في 10 نوفمبر عام 1898، شهدت مدينة ويلمنغتون حادثةً استثنائية في التاريخ الأمريكي، أطيح بحكومة شرعية محلية منتخبة عبر انقلاب مسلح، تبعته هجمات أودت بحياة العشرات من السود. كانت ويلمنغتون مدينة يقطنها عشرة آلاف نسمة، ما يزيد عن نصفهم من السود، لكن السلطة ظلت لعقود حكرا على ما سمي بـ"الحزب الديمقراطي للعرق الأبيض"، المدعوم بميليشيات "القمصان الحمراء".وفي عام 1898، قرر السود والخلاسيون للمرة الأولى المشاركة في إدارة المدينة، ورشحوا ممثلين لهم في انتخابات مجلس المدينة، مدعومين بمجموعة من البيض المنضمين إلى حركة الاندماج التي نادت بإلغاء الفصل العنصري والتعاون بين الأعراق.واجه الديمقراطيون العنصريون هذه الخطوة بحملة تحريضية بين البيض، حذرت من "فظائع" سيرتكبها "الزنوج المتوحشون" حال وصولهم إلى السلطة.في يوم الاقتراع، حاولوا منع الناخبين السود من الإدلاء بأصواتهم، لكنهم فشلوا في تعطيل الانتخاب تماما في الأحياء ذات الأغلبية السوداء. أسفرت النتائج عن فوز السود إلى جانب مؤيدي الاندماج بثلث مقاعد المجلس، ما منحهم أغلبية مكنتهم من انتخاب عمدة المدينة. ردا على ذلك، دعا زعيم الديمقراطيين العنصريين، ألفريد مور، أنصاره إلى "إعطاء درس للزنوج" واستلام السلطة بقوة السلاح. بدأ المتطوعون البيض، بمن فيهم أعضاء من منظمة "كو كلوكس كلان" المتطرفة، بالتدفق إلى المدينة حتى بلغ عددهم ستمائة شخص. في صبيحة العاشر من نوفمبر، سيطر الانقلابيون على مقر الشرطة والمباني الحكومية، وأعلنوا حل المجلس البلدي وتنصيب مور عمدةً للمدينة.تبع ذلك موجة عنف مروعة، حيث اجتاحت عصابات "القمصان الحمراء" و"كلو كلوكس كلان" الشوارع مسلحين بالبنادق، يطلقون النار على كل أسود يصادفونه. دمروا المحال التجارية والورش والصالونات والمؤسسات المملوكة للسود، وأحرقوا مبنى صحيفة "تقرير ويلمنغتون"، الصحيفة السوداء الوحيدة في الولاية، بالإضافة إلى منظمة "الحب والرحمة" الخيرية المجاورة للكنيسة.بلغت المذابح ذروتها عند تقاطع شارع "برونزويك" والشارع السادس، حيث قُتل ثمانية وعشرون شخصا، بينما سقط تسعة آخرون قتلى في شارع "هارنيت"، وقُتل ستة عمال في منشرة كيب فير. تراوح عدد الضحايا بين تسعين إلى أكثر من مئة قتيل، دون أن يكون بينهم أي أبيض. عندما علم حاكم الولاية بالأحداث الدموية، أرسل فرقة من الحرس الوطني لاستعادة النظام، لكن الجنود البيض رفضوا التصدي للمتمردين، بل وانضم بعضهم إليهم. أبرق الحاكم إلى واشنطن طلبا للمساعدة الفيدرالية، إلا أن الرئيس الأمريكي ويليام ماكينلي اعتبر الأمر "شأنا داخليا" لا يبرر التدخل خشية إشعال حرب أهلية جديدة.وجد السود أنفسهم عزلا ومن دون أي حماية، فلم يبقَ أمامهم سوى الفرار أو الاختباء. خلال أيام، غادر أكثر من ألفي من ذوي البشرة السوداء المدينة بلا رجعة، تاركين وراءهم بيوتهم وأملاكهم.بعد أشهر، أجريت انتخابات "حرة" جديدة حُرم فيها السود ومؤيدو الاندماج من المشاركة، ليفوز "الحزب الديمقراطي للعرق الأبيض" بجميع مقاعد المجلس، ويصبح ألفريد مور عمدة "شرعيا" حكم المدينة حتى وفاته عام 1912، دون أن يحاسب أي من الجناة أو تُذكر مذبحة ويلمنغتون إلا كصفحة مظلمة في تاريخ أبكم.المصدر: RT