مهدي داود الخليفةيعيش السودان اليوم واحدة من أسوأ لحظاته التاريخية منذ الاستقلال. الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 لم تدمّر فقط المدن والقرى والبنية التحتية، بل كشفت أيضًا عن عمق الأزمة البنيوية التي تواجه الدولة السودانية: أزمة هوية سياسية، وصراع بين مشروعات متعارضة للدولة. في قلب هذه الأزمة، تقف الحركة الإسلامية السودانية كفاعل رئيسي، ليس فقط من خلال تاريخها الطويل في الحكم، بل أيضًا من خلال شبكاتها التي ما تزال تؤثر في مجرى الصراع الراهن.ومع ذلك، فإن أي مقاربة واقعية لإيقاف الحرب وبناء سلام مستدام لا يمكن أن تكتفي بخطاب الإقصاء التام، ولا بقبول غير مشروط، بل تحتاج إلى معادلة دقيقة توازن بين المساءلة والاندماج، وبين العدالة والاستقرار.دور الحركة الإسلامية في إجهاض فرص السلام:منذ انقلاب 30 يونيو 1989، كرّست الحركة الإسلامية ما سمّته “المشروع الحضاري”، الذي كان في جوهره مشروعًا لاحتكار السلطة وإقصاء الآخرين.خلال ثلاثة عقود، أعادت صياغة أجهزة الدولة عبر سياسة “التمكين”، وخلقت شبكات اقتصادية وأمنية ظلّت حاضرة حتى بعد سقوط البشير عام 2019.عند اندلاع الحرب في 2023، وظّفت الحركة وجودها داخل المؤسسة العسكرية وشبكاتها المالية لتغذية النزاع، باعتباره وسيلة لإعادة إنتاج نفوذها السياسي.هذه الحقائق تجعل من الصعب على الرأي العام السوداني والإقليمي والدولي تقبّل عودة الإسلاميين إلى الحكم دون شروط أو مراجعات.هنا يبرز سؤال جوهري: هل يمكن استبعاد الإسلاميين بالكامل من العملية السياسية؟الإقصاء المطلق: قد يبدو مبررًا بالنظر إلى تاريخهم في الاستبداد والحروب الأهلية. لكنه يحمل مخاطر حقيقية، إذ سيتركهم في موقع “المخرّب من الخارج” لأي تجربة انتقالية جديدة.الاستيعاب المشروط: يتيح إدماج من يلتزم علنًا بالديمقراطية ونبذ العنف وفصل الدين عن الدولة، مع استبعاد من تورّطوا في الفساد والجرائم. هذا الخيار يمنح العملية السياسية فرصًا أكبر للاستقرارخطوات عملية لبناء معادلة مقبولةلإيجاد توازن وطني بين المساءلة والاندماج، يمكن اعتماد رؤية تقوم على:العدالة الانتقالية: محاسبة جميع من تورّطوا في جرائم الحرب والفساد، بما يشمل قيادات الحركة الإسلامية وغيرهم.التفكيك المؤسسي: إنهاء سيطرة الإسلاميين على الجيش والأمن والاقتصاد، وتصفية شبكات التمكين.الاستيعاب الانتقائي: السماح بعودة أفراد أو مجموعات تعلن التزامها الواضح بمبادئ:مدنية الدولة.نبذ العنف والعمل المسلح.الفصل بين الدين والسياسة.حوار وطني شامل: يضمن مشاركة القوى المدنية، الشباب، النساء، والمجتمع الأهلي، لتوسيع قاعدة الشرعية بعيدًا عن معادلات المحاصصة الضيقة.دور المجتمع الدولي والإقليمي: الضغط من أجل ضمانات مؤسسية للانتقال الديمقراطي، مع تجنّب الوصاية التي تُستخدم ذريعة لتعبئة خطاب الرفض من قبل الإسلاميين.مقاربة دبلوماسية متوازنةينبغي أن تقوم الخطابات السياسية والدبلوماسية على قاعدة:رفض عودة الاستبداد بأي صيغة.قبول الاندماج المشروط لمن يلتزمون بالتحول الديمقراطي.التأكيد أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدولة السودانية يجب أن تقوم على عقد اجتماعي جديد تتساوى فيه الحقوق والواجبات بعيدًا عن أي أيديولوجيا إقصائية.الحرب في السودان ليست صراعًا عسكريًا فقط، بل هي امتحان وجودي للدولة. استمرارها يعني تفككًا أوسع ومجاعة وانهيارًا اقتصاديًا طويل الأمد. أما إيقافها فيتطلب رؤية شجاعة تعترف بدور الحركة الإسلامية في صنع الأزمة، وتضع شروطًا صارمة أمام مشاركتها المستقبلية.إن الإقصاء الكلّي خطر، والقبول غير المشروط خطر أكبر. ما بينهما يكمن طريق ثالث: عدالة بلا انتقام، واستيعاب بلا استسلام، من أجل أن يعود السودان دولة لكل أبنائهThe post حول ضرورة إيقاف الحرب في السودان appeared first on صحيفة مداميك.