“كل عام وأنتم بخير” … سؤالٌ قبل أن تكون تهنئة

Wait 5 sec.

لبنى إدريسيطل علينا عام جديد، فنعتاد أن نقول، كل عام وأنتم بخير.نقولها سريعًا كأنها عادةٌ لغوية، أو أمنية نعلقها في الهواء ثم نمضي.لكن… هل نحن فعلاً بخير ؟هل الوطن بخير؟هل الأهل بخير؟هل الإنسان في السودان بخير؟أن نكون بخير لا يعني فقط أن نكون أحياء، أو أن تمر الأيام دون رصاصة طائشة أو مرض مفاجئ أو جرح ظاهر..فالحياة ليست عداً للأنفاس، بل كرامة تُصان ومعنى يُعاش.أن تكون بخير يعني أن تنام دون خوف من اقتحام أو قصف، أن تخرج من بيتك وأنت واثق أنك ستعود، أن لا تُهان لأنك تطالب بحقك، وأن لا تتحوّل أبسط مقومات العيش إلى حلم بعيد.في السودان، صار سؤال “هل نحن بخير؟” سؤالًا موجعًا، ثقيلًا لا يُجاب عنه بسهولة.كيف نكون بخير في وطن أنهكته الحروب، ومزّقته الصراعات وأرهقته الانقسامات؟كيف نكون بخير؟ وأحلام البسطاء تتحطم كل يوم، لا لأنها مستحيلة، بل لأنها ولدت في زمنٍ قاسكيف نكون بخير، وهناك نساء تُنتهك كرامتهن في صمت؟نساء يُغتصبن لا لذنب ارتكبنه، بل لأن الفوضى حين تسود لا تفرق بين بريء ومذنب.كيف نكون بخير، وهناك أمهات يحملن هذا الوجع وحدهن، بين خوفٍ من الوصمة، وألمٍ لا يجد عدالة، وليل طويل بلا إنصاف؟كيف نكون بخير، وهناك أطفال يموتون جوعًا؟أطفال لم يختاروا الحرب، ولم يفهموا السياسة، ولم يرتكبوا خطيئة سوى أنهم وُلدوا في المكان والزمان.كيف نكون بخير؟ وطفل يبحث عن كسرة خبز بدل أن يبحث عن لعبة، ويتعلّم معنى الخوف قبل أن يتعلّم الحروف..كيف نكون بخير؟ وهناك قرى تُحرق، وبيوت تُنهب، وناس يُهجرون قسرًا من أرضهمكيف نكون بخير؟ والنزوح صار رقمًا، واللجوء صار قدرًا، والغربة صارت وطنًا مؤقتًا لا يشبه الوطن..لسنا بخير حين يصبح الخوف رفيق الصباح والمساء.لسنا بخير حين تُقاس النجاة بعبارة “الحمد لله عدّت على خير”لسنا بخير حين تفقد الأم ابنها، ولا تجد حتى حق البكاء الآمن، وحين يُدفن الألم سريعًا لأن الوقت لا يسمح بالحزن.لسنا بخير حين يكبر الطفل قبل أوانه، لأنه رأى ما لا يجب أن يُرى، وسمع ما لا يجب أن يُسمع.لسنا بخير حين تصبح الكرامة ترفًا، والاستقرار حلمًا مؤجلًا، والعدالة وعدًا بعيد المنال.ومع ذلك…وبرغم كل هذا الألم، لا يزال في السودان ما يستحق الحياة.لا تزال في أهله قلوب تعرف الرحمة، حتى وهي مثقلة بالجراح.لا تزال هناك أيدٍ تمتد للعون حتى وهي خاوية.لا يزال في هذا الوطن صوت للحق وإن خفت، ونبض للأمل وإن تعثّر.فالشعوب التي عرفت القهر طويلًا تعرف أيضًا كيف تصبر، وكيف تنهض وكيف تعيد بناء نفسها من تحت الركام.نحن لا نطلب معجزة بل عدلًا.ولا نطلب رفاهية بل كرامة.ولا نطلب المستحيل بل وطنًا يتّسع لأبنائه جميعًا، دون خوف ودون إذلال وتمييز.وفي مطلع هذا العام الجديد، قد لا نملك كثيرًا من أسباب التفاؤل على الأرض، لكننا نملك ما هو أعمق،نملك إيمانًا لا يُهزم بأن عدل السماء لا يضيع، وأن الدعوات الصادقة لا تُردّ، وأن الليل مهما طال سيطل علينا الفجر..نثق أن السودان مهما انكسر لن يُهزم، وأن الحق سيجد طريقه يومًا، لأن الله لا يخذل المظلومين.فكل عام وأنتم بخير…دعاءً وأملًا ووعدًا بأن الغد بإذن الله سيكون أعدل وأقرب للكرامة.علينا أن نتمسّك بالأمل، لأن بدون أمل لا تكون هناك حياة.The post “كل عام وأنتم بخير” … سؤالٌ قبل أن تكون تهنئة appeared first on صحيفة مداميك.