في أمسية حزينة من مساء الجمعة، غاب عن المغرب والعالم العربي واحد من أكثر الأصوات اليهودية جرأة في مناصرة القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل. رحل صهيون أسيدون، المناضل والحقوقي المغربي، ومنسق الفرع المغربي لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها (BDS)، عن عمر ناهز السابعة والسبعين، بعد غيبوبة امتدت لأشهر.ولد أسيدون في مدينة أكادير سنة 1948، لعائلة يهودية مغربية، ودرس الرياضيات في فرنسا، ثم عاد إلى وطنه الأم عام 1967، ليشارك في تأسيس الحركة اليسارية المغربية، ويقضي 12 سنة في السجن بسبب مواقفه السياسية.وتزوج أسيدون من سيدة فلسطينية أمريكية وانجب منها ولدا.ورغم انتمائه الديني، لم يتردد أسيدون في إعلان عدائه الشديد لـ"إسرائيل" التي وصفها بأنها كيان يقوم على العنصرية والجرائم الحربية، قائلا في تصريح حاد: "الإسرائيليون ليسوا مواطنين عاديين.. كلهم خاضعون للخدمة العسكرية، وبالتالي يشاركون في جرائم الحرب."كان يؤمن أن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني واجب أخلاقي وإنساني قبل أن يكون موقفا سياسيا، وكان يردد: "غزة هي تازة، وتازة هي غزة، فكل القضايا العادلة لا تتنافس، بل تتكامل."بعد خروجه من السجن، لم يتوقف أسيدون عن النضال. أسس منظمة الشفافية المغربية، وشارك في كل معركة تخص حقوق الإنسان، وحرية التعبير، ومكافحة الفساد. لكنه ظل يعتبر أن المعركة المركزية هي فلسطين، وأن مقاومة التطبيع جزء لا يتجزأ من مقاومة الظلم أينما كان.من موقعه كمنسق لحركة BDS في المغرب، خاض معارك فكرية وثقافية شرسة ضد محاولات اختراق الوعي العربي عبر الفن والرياضة والجامعات، مؤكدا أن: "لا توجد جامعة أو معهد في إسرائيل لا يتعاون مع الجيش، حتى في علم النفس والعلوم الاجتماعية... المقاطعة الثقافية هي سلاحنا لتعرية الاحتلال من صورته الكاذبة."عرفه المغاربة بوجهه الهادئ وكوفيته الفلسطينية التي لم تغب عنه في المسيرات والندوات. كانت الكوفية بالنسبة إليه رمزا للكرامة، وبيانا علنيا ضد الصمت. ارتداها في الجامعات والنقابات والمتاحف، وفي كل مساحة عبر فيها عن قناعته بأن الصهيونية عدو الإنسانية قبل أن تكون عدو فلسطين.كان أسيدون يرفض وصفه بـ"اليهودي المغربي"، معتبرا أن الانتماء الإنساني أوسع من أي تصنيف ديني أو عرقي. وكان يقول: "نحن لا نحارب دينا، بل نحارب مشروعا عنصريا اسمه الصهيونية."في رسائل بعثها إلى الزعيم الراحل ياسر عرفات، أعلن رغبته بالانضمام مع صديقه إبراهام السرفاتي إلى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، مؤكدا دعمه للمقاومة بكل أشكالها، بما فيها حق الشعب الفلسطيني في حمل السلاح ضد إسرائيل. ولم يتردد في وصف الإسرائيليين الذين شاركوا في قمع الفلسطينيين بـ"مجرمي حرب"، قائلا إن كونهم "من أصول مغربية لا يمنحهم الحصانة من الإدانة".حتى أيامه الأخيرة، ظل أسيدون يطالب بفضح الطبيعة العنصرية للمشروع الصهيوني، ويرى أن مهمة المثقفين العرب هي "تعليم الأجيال أن مناهضة الصهيونية ليست عداء لليهود، بل رفضا للاحتلال والعنصرية."كان يقول: "التسامح لا يكون مع المجرمين، ولا يمكن أن يجتمع الظالم والمظلوم على طاولة واحدة باسم السلام".برحيل صهيون أسيدون، فقدت فلسطين صديقا صادقا، وفقد المغرب صوتا حرا نادرا ظل وفيا لقيم الحرية والكرامة حتى آخر يوم في حياته. ترك خلفه كوفيته الفلسطينية التي كانت رايته الدائمة، وصوته الذي صدح في وجه الصهيونية من قلب الدار البيضاء حتى غزة، مؤمنا أن النضال لا يعرف دينا ولا حدودا، وأن الإنسان الحر هو من يقف في صف المظلوم دائما.المصدر: RT