السودان: حكومتان بلا شرعية ومخاطر التمزيق.. موقف القوى المدنية على المحك

Wait 5 sec.

عاطف عبداللهفي تطور بالغ الخطورة، أعلن “تحالف تأسيس” بقيادة قوات الدعم السريع وعدد من الحركات المسلحة والقوى السياسية، تشكيل مجلس رئاسي مكون من 15 عضواً، وتعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، في خطوة تمثل الإعلان الرسمي عن حكومة موازية للسلطة القائمة في بورتسودان، التي يسيطر عليها الجيش السوداني.بهذا الإعلان، لم يعد خطر ازدواج السلطة مجرد احتمال نظري، بل واقع فعلي يهدد بإعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية للسودان على نحو بالغ التهديد.بين بورتسودان ونيالا، تتنازع حكومتان فاقدتان للشرعية سيادة الوطن، بينما ينزف السودان أرضاً وشعباً ومؤسسات. إحداهما عسكرية تدير ما تبقى من الدولة من الشرق، والثانية أعلنتها مؤخرًا قوى “تحالف تأسيس” في الغرب، في محاولة لفرض أمر واقع على أنقاض الدولة المنهارة.كلا الطرفين يفتقر إلى الشرعية الشعبية والتفويض الديمقراطي. كلاهما يرتكز على القوة المسلحة وفرض النفوذ بالقهر والدمار، في تناقض صارخ مع تطلعات السودانيين الذين نادوا مرارًا بحكم مدني ودولة عادلة موحدة. الأسوأ من ذلك، أن كليهما يدّعي تمثيل الدولة السودانية، بينما يغرق السودان في الجوع والتشريد والانهيار الشامل.لا شرعية في فوهات البنادقإن محاولات الجيش من جهة، وتحالف تأسيس من جهة أخرى، لتثبيت حكومتين منفصلتين، ليست سوى تمهيد صريح لتقسيم الوطن وتكريس منطق الحرب كأداة وحيدة للحكم. فكما لا يمكن لحكومة مدعومة بالدبابات أن تدّعي تمثيل الإرادة الشعبية، لا يمكن لحكومة تهيمن عليها مليشيا متهمة بارتكاب فظائع أن تدّعي تمثيل السودان الجديد.لقد كشفت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، ليس فقط هشاشة الدولة السودانية، بل وأظهرت استعداد بعض القوى للرهان على الانقسام كطوق نجاة سياسي أو عسكري. وبدلاً من السعي إلى حل وطني جذري، شهدنا تسارعاً في إنتاج أدوات الانقسام: من بيانات سيادية متضادة، إلى سفراء مزدوجي الولاء، وانتهاءً بمهزلة حكومتين تمارسان وظائف الدولة من موقعين متنازعين.كلتاهما تسيران بالسودان إلى النموذج الليبي، إن لم يكن السوري أو الصومالي، حيث تتعدد الحكومات وتضيع الدولة.غياب المشروع المدني الموحَّدما يعمق الأزمة هو غياب رؤية مدنية موحدة قادرة على ملء الفراغ الوطني، إلى جانب ارتباك القوى الإقليمية والدولية في التعامل مع المشهد السوداني، حيث تتراجع المبادرات الجادة أمام تغوّل الحسابات الذاتية. وكلما طال أمد الحرب، ترسّخت شبكات الأمر الواقع، وتعمقت السلطات المحلية، وتضاءلت فرص استعادة الدولة المركزية الموحدة.نداء إلى القوى المدنية: لا وقت للمناوراتفي ظل هذا الانحدار، لم تعد القوى المدنية تملك ترف التراخي أو التشرذم أو الغرق في خلافاتها. عليها أن تستشعر، بجدية، الخطر الوجودي الذي تمثله الحكومتان المتنازعتان، وأن تبادر فوراً إلى توحيد صفوفها دون إقصاء أو شروط مسبقة، باستثناء حزب المؤتمر الوطني المدحور ومن تحالف معه أو والاه، باعتباره المسؤول الرئيسي عن دمار السودان لعقود طويلة.المرحلة لا تحتمل مناورات أيديولوجية، ولا مقايضات على الولاءات أو الغنائم. المطلوب اليوم هو جبهة مدنية موحدة، تمثل ضمير الثورة، وتُعبّر عن آمال الشارع، وتتصدى لمشاريع الحرب والانقسام، وتعيد صياغة المعركة في إطارها الوطني الصحيح.أجندة عاجلة للإنقاذعلى القوى المدنية أن تتبنى أجندة واضحة وواقعية، تتضمن:الوقف الفوري للحرب عبر ضغط دولي حازم على طرفي النزاعفتح ممرات الإغاثة الإنسانية، وتسهيل عودة النازحين، وبدءجهود الإعمار.تأسيس جيش وطني موحد، عبر دمج وتأهيل المليشيات القابلة لذلك، وتسريح أفرادها وإعادة إدماجهم في المجتمع.حل جميع التشكيلات المسلحة خارج المؤسسة العسكرية، دون استثناء.عقد مائدة مستديرة وطنية تجمع كل القوى المدنية والمجتمعية لصياغة مشروع وطني موحد، يؤسس لدستور جديد قائم على المواطنة والعدالة ووحدة التراب السوداني، دستور يؤمن على العدالة الانتقالية والمحاسبة على الانتهاكات.السودان ليس أرضاً للوصايةالمجتمع الدولي مدعو للمساعدة، لكن لا يمكنه أن يكون بديلاً عن الإرادة الوطنية. على القوى المدنية أن توحد خطابها، وتخاطب العالم بصوت واحد، تطالب فيه بوقف دعم أي طرف عسكري، وتضع في صدارة المشهد أولويات السلام وكرامة الإنسان ووحدة السودان، لا توازنات السلاح والرعب.لا وطن مع حكومتين، ولا شرعية تنبع من فوهات البنادق. إما أن تتوحد القوى المدنية، أو تُترك البلاد نهباً للحرب والانقسام، ويتحول السودان إلى مجرد خرائط نفوذ تديرها المليشيات والمصالح الأجنبية.الخيارات واضحة: إما وطن يُبنى بالإرادة والشراكة والعدالة، أو وطن يُفنى تحت عباءة السلاح والأنانية السياسية.لا ينبغي أن يُترك مصير السودان رهينة لأطراف تتقاتل على السلطة، بينما الشعب يئن تحت وطأة الجوع والنزوح والانهيار. وإن لم نتدارك أنفسنا، فإن “السودان” كما نعرفه، لن يبقى سوى ذكرى في كتب الجغرافيا، تتنازعه حكومتان، كلٌ تدّعي أنها الوطن.The post السودان: حكومتان بلا شرعية ومخاطر التمزيق.. موقف القوى المدنية على المحك appeared first on صحيفة مداميك.