مرام عليكان دوماً عصيّاً على أن يصب في قوالب كتابية تجعله عرضة لتصورات مواعين الجميع!ها تحمله أولى نسمات الشتاء، موسم المعرفة، و : ” على أول الذكريات تهب رياح الشتاء وفي أولات المواسم تمطر شيئاً على الحدس قبل المطر!”وقد كان حدسه صائباً دوماً، ومربكاً بصورة تجلب المخافة!وفي شتاء صعيب، كان حينها قد منح معطفه الشاي لبن لشخص لم يبح باسمه! يحوم في الليالي بقميص رهيف وعظامٍ ناتئة، كانت الخرطوم قاسية ومحبوبة بالرغم من ذلك، وبرندات العربي تنبيء بعطفٍ حانٍ يحرّض على البكاء!والأيام يسوقها حادي الحدا نحو مراعٍ قاحلة بغناء مكتوم الصوت لكنه مسموع لمن يعرف الموسيقى الخفية!وعلى الدوام تمضي النهارات يتردد فيها صوته حينما يهب أحداً شيئاً : تكّس ما يرجع!كيف تحلو النهارات الحارقة مع آسيا ست الشاي، صابرين اختها، وفي زمان شاحب بلا هاتف، فهكذا هو، لأنه يمنح أشياءه دون أن يصرح بذلك : فقط، نكتشف ذلك من معرفتنا به !في زمان شاحب كان أحياناً يستعير هاتف صابرين ست الشاي اللذيذة لدقائق، يجري فيها اتصالات مهمة! بعدها يخلع شريحته بهدوء، وفي قلب صابرين قبل قلبه، امتناناً للنبل ووفاء الزباين، وتمضي الأيام، وهو وحده، وحده تماماً !دون أن يصرّح أيضاً، لا لصابرين ولا آسيا، أنه : دكتور!كان يصف الأشياء والعواطف على قدر العالم المرئي!ويقول : قدر العالم المرئي، وهو في بصيرته شاسع ويمتد ويتفوكس ويتكبر ويتضاءل!كان يحب معرفة السيارات، تشريحها من الداخل مثل جثة مهمة للجنايات وطلاب الطب، ويحب المرسيديس!وتكثر مشاويره للمنطقة الصناعية!.إذا رأيته من بعيد، رأيت مهابةً ووقاراً رزيناً، وإذا رأيت ثمّ، رأيت أسفاراً مشجونة، لا أعرف كيف، لكنه يحمل رائحة المسافرين وحقائب السفر، أغبش بلا غبار، وأشعثاً بلا إهمال!وطوييييل، زي بال النبي!وأخدرزي جبب الدراويش الملانة ذِكر ..الرزانة الشِن تقيلة!الرواكيب حِن مقيلاالقميرا أنيس شليلا ..الخطاوي الكيف مَهيلة ..فيهو من ريحة الشديراتالضليلةوريحة مطر في قَش!يضحكتشمي الضحكة :دعاشدعاش!وأحدباً، محدودباً، لكثرة الأحمال، مجازاً وحقيقة، وفي لغة البادية يرد وصف الأحدب على الرجل الذي يحمل أثقال الشهامة والمروءة!رفاقه يصفونه بلمبة التلاجة، لتأهبه الدائم للمهام الصعبة!وأنا أسميه النجمة اللّجّاجة : لشدة ما أعانني على الهُدى والسير بالنور نحو النور، حتى لو كان بعيداً،” وكل ما أظلك فهو سماءُ “!كانت الخرطوم في علامات ساعتها الأخيرة، كانت كل الإشارات واضحة تماماً، ثمة حيوات سوف تنمحي يا حناني، فحمل معي خوف الأيام، وخلع حجاب الضعف وألبسني بردة اليقظة والتقوّي على الوهن الموهوم!كان صادقاً بحدّة جارحة لكنها سرعان ما تصير بلسماً حين معرفة بصيرتها!ورقيقاً بروحانية باردة، لكنها سرعان ما تخفي ذاتها بستارة أشبه بمناديل فاين حينما تفتحها كوردة إلى ثلاث طبقات شفّافة للغاية!يسرد أقاصيص طفولته وكأنه للتوّ لا يزال هناك، عالقاً مثل كثير منا في زمان حملناه على ظهر أعيننا صوب زمان رأى أننا لا نكترث لرؤيته كثيراً سوى أنه يعوق مسيرنا !إذا رأيت حذاءه سينبؤك بالطرقات المسلوكة، وكان دوماً ما يلتفت في اللحظة الدقيقة للغاية نحو رقم يخص حساباته الكونية أو لافتة تحمل اسماً له معنى ورواية!مثلما التفت نحوي في لحظة مرتبة سماوياً في استعجالي الأولاني وحدثني بلغة لم تكلمني بمثلها سوى ذات أخبيها في نجوى الخلوات!فقلت ها هو ذا ! هو ذا، مثل لحظة تجد فيها تسجيلاً لأغنية تبحث عنها منذ آماد وآماد، أو مسبحة أهدتها لك جدتك كتعويذة من شياطين الزمان، وندهة لملائكة النور!_ بيشبه محمود عبد العزيز شديد مش؟فقلت لا، رغم شبهه الظاهر به، حتى طيف الروح، لا، إذ كان حينها حاضراً بصورة لا تسمح لذات أخرى أن تندمج معه ..” ثم مسحت عن عينيه تراب ثلاثين عاماً وضعف عيونه بمن قد رأى” . _ مظفر بتصرفثم كانت له أغنيات لا يعرفها سواه، وأفلاماً عصية على الإدراك!و كان وحده، في عوالم لو لم نرها لدحضنا وجودها على أنها خيالات .وإذا رأيت فيها ما لا يسرك، واعتبرته نقيصة، لكان ذلك أشبه بشهاب يسقط ليسمح لنجمة بالجوار أن تُرى!ثم أنه لا يمتلك صفحة على فيسبوك، ولا شخصية أثيرية تحتمل التأويلات، هو هو فقط!يحب الرياضيات والنظريات الفيزيائية، ويقدّر العواطف بالكون المرئي فقط ..كان مثل حلم يشبه أمدرمان في الأحلام، والبيوت الأولانية التي طبخت أقاصيص طفولتنا، البيوت التي حفظتنا وحفظناها، ورغم تنقلنا الدائم من بيت نحو بيت، من مدينة إلى مدينة، نحلم بنا ونحن كباراً، في بيتنا الأولاني، المختوم للرؤيا التي تعرف أحلام العودة، رغم أننا لسنا هناك، منذ سبعة عشر عاماً .. The post أسميه النجمة اللّجّاجة appeared first on صحيفة مداميك.