الفريق ياسر العطا.. الشجاعة الحقة أن ننتصر للسلام

Wait 5 sec.

بقلم: مهدي داود الخليفةاستمعت إلى كلمة للفريق ياسر العطا وهو يخاطب جمعًا من ضباط وجنود القوات المسلحة، متحدثًا بثقة بأن الجيش، كما تمكن من إخراج قوات الدعم السريع من أم درمان والخرطوم والجزيرة، قادر على أن يواصل الزحف لتحرير كردفان ودارفور وتطهير البلاد من المليشيات.كانت كلماته حماسية ومفعمة بروح الجندية والانتماء، تعكس شخصية مقاتل أصيل خبر ساحات القتال منذ سنوات طويلة. فالفريق العطا من الضباط الذين عُرفوا في السودان بشجاعتهم وفروسيّتهم، ومن الذين شهدت لهم أحراش الجنوب وميادين الجهاد العسكري بالبسالة والانضباط. كما عرفه الوسط الدبلوماسي حين عمل ملحقًا عسكريًا بجيبوتي، فجمع بين شرف الميدان وحنكة التمثيل الخارجي، وهي ميزة قلّ أن تجتمع في رجل واحد.غير أن التاريخ يعلمنا أن الشجاعة لا تكتمل إلا حين تنتصر للحياة.تاريخ الأمم لا يُصنع فقط في ساحات الحرب، بل يُصنع – على نحو أعمق وأبقى – في ساحات السلام. فالشجاعة الحقيقية ليست في كسب المعارك، بل في كسب السلام، حين تتخذ القيادة القرار الأصعب: وقف النزيف من أجل وطنٍ أنهكته المآسي.لقد طُرحت في الأيام الماضية مبادرة الرباعية الدولية لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، تمهيدًا لتسوية شاملة تُعيد الحياة إلى السودان، وتفتح أبواب الأمل أمام شعبٍ أنهكته الحرب. تلك المبادرة، مهما كانت دوافعها، تمثل فرصة تاريخية لأن نضع السلاح جانبًا، ونفتح صفحة جديدة نحو الوطن.السودان هو الخاسر الأكبر من استمرار الحرب.فقدَ أغلى أبنائه، وتشرّد الملايين إلى دول الجوار، وتعطلت المستشفيات والمدارس، وصار أكثر من أربعة عشر مليون طالب خارج مقاعد الدراسة. مدن بأكملها تحولت إلى أطلال، وثروات البلاد تُنهب نهارًا جهارًا، بينما يتراجع اقتصاد الوطن إلى حافة الانهيار.كل يوم يمرّ، يتعمق الشرخ الاجتماعي، ويزداد خطاب الكراهية، وتغدو النفوس أكثر امتلاءً بالمواجع والأحقاد. وكلما طال أمد الحرب، صار من الأصعب لملمة الجراح، وغدت الندامة يوم لا ينفع الندم.نعم، القوات المسلحة تملك تاريخًا من البطولات التي نفاخر بها جميعًا، ولكن ما أحوج السودان اليوم إلى أن يضيف جيشه إلى تاريخه العسكري المجيد انتصارًا للسلام. فالحروب، مهما امتدت، لا تبني وطنًا، بل تهدمه. والقيادة الحقة ليست في رفع السيوف، بل في خفضها من أجل الغد.إن شعب السودان ينظر إلى قادته اليوم لا كقادة معارك، بل كصنّاع مصير. والمسؤولية التاريخية التي يحملها الفريق ياسر العطا ورفاقه تتجاوز النصر العسكري إلى النصر الأخلاقي والوطني: أن تتوقف الحرب، وأن يبدأ البناء، وأن تتصالح القلوب قبل البنادق.لينتصر أبناء الوطن الواحد من أجل بلادهم، قبل أن يضيع ما تبقّى.فالأوطان لا تُبنى بالثأر، بل بالعفو والحكمة.وما أحوج السودان اليوم إلى من يملك شجاعة القرار.. لا شجاعة البندقية.لقد حان الوقت لأن نعيد الاعتبار للإنسان السوداني، وأن نضع حدًا لهذه المأساة. فليس بين النصر والهزيمة اليوم سوى خط رفيع اسمه السلام، هو وحده الذي يعيد للسودان وجهه الجميل ومكانته بين الأمم.حتما ننتصر حين نتوقف عن الحرب، ونبدأ في بناء السلام.The post الفريق ياسر العطا.. الشجاعة الحقة أن ننتصر للسلام appeared first on صحيفة مداميك.