة تحرص فيها القوات المسلحة على أن تكون المعلومة صحيحة، وآمنة، وملتزمة بالمسؤولية الوطنية والإعلامية.ففي ظل ظروف الحرب والتعقيدات الميدانية، تصبح الدقة أهم من السرعة، والبيان العسكري ليس مجرد خبر، بل وثيقة رسميةتعبّر عن موقف الدولة في لحظة حساسة من تاريخها.