خيال الحرب ( 8 )

Wait 5 sec.

صلاح الزينوالخيالُ وسيلةُ العاجز لعبورِ نهرٍ أو كتابةِ قصيدة: الأول يحتقب يديه ويمكث عند الشاطئ يتأمل عجزَه بينما الأخير يلقي بصنارة عجزِهِ في ماء القصيد ويظفر باليباس.والحربُ فاسٌ، فاسٌ مثلومٌ يَقوَى على قتل الأحياء، وبمعجزةٍ ينجو الخيال من خيبات وعثاءِ القتلِ ذاك ويرتفقُ بغبارٍ يأتي من المستقَبل، صبيحة القادم ولا يندثر. فيكون الخيالُ، سرمدَ الحقيقة، محمولَ جوفِ المرايا حتى في الظلام.يخلعُ خَيالُ ما قبل الحرب زيَّهُ المألوف ويلبَس مِعطفَ واقعِ ما بعد الحرب، كما ثعبان يُبدِّل جِلدَهُ ليكون، مثله ومثل سائر مخلوقات الله، بأسنانٍ و سُمٍّ زُعاف أو بدونهما ويقول:“من تداعيات الحرب .. قرَّبتني شديد من إخوتي واخواني.. كل زول في بلد .. بقينا نتواصل يوميًا وشعرنا بقيمة “الزمن” وعرفنا بعض اكتر ..ما اتحسرنا بعد ما بيت الأسرة والعربات ضاعت..بقى لا عندنا بيت ولا سكن بالخرطوم ..بس لقينا أرواحنا وقُربَنا من بعض شديد ..حتمًا حنرجع بشعورٍ deep appreciation to what we took for granted “هكذا يكتملُ وينعقدُ انتصارُ الفأسِ المثلوم والمفلطَّح على صِنوِه ربيب السيف كما تنتصرُ فراشةٌ برفيفِ جناحين على وردةٍ أقعدَها الندى!!فالحرب شهوةُ الخيال لمخيلة تَرى في المُعطى والمبذول ما يراه النسر من علٍ ، من علٍ ولا يخطيئُهُ وإنْ كان ظلَ منقارِهِ. الحرب نِسرٌ لا تُخطيء فريستَها والحيز.الحرب أطروحة تسائِلُ مخيلةَ المكان القَبْل الحرب كمقدمةٍ لسؤالِ ذات المكان في الما بعد الحرب: تسائِلُ يقينَهُ ولونَ الطلاء.وكما المحار مخزن أسرار ثرثرة الموج، الحربُ قبوُ المخيلة والخيال الموارب.تتناسل مخيلتُها وهي “هناك” فتُنجِبُ سَرديتَهُ، أعني ال”هناك” فيكون للمكان اِنوجادً آخرَ يوازي فيزيقيتَهُ وهُيولَهُ، يُرى ولا يَرى.ولل”هُنا” فضيلةُ الانتظار وهو يتأمل، من غير عَجلةٍ وجِلة، ميلادَ توأمِ السردية الموزَّع بين ثديٍ “هناك” وقمطٍ “هنا”. فالحرب طفولةٌ لا تشب عن الطوق ولا تنسى الحبو!! وكما الكبار، لها في الركض ولعٌ ونصيب.في الحرب، كما في الأدب، خيالٌ نقدي يرى إلى موضوعِهِ كفضاءٍ منسوجٍ من علاقاتٍ تتحاور فيما بينها من غير إغفالٍ لخارِجِها المجاور حتى تكتمل طبوغرافيتها ويكون للمكان وموجوداته قسمةً فيها.هي نَصٌ محايثٌ لِحبرٍ وقلمٍ لم يخط نَصَّهُ بعد. سوقٌ عامرٌ بخيالِ حديثِ المجالس وهي ترعى ما تعرِضَهُ من غير أن تكون معنيةً بمصائر ما تبيع.كما خيالُ النقد، للحرب مخيلة لا يضنيها سأم الانتظار ولا حتى خيباته.الحرب فيها من صفات الخلود ما يجعلها تخطو بأقدامِهِ وتنتعل حذاءه.الديمومة ظِلُّها وجينالوجيا شجرةِ نَسَبِها.كما الخيال، خيالُها، لا تعتذر إنْ ذلَّ خطوُها. فالخيال لا يعتذر وإنْ فعل يكون رحمةً للعالمين ليصلحوا مخدات قيلولاتهم فيكون النعاسُ بِرْكةَ عطشِ الأرق واحتمال لوحةٍ في أصابع رسامٍ ومرسمٍ في أقاصي اللون.ذات خيال ديمقراطي، أعني الحرب، بِذرتُها تَحمِلها الرِيحُ في لهثها في أربع جهات الأرض، تباركها السماء وتشملها عين البصيرة بأهدابٍ ينقُصُها كُحلُ المساء.كفضيحةٍ، الحربُ مبذورةٌ ومبذولةٌ في سوقِ الخلود لمن يشتري أو يقْفِلُ صِفر الكتفين. تُغَلِّفُ بضاعتَها بسرابِ السحاب كغيمةٍ أضاعت رُشدَ حِكمتِها ومشيئةِ الرِيح.سفورُ عورةِ مِخيالِها لا تخطِئُهُ الفكرة والقصيدة ولا فزعُ التاريخ من نكوصهِ وقُدَّ ثَوبُهُ من دُبرٍ أو أمام.الحربُ إسفنجةٌ شبقةٌ تُواقِعُ بلا نزقٍ واشتهاء كصلاة وضؤوها عورة الماء أو إله يغفر لعباده إنْ نسوا تحيتَهُ وطقسَ الصلاة.هي، وأعني الحرب، كائِنٌ إحلالِيٌّ يطرقُ الباب الموارب والآخَرَ المسدود، ولا ينتظر الإذنَ بالدخول إذ أنه أصلًا هناك، هناك فقط خرج ليعود، أو عكس ذلك.ولأنها كذلك، كذلك يكون خيالها: لها في الما قبل وطرٌ وقَوْلٌ وفي الما بعد وسْمٌ وحكمة.عطرُها لا يَفنى وإنما يغيِّر هبوب المسار.وبعدالةٍ مِن سِماتِها، تنشرُ غبارَ وقْعِ خطواتها على الواقفين على رصيف مسارها وتشملهم كما تودُّ شملهم أو يودون كيفية انشمالهمThe post خيال الحرب ( 8 ) appeared first on صحيفة مداميك.