دخل أحمد الشرع التاريخ كأول رئيس سوري يزور البيت الأبيض لكن المشهد السوري في واشنطن بقي مع ذلك ضبابيا ومفتوحا على احتمالات عديدة تسمح لكل من مريدي الشرع وخصومه على السواء بالتسويق لسرديتهم الخاصة بالزيارة التاريخية على النحو الذي يشاؤون وربما يتمنون . فقبل الزيارة وأثناءها وما تلاها استفاض الموافقون على سياسة الشرع في الحديث عن حنكته السياسية التي أفضت كما يقولون إلى كسر عزلة سوريا الدولية التي استمرت لعقود وعن نجاحه في تعليق العقوبات الاقتصادية وجعل بلده تحت عباءة الدولة الأقوى في العالم يذود بها عن شرورو أبرز حلفائها "إسرائيل" التي قطعت الزيارة عليها السبيل إلى العربدة الدائمة في سوريا. لكن ثمة وجهة نظر مختلفة عند عدد من السوريين صوبوا على الزيارة من زاوية أنها لم تفض إلى نتائج ملموسة يمكن أن يعتد بها حيث بقي الغموض الأمريكي حول نتائجها سيد الموقف فيما علقت العقوبات ولم ترفع خلافاً لما سوقه مناصرو الشرع. زيارة تاريخيةأن يزور الرئيس أحمد الشرع البيت الأبيض كأول رئيس سوري يقوم بذلك فهذا ليس مجرد تفصيل بل خطوة لها ما بعدها لأنها تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية التي بقيت عدائية على مدى سنوات طويلة قد تكون هي عمر سوريا نفسها فيما تتجه سوريا بخطوات واثقة نحو أن تصبح حليفة للولايات المتحدة الأميركية التي لا يمكن لعاقل أن يتجاهل حضورها الدائم في العالم وقدرتها على إرساء الاستقرار في أية دولة لا تجعل من نفسها شوكة في جنب واشنطن كما يقول المحلل السياسي السوري جمال رضوان الذي أكد في حديثه لـ "RT" أن الرئيس الشرع ذهب إلى واشنطن على بصيرة واضحة وبينه جعلته يعرف أن الاشتباك مع الأمريكي سيضيع على بلاده فرصة الإستقرار التي وفرها سقوط نظام الأسد فيما اشتاق السوريون اليوم إلى أن ينعموا بالأمان الذي سيتأتى كما يقول رضوان من المساهمة الفعالة مع واشنطن في محاربة الإرهاب والاتكال عليها في الوصول إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل تلجمها عن ممارسة عدوانها المستمر على سوريا. وحول بروتوكول الاستقبال المريب الذي لقيه الرئيس الشرع في البيت الأبيض ودخوله من باب جانبي أشار المحلل السياسي إلى أن هذا الأمر تفصيل عادي يدحضه الكلام الذي جاء على لسان المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك حين قال بأن الرئيس الامريكي ترامب مدد الزيارة إلى ساعتين بعدما كانت مقررة لعشرين دقيقة فقط نتيجة احتفائه بنظيره السوري الذي أثبت حنكته السياسية وقدرته على التأكيد على مصالح بلاده بصرف النظر الظروف الصعبة التي تمر بها منوهاً بتأكيد الرئيس الشرع ومن واشنطن تحديداً على أن التطبيع مع إسرائيل غير وارد حالياً بسبب احتلالها للأراضي السورية وهو موقف يعكس القدرة على مراوغة الإملاءات الأمريكية دون أن يتسبب ذلك في إغضاب واشنطن مع التأكيد السوري على المرونة حين تبادر إسرائيل إلى خطوات بناء الثقة مع دمشق. ولفت رضوان إلى أن الرئيس الشرع استطاع التسلل من التناقض الأمريكي الإسرائيلي حول سوريا وهو ما تبدى من خلال التصريحات الإسرائيلية التي بدأت تقبل بالحكومة السورية الجديدة وإن من خلال شروط بعدما كان الهدف الإسرائيلي يتمثل في تحويل سوريا إلى كنتونات طائفية متصارعة فيما نجح الرئيس الشرع وفق رضوان في إقناع واشنطن بأن سوريا موحدة ومستقرة ولها مكانتها على الخارطة الدولية أفضل للمنطقة من سوريا مقسمة ومتعددة الولاءات يتسلل منها أعداء واشنطن من جديد لإثارة المشاكل والقلاقل التي رحلت مع خروج الإيرانيين من سوريا كما يقول. تعليق العقوبات خطوة جيدة. ولكن ؟وفي الشأن الاقتصادي يرى الخبير السوري الياس جبور في حديثه لموقعنا أن زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ولقاءه مع ترامب نجحت في إقناع أعضاء الكونغرس وغيرهم من المعنيين بعقوبات قيصر بضرورة إعطاء الحكومة السورية الجديدة الفرصة المناسبة لإثبات قدرتها على التماهي مع المطالب الأمريكية المتعلقة بحقوق الأقليات ومحاربة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل مشيراً إلى أن تعليق عقوبات قيصر لمدة ستة أشهر وضع الحكومة السورية تحت الاختبار الفعلي الذي إن عبرته بنجاح فإنها ستثبت أهليتها في اغتنام الفرصة لافتاً إلى أن حملة المداهمات التي أطلقتها القوات الأمنية السورية بحق مقاتلي داعش وخلاياه القائمة قبل زيارة الرئيس الشرع لواشنطن تشكل باكورة تنفيذ التزامات سوريا بالرغبة الأمريكية في محاربة التنظيم الإرهابي. وحول آثار تعليق العقوبات على الاقتصاد السوري وحركة الاستثمار أكد جبور أن الخطوة جيدة ولكنها تبقى ناقصة على اعتبار أن الشركات العالمية التي ترغب في الاستثمار داخل سوريا والبدء في عملية إعادة الإعمار ستبقى متحفظة وقلقة نتيجة الخوف من عدم رفع العقوبات بعد ستة أشهر ربطا بقدرة الحكومة السورية على تنفيذ الشروط الأمريكية من عدمها لكن الأمور مع ذلك وفقاً لجبور تبقى بيد الحكومة السورية التي يبدو أنها فهمت ما يجب عليها القيام به من أجل مراكمة المزيد من الثقة مع واشنطن وصولاً إلى رفع العقوبات بشكل نهائي ووضع سوريا مجدداً على الخارطة الدولية. ما الذي يملكه من أوراق التفاوض؟في المقابل يرى جانب من السوريين بأن الرئيس الشرع ذهب إلى البيت الأبيض منزوعا من أية أوراق قوة يمكن أن يفاوض من خلالها على قضايا هامة تمس أمن وسيادة بلاده مثل السيطرة الإسرائيلية المطلقة على الجنوب وتضمين قبوله الاشتراك في التحالف الدولي ضد داعش اعترافا ضمنياً بدور قوات سوريا الديمقراطية " قسد" المنضوية كشريك عملي لواشنطن في هذا التحالف الأمر الذي يجعله معنيا بالدرجة الأولى بتثبيت حكمه قبل أي اعتبار آخر كما يقول المحامي والمحلل السياسي حمدان عبد الحق لموقعنا مشددا على أن تجاوز طريقة الاستقبال التي أحاطت بدخول الشرع إلى البيت الأبيض يدخل في إطار عدم القدرة على قراءة مدلولات ومظاهر الخطوة التي تنفذ إلى العمق وكأنها تقول للشرع بأن الاعتراف بشرعيتك لم يأت بعد وأنك لم تحظ بما يتاله زوار البيت الأبيض من بقية الرؤساء لأن جزءًا من المخطط والتدبير الأمريكي حول سوريا لا يزال حبيس الأدراج المغلقة كما يقول حمدان الذي أشار إلى أن الشرع يحاول إرضاء الجميع بحيث يحدث كل طرف إقليمي أو دولي معني بالشأن السوري بما يحب سماعه متجاهلا أن ثمة تناقضات كبيرة بين هذه الأطراف في سوريا فيما تبرز المشكلة الكبرى برأيه في صعوبة ترتيب البيت الداخلي ضمن هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الجهادية التي بدأت تخشى على نفسها من الوعود التي أطلقها الشرع لواشنطن بالدخول في التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تمثله هذه الفصائل من وجهة نظر أمريكية فيما لا تزال الأسماع تردد صدى فتوى وزير العدل الحالي في حكومة الشرع والذي أفتى بتكفير كل من ينضم لهذا التحالف من أجل محاربة أخيه المسلم. فكيف سيخرج الشرع من هذا الفتوى ؟! يتساءل المحلل السياسي. المصدر: RT